حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
اهمية وفضل صلاة الجماعة
قال الله في محكم كتابه: ﴿ ... إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ 1، وقال ايضاً: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ 2.
هاتان الآيتان وغيرهما الكثير ممّا ورد في القرآن الكريم حول الصلاة الواجبة في الإسلام تشير بلا ريب إلى أهميّة هذه الفريضة التي صار وجوبها من بديهيّات الدين الإسلامي لدى جميع البشر حتى غير المسلمين وهي من جهةٍ أخرى أحد أعمدة الدين الإسلامي الأساسيّة كما في حديث: (بني الإسلام على خمس، على الصلاة والزكاة الصيام والحج والولاية...)، وهي العلامة الفارقة بين المسلم وغيره كما في حديث: (بين الإيمان والكفر ترك الصلاة) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
والصلاة هي الوسيلة العباديّة المستمرّة يومياً ما بين العبد وربّه، ومن هنا تتميّز عن باقي العبادات، فالحجّ واجبٌ مرةً في العمر على المُستطيع، والصّوم واجبٌ فقط في شهر رمضان من كلّ سنة، والخمس والزكاة واجبان على كلّ من ملك الأمور التي يجبان فيها، أمّا الصلاة فهي الصلة الدائمة والمستمرّة التي لا تنقطع بين العبد وربّه منذ أن يصبح مكلّفاً إلى أن يخرج من هذه الدنيا، فهي رفيقته الدائمة في الحضر والسفر، في الصّحة والمرض، في الفقر والغنى، وفي كلّ الأحوال ومن هنا ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليكن أكثر همّك الصلاة فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين)، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (حافظوا على الصلوات الخمس فإنّ الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة يدعو بالعبد، فأول شيء يسأل عن الصلاة، فإن جاء بها تامّاً وإلاّ زُجّ في النّار).
والصلاة هي أفضل أنواع التوسّل إلى الله عزّ وجل لما فيها من الذكر والدعاء والركوع والسجود والخضوع لله، وهي بيت الإخلاص والصدق مع ربّ العالمين، وهي تنزيهٌ للمؤمن عن التكبّر والتجبّر والإستعلاء، لأنّه من يسجد لله ويخضع له ولا يستضعف الآخرين ولا يهينهم لأنّه يعلم أنّه عبدٌ ضعيفٌ محتاجٌ إلى الفيض الإلهي كما هم بحاجةٍ إليه وإن تميّز عنهم بمواصفاتٍ معيّنة.
وما يزيد قيمة الصلاة ودرجة قبولها من المسلم المقبل عليها بخضوعٍ وخشوعٍ هو الإلتزام بالصلاة في أوّل أوقاتها وهو المسمّى عندنا بوقت الفضيلة الذي يزداد فيه أجر الصلاة وثوابها كما جاء في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما من عبدٍ أهمّ بمواقيت الصلاة ومواضع الشّمس إلاّ ضمنت له الروح عند الموت، وانقطاع الهموم والأحزان، والنجاة من النار)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (فضل الوقت الأول على الأخير كفضل الآخرة على الدنيا).
وممّا يزيد في قيمة الصلاة أيضاً أن تكون في المساجد لأنّها الأماكن التي يحب الله أن يُصلَّى فيها، لأنّ أجر الصلاة في المسجد تعادل بأضعافٍ أجر الصلاة في الأماكن الأخرى، ولذا ورد في الآية القرآنية: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ 3، وقد ورد في الحديث عن الذهاب للصلاة في المسجد وفي التوراة مكتوب: (أنّ بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبدٍ تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتي، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر، ألا بشّر المشّائين في الظلمات إلى المساجد بالنور السّاطع يوم القيامة) وهذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام): (عليكم بإتيان المساجد فإنّها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهّراً طهّره الله من ذنوبه وكُتب من زوّاره، أكثروا فيها من الصلاة والدعاء)، كما يمكن للإنسان أن يجعل في بيته مكاناً مُخصّصاً للصلاة، يتّخذه كمسجدٍ لنفسه يصلي فيه كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): (كان علي (عليه السلام) قد جعل بيتاً في داره ليس بالصغير ولا بالكبير لصلاته)، ويمكن أن يكون هذا المسجد لمن كان بيته بعيداً جداً عن المساجد، أو لأسبابٍ تمنعه من التردّد إلى المسجد للصلاة.
حتى أنّه ورد في روايةٍ أنّ أناساً كانوا يمتنعون عن الصلاة في المسجد كاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحرق بيوتهم كما قال الإمام الصادق(عليه السلام): (ليوشك قوم يدعون للصلاة في المسجد أن تُأجر بحطبٍ فيوضع على أبوابهم فتوقد عليهم نارٌ فتحرق عليهم بيوتهم).
وأمّا أكثر ما ورد التأكيد عليه في الصلاة هو الإتيان بها جماعة، وقد ورد في مدح الجماعة الكثير من الأحاديث حتى ورد في بعضها أنّ عدد المصلين جماعة إذا بلغ العشرة فما فوق لا يعلم مقدار ثوابها إلاّ الله عزّ وجل.
والسبب في التركيز على الصلاة جماعة أنّ فيها فوائد عديدة من التعارف والتودّد والتقارب بين المسلمين والتعاون على البرّ والتّقوى وزيادة أواصر الأخوّة والصداقة وإعطاء مظهر القوّة والعظمة للمسلمين وأنّهم يدٌ واحدة وقلبٌ واحد وتوجّه واحد، مُضافاً إلى ما فيها من زيادة الأجر والثواب لكلّ فردٍ من أفراد صلاة الجماعة ترفع من رصيده المعنوي والروحي عند الله يوم القيامة حيث كلّ واحدٍ محتاجٌ آنذاك إلى كلّ ذرة أجرٍ وثوابٍ على ما عمله في الدنيا الفانية. ولذا ورد في الحديث: (الصلاة في جماعة تفضّل على كلّ صلاة الفرد بأربع وعشرين درجة تكون خمسة وعشرين صلاة)، وفي حديثٍ لافت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من صلى الخمس في جماعةٍ فظنّوا به خيراً)، لأنّ المواظبة على الصلاة جماعة دليل الإيمان والتّقوى والإلتزام والورع والحبّ لله ومن كانت هذه صفاته لا يجوز لأحدٍ الظنّ به بسوء، بل ينبغي الظنّ به خيراً أم حسناً.
حتى ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) النهي عن مجاورة الذين لا يصلّون جماعة مع المسلمين، وهذا النهي محمولٌ على الكراهة لا على الحرمة وقد جاء في حديثٍ عن الإمام الصادق(عليه السلام): (رُفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة أنّ قوماً من جيران المسجد لا يشهدون الصلاة جماعة في المسجد، فقال (عليه السلام): ليحضرن معنا صلاتنا جماعة أو ليتحولنّ عنا ولا يجاورونا ولا نجاورهم).
لا تتقدّر الجماعة بعددٍ محدّد، بل أقلّ صلاة الجماعة ينعقد بإثنين يكون أحدهما إماماً للآخر وهذا دليلٌ إضافي على أهميّة الجماعة ودورها في الإسلام، ولذا ورد أنّ أول جماعةٍ أُقيمت بالإسلام كانت بإمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكّة كما في الحديث الشريف عن الصادق (عليه السلام) قال: (أوّل جماعةٍ كانت أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلي وأمير المؤمنين (عليه السلام) معه إذ مرّ به أبو طالب وجعفر معه فقال: يا بني صلِّ جناح ابن عمك، فلما احسّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تقدمها)....فكانت أوّل جماعة جمعت ذلك اليوم.
وقد وردت رواياتٌ كثيرة تشير إلى الحكمة في تشريع صلاة الجماعة، ولعلّ من أهمها الرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام): (إنّما جعلت الجماعة لئلاّ يكون الإخلاص والتوحيد والإسلام والعبادة لله إلاّ ظاهراً مشهوراً مكشوفاً، لأنّ في إظهاره حجّة على إظهار الشرق والغرب لله وحده، وليكون المنافق والمستخف مؤدّياً لما أقرّ به يظهر الإسلام والمراقبة، وليكون شهادات الناس بالإسلام بعضهم لبعض ممكنةً وجائزة، مع ما فيه من المساعدة على البرّ والتقوى، والزجر عن الكثير من معاصي الله عزّ وجل)، وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق(عليه السلام) ورد فيها: (إنّما جعل الجماعة والإجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلي ومن لا يصلي، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيّع، ولولا ذلك لا يمكن أحد أن يشهد على أحد بصلاح، لأنّ من لم يصل في جماعة فلا صلاة له بين المسلمين، لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (لا صلاة لمن لم يصل في المسجد مع المسلمين إلاّ من علّة).
فالصلاة جماعة مظهرٌ جميل جداً يمارسة المسلمون حيث يقفون صفوفاً منتظمة وراء بعضها البعض ويركعون سويّاً ويسجدون سويّاً وكأنّهم رجلٌ واحد يدخل الهيبة والرهبة لدى الآخرين ومن غير المسلمين، ولهذا كان التأكيد عليها كثيراً جداً.
مُضافاً إلى ما ذكرناه سابقاً من إستحباب الصلاة في المسجد وإستحباب إتيانها في أوّل أوقاتها، هذان الأمران يتحقّقان مع صلاة الجماعة، لأنّ الجماعة غالباً ما تكون في المساجد وتكون في أوّل أوقات الصلاة في وقت الفضيلة، لهذا تكون صلاة الجماعة قد جمعت أهم المواصفات التي تجعل الصلاة مقبولة عند الله بأحلى صورها وبأعلى درجةٍ من الأجر والثواب.
من هذا كلّه ينبغي على المؤمنين والمؤمنات أن يواظبوا على أداء الصلاة جماعة لتحصيل كلّ المنافع والفؤائد التي ذكرناها في طيّات الكلام، ولأنّ في تركها تفويتاً لتلك المنافع وتضييعاً للأجر والثواب الكبيرين الذين يكونان في متناول اليد.
وصلاة الجماعة في الإسلام لا تقتصر على الرجل فقط، بل هي حقٌّ للمرأة أيضاَ حيث يمكنها المشاركة في صلاة الجماعة والحصول على نفس الأجر والثواب كالرجل تماماً، لكن ينبغي ويجب على النساء أن يقفن خلف الرجال إذا كان الإمام رجلاً، كما يمكن أن يكون الإمام في صلاة الجماعة للنساء إمرأة أيضاً لرفع الكثير من الإحراج الذي قد تتعرض له النسوة في الجماعة مع الرجال أحياناً.
وتحتاج صلاة الجماعة إلى " الإمام " أي الشخص الذي يقف أمام المصلّين وهم يكونون خلفه يتابعونه في أفعاله وأقواله، فإذا كبّر كبروا، وإذا ركع ركعوا، وإذا سجد سجدوا، وإذا قام قاموا وإذا انتهى من الصلاة إنتهت صلاتهم أيضاً، وهذا الإمام لا يمكن أن يكون مطلق إنسان مهما كانت مواصفاته وأوضاعه، بل لا بدّ من توافر شروط عديدة فيه تجعله أهلاً لأن يكون إماماً لجماعة المسلمين.
وهذه الشروط متعدّدة ومتنوعة نتعرّض لها في البحث القادم إن شاء الله تعالى لضيق المجال عن ذكرها هنا4.
- 1. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 103، الصفحة: 95.
- 2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 238، الصفحة: 39.
- 3. القران الكريم: سورة الجن (72)، الآية: 18، الصفحة: 573.
- 4. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.