تقيمك هو: 1. مجموع الأصوات: 28
نشر قبل 3 سنوات
القراءات: 4286

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تنوع الضمائر في كلام الخضر

السؤال:

في سورة الكهف نقرأُ قصَّة النبيِّ موسى (ع) مع العبد الصالح، ولكن نجدُ اختلاف الإرادة من قبل ذلك العبد في الأفعال الثلاثة:

1- خرق السفينة يقول: ﴿ ... فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ... 1.

2- قتل الغلام يقول: ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا ... 2.

3- اقامة الجدار يقول: ﴿ ... فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا ... 3.

فما تفسير الاختلاف في الإرادة؟

الجواب:

أمَّا قولُه: ﴿ ... فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ... 1 فإسناد الخضر (ع) التعييبَ لنفسِه كان لغرض التعبير عن كمال التأدُّب مع الله سبحانه وتعالى حيثُ إنَّ مدلول التعييب يستبطنُ معنىً في ذهن المتلقِّي لا يليقُ بساحة المولى جلَّ وعلا وهو النقص لذلك أسند الخضرُ (ع) إرادة فعل التعييب إلى نفسِه تأدُّباً.

فمساقُ هذه الآيةِ المباركة هو مساقُ قوله تعالى على لسان إبراهيم (ع): ﴿ ... إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ 4.

فهو قد أسند الخلقَ والهدايةَ لله تعالى، وكذلك أسند الإطعامَ والإرواءَ لله تعالى حيثُ قال: ﴿ ... يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ 5 ثم لمَّا تحدَّث عن المرض فإنَّه لم يُسندْه لله جلَّ وعلا بل أسنده لنفسِه تأدُّباً فقال: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ ... 6 ثم لما تحدَّثَ عن الشفاء أسنده لله تعالى فقال: ﴿ ... فَهُوَ يَشْفِينِ 6.

فلأنَّ مدلول لفظ المرض يستبطنُ معنىً غير مرغوبٍ فيه لذلك ناسَبَ التأدُّبُ عدم إسناد فعلِه لله جلَّ وعلا.

وأما قولُه: ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا ... 2 فإسناد الإرادة لضمير الجمع المتكلَّم لعلَّه كان لغرض الإشارة إلى انَّ هذه الإرادة لم تكن مختصَّةً به بل هي إرادة الأبوين أيضاً أي انَّ إرادة الإبدال -وَليست إرادة القتل- لم تكن مختصَّة بالخضر (ع) فالأبوان وانْ كان يشقُّ عليهما موتُ إبنهما أو قتله إلا انَّهما كانا يطمحان في ولدٍ مؤمنٍ مثلهما، ولم يكن إبنهما كذلك بل كان كافراً، وكانت مبرَّرات الخشية من أنْ يُرهقهما طغياناً وكفراً حاضرة، ولذلك ناسب التعبير بقوله تعالى: ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا 2 أي يُبدلهما بمَن هو زكيٌّ طاهرُ القلب من الشرك والكفر وبِمَن هو أوصَلُ للرحم حيث إنَّ الأول بمقتضى المقابلة بين البدل والمُبدل لم يكن كذلك بل كان يُخشى منه أنْ يُرهق أبويه بطغيانه.

ويحتمل انَّ الاستعمال لضمير الجمع كان لغرض التعبير عن التفخيم، وذلك لانَّ قرار القتل من سنخ القرارات الخطيرة التي لا تصدر إلا من ذوي الشأن ولا تصدرُ إلا بعد التثبُّت، ولذلك أراد الخضر (ع) من إستعمال الجمع الإيحاء بذلك.

وأما قولُه: ﴿ ... فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا ... 3 فبلوغ الغلامين لأشدِّهما معناه صيرورتهما رجلين راشدين، وتدبير ذلك ووقوعه انَّما يكون عن إرادة الله وحده، ولذلك ناسب إسناد الإرادة للربِّ جلَّ وعلا، فهو وحده من يُقدِّر أعمار الناس وآجالهم ﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ 7.

ثم إنَّ الخضر (ع) أفاد انَّ كلَّ ما كان قد فعله لم يكنْ عن أمره فإرادتُه كانت واقعةً في صراط الإرادة الالهيَّة ﴿ ... وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا 38

 

والحمد لله رب العالمين