مجموع الأصوات: 65
نشر قبل 6 سنوات
القراءات: 5068

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

المسلمون في المجتمعات غير الاسلامية.. نظرة جديدة الى الذات

يفترض أن رؤية المسلمين لأنفسهم وحاضرهم ومستقبلهم، في المجتمعات غير الإسلامية التي ينتمون إليها، قد تغيرت وتجددت، بعد كل هذه التحولات والتطورات الواسعة والمتعاظمة التي حصلت، ومازالت تحصل في العالم، وعلى كافة الأصعدة، والتي تسارعت وتيرتها وتكثفت في ظل ثورة المعلومات وانفجار المعرفة، ومع انبعاث تيار العولمة الذي نبه الجماعات والمجتمعات إلى ذاتها، وأعاد إليها الوعي بذاتها ووجودها، وفتح عليها سؤال الهوية، والعلاقة مع الآخر، وجعلها تدرك أنها باتت أكثر اتصالاً وتشابكاً مع العالم، بكل ثقافاته وقومياته ولغاته وجغرافياته.

وكان من المهم أن يحدث مثل هذا التغير والتجدد، في النظرة إلى الذات عند هؤلاء المسلمين، ليكون باعثاً لحالة من الوعي واليقظة، وضرورة للبحث عن أفق جديد، لعله يساهم في تحريك وتطوير وتحسين وضعية هؤلاء المسلمين في مجتمعاتهم غير الإسلامية.

والحديث عن هذا الموضوع في هذا الوقت، إما أنه يأتي كمؤشر لوجود تغير وتجدد على مستوى الواقع الموضوعي، بالشكل الذي يستدعي البحث والنظر في هذا الموضوع، وإما أنه يأتي في سياق البحث عن أفق جديد على مستوى النظر، يمكن أن يساهم في تطوير رؤية هذه المجتمعات لمستقبلياتها في عالم متغير ومتقلب.

ولاشك أن مثل هذا التغير في النظرة إلى الذات، نلمسه بقوة وعمق عند المسلمين في بلاد القوقاز، فنظرة هؤلاء لأنفسهم اليوم تختلف بصورة جذرية وتامة، عن نظرتهم لأنفسهم في ظل وجود كيان الاتحاد السوفيتي المنهار، وفي ظل حاكمية الأيديولوجية الماركسية المتصدعة، وما حصل في منطقة الشيشان يظل شاهداً على هذه الحقيقة، في تغير النظرة إلى الذات، والبحث عن مستقبل مختلف.

وهو التغير نفسه الذي نلمسه عند دول ومجتمعات آسيا الوسطى الإسلامية المستقلة اليوم عن روسيا، والتي ضمت بالقوة إلى الإتحاد السوفيتي من قبل، وهي دول (كازاخستان وأوزبكستان وتركمنستان وقرغيزيا وطاجكستان)، فظهور هذه الدول وعودة السيادة لها غير تركيبة الجغرافيا السياسية في آسيا الوسطى، وجعل هذه الدول والمجتمعات تستعيد ذاكرتها التاريخية المجمدة، وإرثها الحضاري المنقطع، وهويتها الروحية والثقافية بالحضارة الإسلامية، والثقافة الإسلامية.

ومع هذا التحول حصل أعظم جدل فكري وسياسي بين كافة النخب والجماعات هناك، وامتد هذا الجدل حول ما سمي بالعامل الإسلامي، إلى روسيا وما حولها، وهذا ما حاول شرحه المستشرق الروسي الدكتور الكسي مالا شينكو ـ مدير دائرة الدين والأيديولوجيا في قسم الدراسات الاجتماعية النظرية في معهد الاستشراق، التابع لأكاديمية العلوم الروسية ـ في كتابه: (الإسلام.. الثابت الحضاري والمتغيرات السياسية) الصادر عام 1999م، وعن هذا الجدل في روسيا يقول: بعد تفكك الإتحاد السوفيتي، تبدل الوضع السياسي في الدول التي كانت تشكله، فبدأت روسيا تعاني من مضاعفات اجتماعية وسياسية لم تشهدها من قبل، إذ في الوقت الذي بدأ فيه العامل الإسلامي بالتعاظم تدريجياً، إلى درجة بات يهدد فيها استقرار روسيا من الداخل (تتارستان، الشيشان، انغوشيا)، أخذ الحديث يكثر حول تشكيل اتحاد للدول الإسلامية في آسيا الوسطى المتاخمة لروسيا. وقد وجدت روسيا نفسها تمثل جزءاً من الهيكل الحضاري الإسلامي، ولم يكن بإمكانها رغم المحاولات الجادة، القضاء على ملامحه، وجعله يذوب في المحيط غير المسلم.

ومن وجه آخر فتح هذا التحول حديث الهوية والانتماء في داخل هذه المجتمعات الإسلامية1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 29 نوفمبر 2006م، العدد 14704.