حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
شورى القيادة
هل القيادة يجب أن تكون دائماً فرديّة، فالقرار النهائي يكون بيد الفرد القائد وإن كان عليه أن يستشير ـ قبل البت بالأمر ـ ذوي الخبرات، أو بالإمكان افتراض شورى القيادة مؤتلفةً من عدد من المؤهّلين للقيادة الواجدين لشروطها؟
هناك طريقان لإبطال فكرة شورى القيادة في مقابل القيادة الفرديّة:
إبطال فكرة الشورى بالنصوص
الطريق الأوّل: الاستفادة من النصوص المانعة عن فرض وجود إمامين في عرض واحد، فحتى لو فرضنا أنّ مقتضى القواعد الأوّلية هو جواز شورى القيادة فالنصّ الخاصّ قد منعنا عن ذلك، وذلك من قبيل:
۱ ـ ما في الكافي عن الحسين بن أبي العلا ـ بسند تام ـ قال: «قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام): تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا. قلت: يكون إمامان؟ قال: لا، إلاّ وأحدهما صامت»1، ورواه في كمال الدين ـ بسند فيه إبراهيم بن مهزيار ـ هكذا: قال ـ يعني الحسين بن أبي العلا ـ: «قلت له ـ يعني أبا عبداللّه (عليه السلام) ـ: تكون الأرضُ بغير إمام؟ قال: لا. قلت: أفيكون إمامان في وقت واحد؟ قال: لا، إلاّ وأحدهما صامت. قلت: فالإمام يعرف الإمام الذي بعده؟ قال: نعم. قلت: القائم إمام؟ قال: نعم، إمام ابن إمام قد اؤتّم به قبل ذلك»2، ورواه في بصائر الدرجات بناءً على نقل البحار ـ بسند فيه علي بن إسماعيل ـ قال ـ يعني الحسين بن أبي العلا ـ: «قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام): تكون الأرض وفيها إمامان؟ قال: لا، إلاّ إمامٌ صامت لا يتكلّم، ويتكلّم الذي قبله»3.
۲ ـ ما في كمال الدين ـ بسند تام ـ عن ابن أبي يعفور: «أنه سأل أبا عبداللّه (عليه السلام)هل تُترك الأرض بغير إمام؟ قال: لا. قلت: فيكون إمامان؟ قال: لا، إلاّ وأحدهما صامت»4 ورواه في بصائر الدرجات ـ حسب نقل البحار ـ بما يقرب من ذاك النصّ 5.
۳ ـ ما رواه في كمال الدين عن هشام بن سالم ـ بسند فيه محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ـ قال: «قلت للصادق جعفر بن محمد (عليه السلام): الحسن أفضل أم الحسين؟ فقال: الحسن أفضل من الحسين؟ قلت: فكيف صارت الإمامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟ فقال: إنّ اللّه تبارك وتعالى أحبّ أن يجعل سنّة موسى وهارون جارية في الحسن والحسين (عليهما السلام)، ألا ترى أنهما كانا شريكين في النبوّة كما كان الحسن والحسين شريكين في الإمامة، وأنّ اللّه عزّ وجل جعل النبوة في ولد هارون، ولم يجعلها في ولد موسى وإن كان موسى أفضل من هارون (عليه السلام)؟ قلت: فهل يكون إمامان في وقت واحد؟ قال: لا، إلاّ أن يكون أحدهما صامتاً مأموماً لصاحبه، والآخر ناطقاً إماماً لصاحبه، فأمّا أن يكونا إمامين ناطقين في وقت واحد فلا. قلت: فهل تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام)؟ قال: لا، إنما هي جارية في عقب الحسين (عليه السلام) كما قال اللّه عزّ وجل:﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ... ﴾ 6 ثمّ هي جارية في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى يوم القيامة»7.
٤ ـ ما رواه في بصائر الدرجات حسب نقل البحار ـ بسند تام ـ عن عبيد بن زرارة قال: «قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام) ترك ( يترك ظ ) الأرض بغير إمام؟ قال: لا. قلنا: تكون الأرض وفيها إمامان؟ قال: لا، إلاّ إمامان أحدهما صامت لا يتكلّم، ويتكلّم الذي قبله، والإمام يعرف الإمام الذي بعده»8.
نعم، الكلام في إثبات سند تام للمجلسي (قدس سره) إلى بصائر الدرجات.
٥ ـ ما في عيون أخبار الرضا وفي علل الشرائع عن فضل بن شاذان: «... فإن قال: فلم لا يجوز أن يكون في الأرض إمامان في وقت واحد أو أكثر من ذلك؟ قيل: لعلل: منها أنّ الواحد لا يختلف فعله وتدبيره، والاثنين لا يتّفق فعلهما وتدبيرهما، وذلك أ نّا لم نجد اثنين إلاّ مختلفي الهمم والإرادة، فإذا كانا اثنين، ثمّ اختلف همّهما وإرادتهما وتدبيرهما، وكانا كلاهما مفترضي الطاعة لم يكن أحدهما أولى بالطاعة من صاحبه، فكان يكون اختلاف الخلق والتشاجر والفساد، ثمّ لا يكون أحد مطيعاً لأحدهما إلاّ وهو عاص للآخر، فتعمّ المعصية أهل الأرض، ثمّ لا يكون لهم مع ذلك السبيل إلى الطاعة والإيمان، ويكونون إنّما أُتوا في ذلك من قبل الصانع الذي وضع لهم باب الاختلاف والتشاجر؛ إذ أمرهم باتّباع المختلفين. ومنها...»9.
وسند الحديث غير تامّ، على أنّ السند لا ينتهي ابتداءً إلى الإمام (عليه السلام) بل ينتهي إلى فضل بن شاذان، ولكن في آخر الحديث ـ وهو حديث مفصّل مشتمل على العلل ـ قال علي بن محمد بن قتيبة لفضل بن شاذان: «أخبرني عن هذه العلل ذكرتها عن الاستنباط والاستخراج، وهي من نتائج العقل، أو هي مما سمعته ورويته؟ فقال لي: ما كنت لأعلم مراد اللّه عزّ وجل بما فرض، ولا مراد رسوله (صلى الله عليه وآله) بما شرّع ولا أُعلّل ذلك من ذات نفسي، بل سمعتها من مولايأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) المرّة بعد المرّة والشيء بعد الشيء، فجمعتها، فقلت: فأُحدّث بها عنك عن الرضا (عليه السلام)؟ قال: نعم»، وذكر الفضل أيضاً لمحمد بن شاذان: «سمعت هذه العلل من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) متفرّقة، فجمعتها وأ لّفتها»10.
٦ ـ ما ورد في كتاب «دراسات في ولاية الفقيه» نقلا عن كتاب «الغرر والدّرر»: «الشّركة في الملك تؤدي إلى الاضطراب»11.
وهذا الحديث مرسل بحت.
وواضح من لحن هذه الأحاديث ما عدا الحديث الأخير أنّها واردة في الإمام المنصوص من قبل اللّه تعالى.
والاستدلال بهذه الأحاديث: تارة يكون بمقدار نفي جواز التعدّد وإثبات ضرورة التوحيد في قبال التعدّد ولو بالانتخاب، كما استشهد بها لذلك في كتاب «دراسات في ولاية الفقيه»12، وهذا لا بأس به بعد فرض التعدّي من مورد هذه النصوص، وهو الإمام المنصوص إلى غيره، ويؤيّد هذا التعدّي التعليل الوارد في رواية العلل باختلاف الآراء فإن فرض الاختلاف في الآراء بين المعصومين المنصوصين فبين غيرهم يكون ذلك بطريق أولى.
وأُخرى يكون لنفي شورى القيادة أيضاً، وهذا هو المقصود في المقام، وتقريبه أن يقال:
إنّه يبدو من لحن الأسئلة والأجوبة في هذه الروايات أنّ تركّز الإمامة في الشخص ـ لا في لجنة يكون الرأي رأي أكثرية آرائها ـ كان أمراً مفروغاً عنه، وإنّما كان الأمر دائراً بين أن تكون الإمامة في شخص واحد أو في عدّةأشخاص بأن يكون كلّ واحد منهم إماماً مستقلاّ، لا أن يكون الرأي رأي أكثريّتهم، فالإمام عليه الصلاة والسلام نفى الثاني وحصر الأمر في الأوّل،وهذا بالتالي نفي لشورى القيادة.
ونقطة الضعف في هذا الاستدلال هي أننا لئن سلّمنا التعدّي من موردالروايات وهو الإمام المنصوص إلى غيره في الأمر الأوّل وهو نفي التعدّدفي الإمامة بشكل مستقلّ، لعدم احتمال الفرق عرفاً أو للأولوية في غير المعصوم لقوّة احتمال وقوع الخلاف لا نسلّم التعديّ من موردها إلى غيره في الأمر الثاني وهو نفي شورى القيادة؛ لأنّ احتمال الفرق هنا عرفي وعقلائي باعتبار أنّ المعصوم لا يخطأ، فلا توجد حاجة في دائرة المعصومين إلى شورى القيادة،في حين أنه من المحتمل في دائرة غير المعصومين أن تكون شورى القيادةتعطي للقيادة مستوى من العصمة النسبية عن الخطأ، وليس مقصودي بهذا الكلام دعوى أنّ شورى القيادة أرجح في اعتبارنا العقلي من القيادة الفردية غير المعصومة، وإنما المقصود أنه لا توجد بالنسبة لرفض الشورى من المناسباتما يوجب جزم العرف بالتعدّي من المعصوم إلى غير المعصوم، فالتمسّك بهذه الروايات في المقام مشكل.
ونستثني الرواية الأخيرة فحسب التي يوجد فيها إطلاق لغير المعصوم،والتي تنفي مطلق الشركة في الملك، ومن مصاديق الشركة في الملك شورى القيادة، إلاّ أنّ هذه رواية واحدة مرسلة لا نستطيع التمسّك بها لإثباتالمقصود.
إبطال فكرة الشورى بقصور الدليل
الطريق الثاني: دعوى القصور في دليل القيادة لإثبات شورى القيادة، وهذه الدعوى تتمّ على بعض الفروض، ولا تتم على بعض الفروض، وإن شئت تفصيلا لذلك فإليك ما يلي:
إننا تارة: نفترض وجود دليل لفظي مطلق على مبدأ ولاية الفقيه مع عدم وجود دليل على الانتخاب، وفي هذا الفرض نقول: إنّ دليل ولاية الفقيه إنّما أعطى الولاية بيد كلّ فرد فرد من الفقهاء لا بيد الشورى، أو قل إنّ ذاك الدليل لم يدلّ على الترجيح بالأكثرية. نعم، بإمكان الفقهاء أن يصلوا إلى نتيجة شورى القيادة لو أرادوا ذلك بأن يتواطؤوا فيما بينهم على أن يكون من يصدر الحكم منهم في كلّ مسألة من المسائل واحداً من أصحاب رأي الأكثرية في تلك المسألة دائماً، فهذا يعطي نتيجة شورى القيادة لكن الولاية ليست لشورى القيادة بل للفقيه، والفارق العملي يظهر في أنّ هذا التواطؤ ليس واجب الاتباع عليهم فمن حقّ أحدهم أن يتراجع عن هذا التواطؤ متى ما أراد، ولو ربطوا أنفسهم بعقد ملزم يمنعهم عن التراجع عن ذلك فمن حقّ فقيه جديد لم يكن داخلا في هذا التواطؤ أن لا يبني عليه.
وأُخرى نفترض وجود دليل لفظي مطلق على مبدأ ولاية الفقيه، ولكنه قيّد بالدليل الأخير للانتخاب الذي أثبتنا به الانتخاب بقدر حلّ مشكلة التشاحّ، وعلى هذا الفرض لا بأس بانتخاب الأُمّة لشورى القيادة، أي أنّه في كلّ مسألة من المسائل يكون من وافق رأيه أكثرية الشورى منتخباً للأُمّة، ومن خالف رأيه الأكثرية غير منتخب لها، فالموافق رأيه للأكثرية تثبت ولايته بدليل ولاية الفقيه المطلق الذي قيّد بالانتخاب، والمفروض ثبوت القيد فيه.
وثالثة نفترض عدم وجود دليل لفظي مطلق على مبدأ ولاية الفقيه مع وجود دليل لفظي مطلق على الانتخاب، وقد قيّد بدليل خاصّ بشرط كون المنتخب فقيهاً، وعلى هذا الفرض أيضاً لا بأس بانتخاب الأُمّة لشورى القيادة، وهذاأيضاً مرجعه إلى أنّ المنتخب في كلّ مسألة هو من وافق رأيه أكثرية الشورى فتثبت ولايته بدليل الانتخاب المطلق الذي قيّد بشرط الفقيه، والمفروضثبوت القيد فيه.
ورابعة نفترض عدم وجود دليل لفظي مطلق على مبدأ ولاية الفقيه ووجود الدليل على الانتخاب من دون إطلاق، فالمفروض أن يقتصر في الانتخاب على القدر المتيقّن، ولهذا يجب انتخاب الفقيه لكونه القدر المتيقن، وعلى هذا الفرض لابدّ أن يقع الانتخاب على الفرد دون الشورى اقتصاراً على القدر المتيقّن، فإنّ القدر المتيقّن ـ حسب ما هو المفهوم من تاريخ الإسلام الطويل ـ إنّما هو قيادة الفرد، فإننا نرى أنه في القيادات غير المعصومة المنحرفة كان الأئمّة (عليهم السلام) يوردون عليها كلّ إشكال من مثل عدم العصمة، أو عدم النصّ، أو عدم العدالة، أو غير ذلك، إلاّ إشكال الفرديّة، فهذا الإشكال غير مذكور أبداً، ولم نرَ في تاريخ الإسلام قيادة الأُمّة بالشورى كي نرى هل كان يرد الردع عن شوروية القيادة، أو لا؟
وقد ظهر مما سبق: أنّ المختار من هذه الفروض هو الفرض الثاني 13.
- 1. الكافي ۱: ۱۷۸، كتاب الحجة، باب أنّ الأرض لا تخلو من حجة، الحديث الأول.
- 2. كمال الدين: ۲۲۳ ـ ۲۲٤، باب ۲۲ إنّ الأرض لا تخلو من حجّة، الحديث ۱۷، طبعة دار الكتب الإسلامية للآخوندي بطهران.
- 3. بحار الأنوار ۲٥: ۱٠۸، كتاب الإمامة، أبواب علامات الإمام، الباب ۲ إنه لا يكون إمامان في زمان واحد إلاّ وأحدهما صامت، الحديث ۸.
- 4. كمال الدين: ۲۳۳، الباب ۲۲، إنّ الأرض لا تخلو من حجة، الحديث ٤۱.
- 5. راجع بحار الأنوار ۲٥: ۱٠۷، كتاب الإمامة، أبواب علامات الإمام الباب ۲، أنه لا يكون إمامان في زمان واحد، الحديث ٥.
- 6. القران الكريم: سورة الزخرف (43)، الآية: 28، الصفحة: 491.
- 7. كمال الدين: ٤۱٦ ـ ٤۱۷، باب ٤٠ إنّ الإمامة لا تجتمع في أخوين إلاّ الحسن والحسين (عليهما السلام) الحديث ۹.
- 8. بحار الأنوار ۲٥: ۱٠۷، كتاب الإمامة، أبواب علامات الإمام، الباب ۲ إنّه لا يكون إمامان في زمان واحد، الحديث ٦.
- 9. بحار الأنوار ۲٥: ۱٠٥، كتاب الإمامة، أبواب علامات الإمام، الباب ۲ إنّه لا يكون إمامان في زمان واحد، الحديث الأول.
- 10. دراسات في ولاية الفقيه ۱: ۱۷۲ نقلا عن العيون، أو عنه وعن العلل.
- 11. دراسات في ولاية الفقيه ۱: ٤۱٠ نقلا عن الغرر والدرر ۲: ۸٦، الحديث ۱۹٤۱.
- 12. دراسات في ولاية الفقيه ۱: ٤۱٠ ـ ٤۱۳.
- 13. المصدر: كتاب ولاية اللأمر في عصر الغيبة، لسماحة السيد كاظم الحائري.