الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

ما نزل في سورة إبراهيم في شأن فاطمة عليها السلام

قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ 1

في المستدرك على الصحيحين: أخرج الحاكم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنة عدن، وسائر ذلك في سائر الجنة 2. وأخرجه الحاكم في شواهد التنزيل 3. والتستري في إحقاق الحق 4. والمحدث البحراني في البرهان 5.

بيان:
ضرب الله مثلا طيبا مباركا لشجرة طيبة مباركة أصلها ثابت لا تزعزعه عواصف الأهواء والمشتهيات، وذلك لأن فرعها باسق إلى السماء غير منقطع عن عطاء المدد الإلهي الذي يمدها بكل الخيرات، وهي تؤتي بركاتها كل حين من أحايين الدهر على ما فيه من صروف وتقلب، إذ ذلك لا يضرها من حيث إنها مصدر للرحمة والعطاء الإلهي غير المجذوذ.
ولا تجد شجرة بهذه الصفات الإلهية إلا شجرة الإمامة، فهي الكلمة الطيبة التي جعلها باقية في عقب إبراهيم ﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ... 6 وهي كلمة التقوى ﴿ ... وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ ... 7.
وهي الكلمات التي لا تنفذ ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ... 8. لماذا؟.
لأنها الكلمة الطيبة التي فرعها في السماء حيث لا ينفد عطاء الله عنها، وهي باقية لا يمسها تغير ولا تحول مهما كانت صروف الدهر من ظلم الظالمين وإبعادهم عن حقوقهم المهضومة (عليهم السلام)، إذ ﴿ ... لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ... 9 فإن الله تعالى سيمحق الباطل بهدايتهم أينما كانوا وكيف كانوا ويحق الحق بهم، إذ ﴿ ... وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ 10.

وهذا هو الوعد الإلهي الذي قال الله فيه: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ 11 فقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): نحن هم.
فالكلمة إمامتهم صلوات الله عليهم وهم المنصورون. وقد سبقت منا الإشارة إلى أنهم هم الكلمات التي امتحن الله بها إبراهيم.
ومن العجيب ما ذهب إليه أكثر المفسرون، إذ تنازعوا في هذه الشجرة.
فمنهم من قال: بأنها النخلة. ومنهم من قال: إنها شجرة جوز الهند.
وبعضهم جمع بين ذلك إذ قال: كل شجرة مثمرة كالتين والعنب والرمان.
وكأن الآية في صدد ذكر الشجرة المثمرة وتنبيه الناس إلى فوائدها والإشارة إلى منافعها الدائمة.
والتدبر في مدلول الآية لا يساعد على ذلك، إذ كيف تكون هذه الأشجار المثمرة المحتملة فرعها في السماء وتؤتي أكلها كل حين؟ على أنا نعلم أن انقطاع هذه الأشجار عن عطائها لا يكون إلا لفصول محدودة، على أن سياق الآيتين ضرب من المقابلة بين الإمامة (وهي الكلمة الطيبة ذات العطاء الدائم) وبين أعدائهم (عليهم السلام) وهي الشجرة الخبيثة، التي هي الكلمة الخبيثة.

مع أن القرآن الكريم لم يغفل عن ذكر هذه الشجرة الخبيثة، فأطلق عليها بالشجرة الملعونة ﴿ ... وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ... 12.
فقد ورد عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لأبيك وجدك: إنكم الشجرة الملعونة في القرآن 13.

سورة الحجر ولعل ذكر النخلة وغيرها في الأخبار من باب المجازات لتقيتهم عن ذكر إمامتهم، أو من باب تمثيل إمامتهم بالشجرة المثمرة كالنخلة والتين والرمان إلى غير ذلك 14.