مجموع الأصوات: 32
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1350

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

حوار الأديان.. والبحث عن الهوية المشتركة

كان في انطباعي أن تجربة حوار الأديان على أهميتها وقيمتها الأخلاقية والإنسانية، أنها ما زالت تفتقد إلى هوية واضحة ومتماسكة، تعرف بوضوح عن ماهية هذه التجربة، بحيث يعرف الجميع على وجه الدقة ماذا يريد الجميع من هذا الحوار، وإمكانية تحقيق ذلك، أو إمكانية التقدم بخطوات بعيدة في هذا السبيل، لا أن تكون مجرد حوارات يفهمها كل طرف بطريقة مختلفة ومغايرة عن الطرف الآخر.
وهي الهوية التي ينبغي أن يشترك الجميع في بلورتها وصياغتها، وبناء لبناتها، وتقعيد أسسها ومرتكزاتها، لكي تكون هوية الجميع من أجل الجميع، ولبناء مستقبل الجميع. الهوية التي يمكن أن يتحدث عنها المسلم والمسيحي واليهودي بدرجة متقاربة من الوضوح، وحينما يتحدث عنها كل طرف يشعر الجميع أنه يتحدث عنهم، ويعبر عن مشاعرهم ومواقفهم الداخلية والخارجية، وبدون مشاركة الجميع المسلم والمسيحي واليهودي لن تتبلور مثل هذه الهوية، وتكون موضع رضا وتوافق هذه الأطراف.
والحاجة إلى بناء مثل هذه الهوية ووضوحها، لأجل أن نحرز تقدماً حقيقياً من خلال الحوار، ويكون الحوار فاعلاً وبناء، لا أن يصبح الحوار مجرد عنوان يفتقد إلى قوة المعنى والمضمون، وحتى لا يتحرك بطريقة دائرية، النقطة التي يبدأ منها هي النقطة التي ينتهي إليها، ويظل يتحرك دائماً بهذه الوتيرة الجامدة والساكنة، التي ليست لها نتيجة في المحصلة إلا شعور الجميع بالإحباط والفشل وعدم الرضا.
كما أن الحاجة إلى بناء مثل هذه الهوية ووضوحها، لكون أن تجربة الحوار تجمع أكبر الديانات في العالم، وبالتالي فهي تجربة تتجاوز نطاق الدين الواحد، وتصل إلى ديانات ضاربة بعمق في التاريخ، واتصلت بها ثقافات وحضارات، وظهرت بينها نزاعات وخلافات نقلها لنا التاريخ في أزمنته القديمة، وهي الديانات التي تمثل اليوم أكبر ثقل بشري ممتد بين مجتمعات وقارات العالم، إلى جانب أن هذه الديانات تحتوي في داخلها على تعدديات مذهبية تعبر عن وجهات نظر متنوعة ومتباينة.
ولكن ومن جهة أخرى، فإن هذه الديانات الثلاث ترجع إلى أصل واحد، وتدين بإله واحد مهما اختلفت الصورة أو التصور حسب عبارة المستشرق الألماني المعاصر هربرت بوسيه في كتابه الصادر حديثاً بعنوان (علاقة الإسلام باليهودية والمسيحية)، والذي يعد في نظر البعض واحداً من الكتب الهامة التي حددت علاقة الديانات التوحيدية بعضها ببعض، وبالذات علاقة الإسلام بالديانتين السابقتين عليه وهما اليهودية والمسيحية، وهذه القضية هي قضية الكتاب المحورية.
ومن هنا ندرك ما يمكن أن يعتري هذه القضية من صعوبة، وما يعتريها أيضاً من سهولة. مع ذلك فإن بناء مثل هذه الهوية لن يكون ممكناً ومتاحاً إلا من خلال هذه الحوارات وبقائها وديمومتها، فهي التي سوف تساهم في اكتشاف هذه الهوية، وبلورتها والتعرف عليها، ولن يكون ممكناً بدونها.
وإذا كنا اليوم نشهد موجة جديدة من هذه الحوارات، فإن هذا يعني أن إمكانية بناء مثل هذه الهوية المشتركة اليوم، هي أفضل من أي وقت مضى، وهذا ما ينبغي الالتفات إليه، والعمل من أجله1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 15286.