الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

مستقبلنا في عالم متغير

ما زالت الضرورات تقتضي إحياء رسالة الوحدة في الأمة، وتتأكد هذه الضرورات مع دخول العالم القرن الحادي والعشرين، وما يشهده العصر من تحولات وتغيرات واسعة ومتسارعة في ظل تيار العولمة الكاسح، العولمة التي غيرت صورة العالم في علاقاته وتوازناته ومعادلاته، وفي أنماط الرؤية وطرائق التعامل معه، وفي ظل حركة المعلوماتية التي فتحت أمام العالم ما سمي بثورة المعلومات أو انفجار المعرفة، وعبر الطرق السريعة، بحيث لم تعد المشكلة في نقص المعلومات كما كانت في السابق، بل المشكلة أصبحت في السيطرة على المعلومات وضبط حركتها، وفي القدرة على الاستفادة منها، إلى جانب التطورات المذهلة في تكنولوجيا الإعلام وشبكات الاتصال التي جعلت العالم يتحول إلى صورة مرئية يتأثر بها الجميع، وتنتقل فيه الأفكار والمواقف والنماذج في فترات قياسية وعابرة ما بين الثقافات والقوميات واللغات، وفي ظل مقولات من نوع نهاية التاريخ، أو صدام الحضارات، أو التفوق الغربي، أو البحث عن عدو جديد، إلى غير ذلك من مقولات تدفع بالعالم نحو الانقسام والتصادم، وتكريس الفوارق بين الحضارات والتمييز بين الثقافات. فمقولة (نهاية التاريخ) تحرِّض العالم على الاندماج في النموذج الغربي، باعتباره النموذج المنتصر في التاريخ على افتراض نهايته، من دون الاعتراف بأي فرادة للحضارات الإنسانية الأخرى غير الغربية، ومنها الحضارات التي تعلم الغرب منها، كالحضارة الإسلامية، وهي الحضارة التي وصفها فوكوياما بأنها لا سحر لها خارج محيطها، وبخلاف مقولة (نهاية التاريخ) تأتي مقولة (صدام الحضارات)، التي تتضمن تحريضاً للغرب لمقاومة انبعاث الحضارات غير الغربية وتكريس التصادم فيما بينها.
فإذا كانت المقولة السابقة لا تعترف بالحضارات غير الغربية، فإن هذه المقولة تعترف بتعدد الحضارات، لكن على قاعدة الصدام والصراع. وأما مقولة (التفوُّق الغربي) فهي ليست جديدة على الإطلاق، فإن التاريخ الغربي كان ينطلق من هذه المقولة منذ انبعاث التقدم هناك، ورسخها في الحقول المعرفية، كالأدب والفلسفة والثقافة والاجتماع والانتربولوجيا، وفي الدراسات التاريخية والأبحاث المقارنة حول الحضارات. وفي إطار هذا النسق من المقولات، تأتي مقولة (البحث عن عدوٍّ جديد) على خلفية العلاقة الجدلية بين الصراع والتقدم، الصراع الذي يولِّد البواعث والتماسك والمبادرة والاندفاع نحو التقدم.  كل ذلك مع ما يشهده العالم من تحولات وتغيرات شديدة الأهمية في ميادين الاقتصاد والسياسة والعلوم.
هذه الوضعيات والتحولات والسياقات، تفتح علينا حديث المستقبل عن أنفسنا، وموقعنا كأمة في هذا العالم المتغير، أو هكذا يفترض علينا. فما هو المستقبل الذي نبحث عنه؟ وهل ترك العالم لنا من مستقبلٍ نبحث عنه فعلاً؟
لا شك أن المستقبل لا يمكن التحكم فيه خارج إرادة أية أمة، فكلُّ أمة هي قادرةٌ على التحكم بمستقبلها متى ما تحكمت بإرادتها. لذلك فإن المستقبل مفتوحٌ على كلِّ الأمم والحضارات، وبإمكان كلِّ أمة أن تصنع مستقبلها بإرادتها إن هي أرادت وسعت سعيها، والحضاراتُ هي أكثرُ وعياً بذاتها اليوم. فالمستقبل هو الأمل الذي ينبغي ألا يضيع1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 1447.