حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
مصادر علوم الامام
الکتب المصدرالأوّل
هناک مصادر متعددة تشکل بمجموعها شخصية الامام العلمية ؛ فالمصدر الأول الکتب و الصحف التي و رثها الأئمة عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم).
ولقد مرت الدعوة الإسلامية بفصول و منعطفات تاريخية مثيرة و خطيرة، منذ أن أشرق النورفي مکّة و حتي تشکيل الدولة الإسلامية بعد هجرة النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) الي المدينة.
فالأوضاع المتأزّمة في مکّة و الحرب المعلنة و التعذيب و الحصار والمطاردات لم تسمح للنبي ولا للذين آمنوا به سوي الدفاع عن النفس و الصمود بوجه أذي قريش و محاولاتهم القضاء علي الرسالة الجديدة.
والتأمل في تلک الحقبة المريرة من الحصار و التعذيب و الهجرة و اللجوء الي بعض الدول لم تترک فرصة في التفکير لتدوين الأحکام الدينية.
کما ان تشکيل الدولة الإسلامية بعد الهجرة الي المدينة و المسؤوليات الکبري في إقامة مجتمع جديد و الدفاع عن الکيان الإسلامي جعل من المدينة قاعدة عسکرية کبيرة علي أهبة الإستعداد و في حالة من الاستنفارالدائم ؛ ويکفي أيضا ً الضوء علي مدي إستيعاب الهم الدفاعي في حياة المسلمين إلي أن استتب الوضع بانتصارالإسلام نهائيا ً في شبه الجزيرة.
وبالرغم من الجوّ العام الذي لم يکن يسمح بنشاط ثقافي و اسع فإن الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) لم يغفل هذا الجانب الحيوي ؛ خاصّة بعد شعوره باقتراب أجله.
علي في مدرسة الوحي
کان سيّدنا محمّد (صلي الله عليه و آله و سلم) يفکر في المدي البعيد...عندما يرحل عن الدنيا فيستيقظ المسلمون من غفلتهم...يبحثون عمّن يجيب عن أسئلتهم و يعلّمهم أحکام دينهم فلا يجدونه.ومن هنا، و امتثالا ً لأمرالله، کان الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) يعدّ عليّا ً خليفة له فيودع لديه علوم الرسالة.
إن شخصية علي إنما هي نتاج المحمدية قبل الرسالة و بعده، فمنذ أن أطل علي علي الدنيا وجد نفسه في أحضان محمّد (صلي الله عليه و آله و سلم)، و منذ ذلک الوقت لم يفارق علي أخاه و ابن عمّه الي أن أغمض عينيه.
قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): «يا علي إنّ الله أمرني أن أدنيک و أعلمک لتعي، فأنزل الله هذه الآية: و تعيها أذن و اعيه»1.
وعن ابن عباس عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: سألت ربي أن يجعلها أذن علي، و قال علي کرّم الله و جهه: ماسمعت من رسول الله شيئا ً إلّا و حفظته و وعيته و لم أنسه مدي الدهر2.
وعن علي (عليه السلام) قال في خطبة له: «وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) بالقرابة القريبة و المنزلة الخصيصة، و ضعني في حجره و أنا و لد يضمّني الي صدره و يکنفني في فراشه و يمسّني جسده، و يشمّني عرفه و کان يمضع الشيء ثم يلقمنيه، و ما و جدلي کذبة في قول، و لا خطلة في فعل، و لقد قرن الله تعالي به (صلي الله عليه و آله و سلم) من لدن ان کان فطيما ً أعظم ملک من ملائکته يسلک به طرق المکارم و محاسن أخلاق العالم ليله و نهاره، و لقد کنت اتبعه اتّباع الفصيل إثرامه يرفع لي في کل يوم علما ً من أخلاقه و يأمرني، بالإقتداء به، و لقد کان يجاور في کلّ سنة بحراء فأراه و لا يراه غيري و غيرخديجة و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) وخديجة و أنا ثالثهما أري نور الوحي و الرسالة و أشمّ ريح النبوّة»3.
وعن ابن عباس عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: «لما صرت بين يدي ربي کلّمني و ناجاني فما علمت شيئا ً إلّا علّمته عليّا فهو باب علمي»4.
منزلته العلمية
لقد حباالله عليّا ً (عليه السلام) باستعدادات ذاتية ليکون مستودعا ً لعلوم الرسالة وأسرار الوحي، و کان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) يشرف علي تربيته منذ نعومة أظفاره، و لقد و اکب مسيرة الإسلام و هو ما يزال صبياً، و عاش جميع الظروف، و وقف إلي جانب صاحب الرسالة لم يفارقه لحظة و احدة.
يقول (عليه السلام): «والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيما نزلت و أين نزلت و علي من نزلت و إن ربي و هب لي لسانا ً طلقا و قلبا ً عقولاً»5.
وعنه (عليه السلام) قال: «سلوني عن کتاب الله فإنّه ليس من آية إلّا وقد عرفت بليل نزلت أم نهار، أم في سهل أم في جبل»6.
وعن سبط الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) الحسين بن علي (عليهماالسلام) قال: «لما نزلت هذه الآية «وکل شيء أحصيناه في إمام مبين» قالوا: يا رسول الله هو التوراة أو الانجيل أو القرآن قال: فأقبل اليه أبي علي (عليه السلام) فقال (صلي الله عليه وآله و سلم) هو هذا الامام الذة أحصي فيه علم کل شيء»7.
وعن الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: ما بين لوحي المصف من آية إلّا وقد علمت فيمن نزلت و أين نزلت، و إن بين جوانحي لعلماً جما فسلوني قبل أن تفقدوني. وقال: إذاکنت غائبا ً عن نزول الآية کان يحفظ علي رسول الله (صلي الله عليه وآله و سلم) ماکان ينزل عليه من القرآن، و إذا قدمت عليه أقرأنيه و يقول: ياعلي أنزل الله بعدک کذا وکذا و تأويله کذا و کذا ويعلّمني تأويله و تنزيله8.
وعنه (عليه السلام) قال "«بل اندمجت علي مکنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة»9.
وعنه أيضا ًقال: ان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) علمني ألف باب وکل باب يفتح ألف باب فذلک ألف ألف باب حتب علمت ما کان و مايکون إلي يوم القيامة وعلمت علم المنايا و البلايا و فصل الخطاب»10.
وعنه أيضا ً قال: ان في ههنا لعلما ً جما ً علمنيه رسول الله لو أجد له حفظة يرعونه حق رعايته و يروونه عني کما يسمعونه مني اذاً أودعتهم بعضه ليعلم به کثيرا ً من العلم مفتاح کل باب و کل باب يفتح له ألف باب11.
أکثر الصحابة رواية
قيل لعلي (عليه السلام): مالک أکثر أصحاب رسول الله حديثا ً ؟ فقال: أني کنت إذا سألته أنبأني و إذا سکت ابتدأئي12.
ولم يکن الصحابة کما ورد في کتب التاريخ ليجرأون علي سؤال النبي (صلي الله عليه وآله و سلم) اما تهيباً منه أوعجزا ً عن إدراک الجواب بل کان بعضهم يتمني حضور إعرابي قد يسأل النبي فيصغون اليه ليتعلموا شيئا.
عن سعيد بن المسيب قال: لم يکن أحد من الصحابة يقول: سلوني إلّا علي بن أبي طالب ؛ وعن سعيدالبحتري قال: رأيت عليا ً علي منبر الکوفة و عليه مدرعة رسول الله (صلي الله عليه وآله و سلم) وهو متقلّد بسيفه و معتم بعمامته مدرعة (صلي الله عليه و آله و سلم) فجلس علي المنبر فکشف عن صدره و قال «سلوني قبل أن تفقدوني فأنّما بين الجوانح مني علم جمّ هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) هذا ما زقّني رسول الله زقّاً ًزقّا»13.
شهادة الرسول
ولقد بلغ الامام علي درجة رفيعة حتي شهد النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) بعلوّ شأنها قوله (صلي الله عليه و آله و سلم) ليهنئک العلم أباالحسن، لقد شربت العلم شرباً ًونهلته نهلا ً14.
وعنه عليه الصلاة و السلام قال: أنا دارالحکمة و علي بابها15.
وعنه أيضا ً قال: أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب16.
وعنه (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: يا علي أنا مدينة العلم و أنت بابها کذب من زعم انّه يصل الي المدينة إلّا من قِبل الباب17.
ويدوّن علوم النبوّة
دعا رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)لعليّ ليکون الأذن الوعية فلا ينسي شيئاً ًولايخطئ في شيء فهو مستودع سرّه و أمين علي علمه، فلم ينس شيئا ً مما سمعه عن النبي و لم يکن محتاجا ً لأن يدوّن ذلک إلاّ امتثالا ً لأمر النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) الذي أمره بتدوين علوم الوحي و أسرار الرسالة.
عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): يا علي اکتب ما أملي عليک قلت يا رسول الله أتخاف عليّ النسيان قال: لا و قد دعوت الله عزوجل آن يجعلک حافظاً و لکن اکتب لشرکائک الأئمة من و لدک18.
کتاب علي
و بناءً علي أمرالرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) و إملائه راح علي (عليه السلام) يدوّن العلوم في کتاب ليکون ميراثا ً للأئمة من بعده ؛ و هناک أيضا ً الجامعة و صحيفة فاطمة و هي کلّها من علوم النبوّة و أسرار الوحي و الرسالة.
عن عبد الله بن سنان عن الامام الصادق (عليه السلام) قال:
إنّ عندنا صحيفة طويلها سبعون ذراعا ً من إملاء رسول الله و خط علي بيده فيها کلّ حلال و حرام و کلّ شيء يحتاج الناس إليه حتي الأرش في الخدش19.
عن محمد بن مسلم قال: سألته عن ميراث العلم أجوامع هو من العلم أم فيه تفسير کلّ شيء من هذه الامور التي يتکلّم فيها الناس من الطلاق و الفرايض فقال: «إنّ عليّا ً (عليه السلام) کتب العلم کله القضاء و الفرايض فلو ظهر أمرنا فلم يکن شيئا ً إلّا وفيه سنّة نمضيها»20.
الجفر و الجامعة
عن أبي عبيدة قال: سأل أبا عبدالله بغض أصحابنا عن الفجر فقال: هو جلد ثور مملوء علماً ً، قال فالجامعة ؟ قال تلک صحيفة طولها سبعون ذراعا ً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج ( الجمل العظيم ذوالسنامين) فيها کل ما يحتاج الناس إليه، و ليس من قضية إلّا و هي فيها حتي أرش الخدش21.
وعن بکر بن کرب الصير في قال: سمعت أبا عبد الله يقول: ان عندنا ما لا نحتاج معه الي الناس، و إنّ الناس ليحتاجون إلينا، و إنّ عندنا کتابا ً إملاء رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) وخط علي، صحيفة فيها کلّ حلال و حرام، و انّکم لتأکلون بالأمر فنعرف إذا أخذتم به و نعرف إذا ترکتموه22.
وعن أبي مريم قال: قال لي أبوجعفر: عندنا الجامعة وهي سبعون ذراعا ً فيها کل شيء حتي أرش الخدش إملاء رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) وخط علي و عندنا الجفر وهو أديم عکاظي قد کتب فيه حتي ملئت أکارعه، فيه ما کان و ما هو کائن الي يوم القيامة23.
جامع للاحکام
عن عذافر الصيرفي قال: «کنت مع الحکم بن عيينة عند أبي جعفر (عليه السلام) فجعل يسأله وکان أبوجعفرله مکرما ً فاختلفا في شيء فقال أبوجعفر (عليه السلام): يا بني قم فاخرج کتابا ً مدروجاً عظيما ً ففتحه و جعل ينظر حتي أخرج المسألة فقال أبوجعفر هذا خط علي وإملاء رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) وأقبل علي الحکم و قال: يا أبا محمد اذهب أنت وسلمة و أبو المقدام حيث شئتم يميناً و شمالا ً فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم کان ينزل عليهم جبرئيل»24.
عن المعلي بن خنيس قال: عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «ان الکتب کانت عند علي(عليه السلام) فلما سار الي العراق استودع الکتب ام سلمة فلما مضي عليّ کانت عند الحسن فلما مضي الحسن کانت عند الحسين فلما مضي الحسين کانت عند علي بن الحسين ثم کانت عند أبي»25.
عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت أخبرني عن علم عالمکم ؟ قال: وراثة من رسول الله و من علي، قال: قلت: إنّا نتحدّث أنّه يقذف في قلوبکم و ينکت في آذانّکم قال: أو ذاک26.
وسيتفاد من مجموع الأحاديث أن سيّدنا محمّدا ً (صلي الله عليه و آله و سلم) قدعمل علي تدوين کتاب يضمّ مسائل الحلال و الحرام ليکون ميراثا ً للمسلمين و انه أودعه لدي أوصيائه من بعده لأنّهم و رثة علمه و مراجع المسلمين في قابل الأيام، و انّه قام بتربية علي و إعداده لتحمّل هذه المسؤولية الخطيرة إمتثالا ً لأمرالله عزوجل ؛ ومن هناک فإن هذه الکتب هي ميراث الأئمة الأطهارعن جدّهم (صلي الله عليه و آله و سلم)، فکلّ ما يحدّثون به هو في الواقع لايمثل آراءهم الخاصّة بل هو من العلم الذي و رثوه عن صاحب الرسالة صلوات الله عليه.
عن هشام بن سالم و حماد بن عثمان و غيرهما عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: حديثي أبي، و حديث أبي جدي، و حديث جدي حديث الحسين، و حديث الحسين حديث الحسن و حديث الحسن حديث أميرالمؤمنين (عليه السلام) وحديث أميرالمؤمنين حديث رسول الله (صلي الله عليه وآله و سلم) وحديث رسول الله قول الله عزوجل27.
القرآن المصدر الثاني
اقترن ذکر أهل البيت (عليهم السلام) بالقرآن فلا غرو ان نري القرآن في حجورهم يدورون معه حيث دار فهو نبعهم الصافي ينهلون منه أخلاقهم و علومهم.
وقدحبا الله الأئمة بالأذن الواعية، فسمعوه و وعوه، و غاصوا في لجج بحره و استخرجوا لآلئ علمه و مکنونات سره.
عن المعلي بن خنيس قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما من أمر يختلف فيه اثنان ألاوله أصل في کتاب الله عزوجل و لکن لا تبلغه عقول الرجال28.
وعن أبي الجارود قال: قال أبوجعفر (عليه السلام): إذاحدثتکم بشيء فسلوني من کتاب الله، ثم قال في بعض حديثه: ان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) نهي عن القيل و القال، و فسادالمال، و کثرة السؤال، فقيل له: ياابن رسول الله أين هذا من کتاب الله ؟ قال: ان الله عزوجل يقول: «لاخير في کثير من نجواهم إلّا من أمر بصدقة أومعروف أو إصلاح بين الناس»22.
وعن سماعة قال عن أبي الحسن موسي الکاظم (عليه السلام) قال: قلت له: أکل شيء في کتاب الله و سنة نيبه (صلي الله عليه و آله و سلم) وتقولون فيه ؟ قال: بل کل شيء في کتاب الله وسنة و نبيه29.
وعن علي أميرالمؤمنين قال: «ذلک القرآن فاستنطقوه و لن ينطق لکم، أخبرکم عنه، إن فيه علم مامضي و علم ما يأتي إلي يوم القيامة، و حکم ما بينکم و بيان ما أصبحتم فيه تختلفون فلوسألتموني عنه لعلّمتکم»30.
وعن سلمة بن محرزقال: سمعت الباقر (عليه السلام) يقول: ان من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحکامه، و علم تغيير الزمان وحدثانه، إذا أرادالله بقوم خيرا ً أسمعهم و لو أسمع من لم يسمع لولي معرضا ً کأن لم يستمع، ثم أمسک هينئة ثم قال: و لو وجدنا أوعية لقلنا والله المستعان31.
وعن عبد الأعلي مولي آل سام قال: سمعت أباعبدالله (عليه السلام) يقول: «والله إني لأعلم کتاب الله من أوّله الي آخره کأنّه في کفّي، فيه خبر السماء وخبر الأرض، و خبر ما کان وخبر ما هو کائن، قال الله عزوجل: «فيه تبيان کل شيء»32.
وعن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): «قل کفي بالله شهيدا ً بيني وبينکم و من عنده علم الکتاب»؟ قال: إيّانا عني، و علي أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي (صلي الله عليه و آله و سلم)33.
وعن إسماعيل بن جابرعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال: «کتاب الله فيه نبأ ما قبلکم و خبرما بعدکم و فصل مابينکم و نحن نعلمه»34.
وعن جابر قال: سمعت أباجعفر (عليه السلام) يقول: «ما ادّعي أحد من الناس انه جمع القرآن کلّه کما أنزل إلّا کذّاب، و ما جمعه و حفظه کما نزّله الله تعالي إلّا علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة من بعده»35.
وفي النتيجة
فإن الأخبار والروايات التي ذکرنا أمثلة منها تشير إلي أن الأئمة الطاهرين کانوا ينهلون علومهم من القرآن الکريم36 لأنّه نزل «تبيانا ًلکل شيء». وهم أعلم الناس بعلوم القران ناسخه و منسوخه محکمه و متشابهه، الخاص منه و العام المطلق و المقيّد، و من أجل هذا تواتر الحديث عن سيّدنا محمّد (صلي الله عليه و آله و سلم) والمعروف بحديث الثقلين: «اني تارک فيکم ما إن تمسکتم بهما لن تضلّوا کتاب الله و عترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا».
لقد کان النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) يرمي من وراء ذلک إلي جعل الأئمة من بعده مراجع للمسلمين لأنّهم الامتداد الطبيعي له و قد اصطفاهم الله لذلک و أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.
وأخيرا ً نؤکّد مرّة اخري و من خلال ما ورد من النصوص النبوية الشريفة ان طاعة الأئمة واجبة علي کلّ المسلمين و هي تشمل حتي اولئک الذين لايعتقدون بإمامتهم لأن أقوالهم حجّة علي الجميع.
عالم الغيب المصدر الثالث
ولا تنحصرعلوم الأئمة بالمصدرين السابقين فهناک مصدر ثالث يتمثّل بالارتباط بعالم الغيب ؛ فالإلهام و الفيض الإلهي لطف من الله سبحانه خصّ به عباده المطهّرين، فالعلم جذوة تتوقد في أعماق الامام تنيرله رؤيته و تطلعه علي حقائق العالم؛ وفي هذا جاءت الروايات؛ منها:
عن الامام موسي بن جعفر قال: مبلغ علمنا علي ثلاثة وجوه: ماضٍ و غابر وحادث فأما الماضي فمفسّر و أما الغابر فمزبور (مکتوب) وأمّا الحادث فقذف في القلوب و نقر في الأسماع37.
عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت: أخبرني عن علم عالمکم ؟ قال وراثة من سول الله و من علي.قال: قلت: إنّا نتحدّث انّه يقذف في قلوبکم وينکت في آذانّکم ؟ قال: أو ذاک22.
وعن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): روينا عن أبي عبدالله (عليه السلام) انه قال: ان علمنا غابر، و مزبور، و نکت في القلوب و نقر في الأسماع، فقال: اما الغابر فما تقدم من علمنا، و أما المزبور فما يأتينا
وأما النکت في القلوب فإلهام و أمّا النقرفي الأسماع فأمر الملک22.
عن صفوان بن يحيي قال: سمعت أباالحسن (عليه السلام) يقول: کان جعفربن محمّد (عليه السلام) يقول: لولا انّا نزداد لأنفدنا38.
وعن ذريح المحاربي قال: قال لي أبوعبدالله (عليه السلام) ياذريح لولا انّا نزداد لأنفدنا22.
عن زرارة قال: سمعت أباجعفر (عليه السلام) يقول: لولا انّا نزداد لأنفدنا، قال: قلت: تزدادون شيئا ً لا يعلمه رسول الله ؟ قال: اما انّه اذا کان ذلک عرض علي رسول الله ثم علي الأئمة ثم انتهي الأمر الينا39.
وعن الصادق (عليه السلام) قال: ليس يخرج شيء من عندالله حتي يبدأ برسول الله ثم بأميرالمؤمنين ثم بواحد بعد واحد، لکيلا يکون آخرنا أعلم من أوّلنا22.
وعن ابي يحيي الصنعائي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا أبايحيي ! ان لنافي ليالي الجمعة لشأنا ً من الشأن. قال: قلت: جعلّة فداکو ماذاک الشأن ؟ قال: يؤذن لأرواح الأنبياء الموتي و أرواح الأوصياء الموتي و روح الوصي الذي بين ظهرانيکم يعرج بها الي السماء حتي توافي عرش ربّها فتطوف به اسبوعاً و تصلّي عند کل قائمة من قوائم العرش رکعتين ثم ترد الي الأبدان التي کانت فيها فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملأوا سروراً ًويصبح الوصي الذي بين ظهرانيکم و قد زيد في علمه مثل جم الفقير40.
عن الفضل بن عمر قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام) ذات يوم و کان لا يکنيني قبل ذلک ؛ يا أبا عبد الله قال: قلت لبيک.قال: ان لنا في کلّ ليلة جمعة سروراً قلت زادک الله وماذاک ؟ قال اذا کان ليلة الجمعة وافي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) العرش و وافي الأئمة معه و وافينا معهم، فلا ترد أرواحنا الي أبداننا إلّا بعلم مستفاد و لولا ذلک لأنفدنا38.
وعن الامام الرضا (عليه السلام) في حديث له قال: و إنّ العبد إذا اختاره الله عزوجل لأمور عبادة شرح صدره لذلک، و أدوع قلبه ينابيع الحکمة، و ألهمه العلم إلهاماً، فلم يعي بعده بجواب، و لا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيد، موفق مسدّد قد أمن من الخطايا والزلل والعثار يخصّه الله بذلک ليکون حجّة علي عباده و شاهده علي خلقه، و ذلک فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم41.
وأحاديث اخري:
عن المفضل بن عمر قال: أبو عبدالله: ان سليمان و رث داود، و ان محمّداً و رث سليمان، و إنّا ورثنا محمّداً، و إن عندنا علم التوراة و الانجيل و الزبور، و تبيان ما في الألواح: قال: قلت: إن هذا لهو العلم ؟ قال: ليس هذا هو العلم، إن العلم الذي يحدّث يوماً ًبعد يوم ساعة بعد ساعة42.
عن ضريس الکناسي قال: کنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) وعنده أبو بصير فقال أبو عبدالله: إن داود ورث علم الأنبياء وإن سليمان ورث داود وإنّ محمّدا ً(صلي الله عليه و آله و سلم) ورث سليمان، إنّا ورثنا محمّدا ً (صلي الله عليه و آله و سلم) وإن عندنا صحف إبراهيم و ألواح موسي، فقال أبو بصير: إن هذا لهو العلم، فقال: يا أبامحمّد ليس هذاهو العلم، إنّما العلم ما يحدّث بالليل و النهار، يوما ً بيوم و ساعة بساعة43.
عن محمّدبن مسلم قال: ذکر المحدّث عن أبي عبدالله (عليه السلام) فقال: انّه يسمع الصوت ولا يري الشخص.فقلت له جعلّة فداک کيف يعلم انّه کلام الملک؟ قال: انّه يعطي السکينة والوقار حتي يعلم انّه کلام الملک44.
وعن حمران بن أعين عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: قال أبوجعفر: ان عليّا ً (عليه السلام) کان محدّثا ً فخرجت إلي أصحابي فقلت: جئتکم بعجيبة فقالوا: و ما هي؟ فقلت: سمعت أباجعفر (عليه السلام) يقول: کان علي محدّثا ً فقالوا: ما صنعت شيئا ً الاسألته من کان يحدّثه؟ فرجعت اليه فقلت: إني حدّثت أصحابي بما حدّثتني فقالوا: ماصنعت شيئا ً ألا سألته من کان محدّثه ؟ فقال لي: يحدّثه ملک، قلت: تقول: انه نبي ؟ قال: فحرّک يده - هکذا (أي نافياً) - أو کصاحب سليمان أو کصاحب موسي أوکذي القرنين، أوَ ما بلغکم انّه قال: و فيکم مثله22.
وکتب الحسن بن العباس المعروفي الي الرضا (عليه السلام) قال: جعلّة فداک اخبرني ما الفرق بين الرسول و النبي و الإمام ان الرسول الذي ينزل عليه جبريل فيراه و يسمع کلامه و تنزل عليه الوحي و ربما رأي في منامه نحو رؤيا إبراهيم.والنبي ربما سمع الکلام وربما رأي الشخص و لم يسمع و الامام هو الذي يسمع الکلام و لايري الشخص45.
وعن الأحوال قال: سألت أباجعفر (عليه السلام) عن الرسول و النبي و المحدّث قال الرسول: الذي يأتيه جبرئيل قبلا ً فيراه و يکلّمه فهذا الرسول، و امّا النبي فهو الذي يري في منامه نحو رؤيا إبراهيم و نحو ما کان من عندالله بالرسالة و کان محمّد (صلي الله عليه و آله وسلم) حين جمع له النبوّة و جاءته الرسالة من عندالله يجيئه بها جبرئيل و يکلمه بها قبلاً و من الأنبياء من جمع له النبوّة و يري في منامه و يأتيه الروح و يکلمه و يحدّثه، من غير أن يکون يري في اليقظة، و أما المحدّث فهو الذي يحدّث، و لايعاين و لايري في منامه22.
وعن جماعة بن سعد قال: کان الفضل عند أبي عبدالله (عليه السلام) فقال له الفضل: جعلّة فداک يفرض الله طاعة عبد علي العباد و يحجب عنه خبرالسماء؟ قال: لا الله أکرم و أرحم و أرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد علي العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً و مساءً 46.
وأحاديث اخري أيضاً:
عن أبي حمزة قال: سمعت أباجعفر (عليه السلام) يقول: لاوالله لايکون عالم جاهلاً أبداً ً، عالما ً بشيء جاهلا ً بشيء، ثم قال: الله أجل و أعز وأکرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه عالم سمائة و أرضه، ثم قال: لايحجب ذلک عنه47.
وفي خطبة لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) جاء فيها: «ولقدکان سيّدنا محمّد (صلي الله عليه وآله و سلم) يجاورفي کلّ سنة بحراء فأراه و لايراه غيري، و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غيررسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) وخديجة و أنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة، و أشم ريح النبوّة و لقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلي الله عليه وآله و سلم). فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: «هذا الشيطان قد أيس من عتادته.انّک تسمع ما أسمع و تري ما أري إلّا انّک لست بنبي و لکنّک لوزير وانّک لعلي خير»48.
عن أبي بصير قال: سمعت أباعبدالله (عليه السلام) يقول: انّا نزاد في الليل والنهار ولولا انّا نزاد لنفذ ما عندنا، فقال أبوبصير: جعلّة فداک من يأتيکم ؟ قال: ان منّا لمن يعاين معاينة و منّا من ينقر في قلبه کيت و کيت و منّا من يسمع باذنه وقعا ً کوقع السلسلة في الطست: قال: قلت: جعلني الله فداک من يأتيکم ؟ قال: هو خلق أکبر من جبرائيل و ميکائيل49.
عن الباقر (عليه السلام) قال: کان علي (عليه السلام) يعمل بکتاب الله و سنة نبيه فإذا ورد عليه الشيء الحادث الذي ليس في الکتاب و لا في السنّة ألهمه الله الحق فيه إلهاماً، و ذلک و الله من المعضلات50.
وعن عيسي بن حمزة الثقفي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): ان نسألک أحيانا ً تتسرع في الجواب و أحيانا ً تطرق ثم تجيبنا، قال: نعم انّه ينکت في آذاننا و قلوبنا فإذا نکت نطقنا و إذا أمسک أمسکنا51.
عن الحسن بن يحيي المدائني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن الامام اذا سئل کيف يجيب؟ فقال: إلهام و سماع و ربما کان جميعا ً52.
و عن الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبدالله: هذا العلم الذي يعلمه عالمکم أشيء يُلقي في قلبه أوينکت في اُذنه؟ فسکت حتي غفل القوم ثم قال: ذاک و ذاک22.
عن سليمان الديلمي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقلت: جعلّة فداک سمعتک و أنت تقول غير مرة: لولا انّا نزاد لأنفدنا، قال: أما الحلال و الحرام فقد والله أنزله الله علي نبيه (صلي الله عليه و آله و سلم) بکماله، و ما يزاد الامام في حلال و لاحرام53.
وهذا غيض من فيض الروايات و الأحاديث التي تشير الي أن الأئمة من أهل البيت وبما حبا هم الله من الطهر وجبلهم عليه من عصمة کانوا محلاّ ً لفيوضات الغيب يستلهمون الحقائق و تتدفق في قلوبهم ينابيع الحکمة و الکمال و الحقيقة54.
- 1. غاية المرام: ص367.
- 2. مناقب الخوارزمي: ص200- غاية المرام: ص367.
- 3. نهج البلاغة: الخطبة 187- ينابيع المودة: ص76.
- 4. ينابيع المودة: ص79.
- 5. ينابيع المودة: ص79- نظم درر السمطين: ص126- مناقب الخوارزمي: ص46طبقات ابن سعد: ج 2ص101.
- 6. مناقب الخوارزمي: ص46.
- 7. ينابيع المودة: ص87.
- 8. المصدر السابق: ص83.
- 9. نهج البلاغة: الخطبة (4).
- 10. ينابيع المودة: ص88.
- 11. غاية المرام: ص518.
- 12. طبقات ابن سعيد، ج2، ق2، ص101.
- 13. ينابيع المودة: ص84.
- 14. ذخائرالعقبي: ص78- مناقب الخوارزمي ص41.
- 15. ينابيغ المودة: ص81- ذخائر العقبي: ص77.
- 16. ينابيع المودة: ص82-مناقب الخوارزمي: ص40.
- 17. ينابيع المودة: ص82.
- 18. ينابيع المودة: ص22.
- 19. جامع أحاديث الشيعة: ج1ص133.
- 20. جامع أحاديث الشيعة: ج1ص138.
- 21. اصول الکافي: ج1ص241.
- 22. a. b. c. d. e. f. g. h. i. المصدر السابق.
- 23. جامع أحاديث الشيعة: ج1ص132.
- 24. جامع أحاديث الشيعة: ج1ص8.
- 25. المصدر السابق: 141.
- 26. اثبا ت الهداة: ج1ص248.
- 27. اصول الکافي: ج1ص53.
- 28. اصول الکافي: ج1ص60.
- 29. المصدر السابق: ص62.
- 30. المصدر السابق: ص61.
- 31. اصول الکافي: ج1ص229.
- 32. المصدر السابق: ص229-ينابيع المودة: ص26.
- 33. اصول الکافي: ج1ص229- ينابيع المودة: ص119.
- 34. اصول الکافي: ج1ص61.
- 35. المصدر السابق: ص228.
- 36. وفي ضوء ذلک نفهم المعني المنشود من الآية الکريمة حول القرآن الکريم «لايمسّة إلا المطهرون» خاصّة اذا أخذنا بنظر الاعتبار المعني الحقيقي لکلمة «المسّ» - المترجم.
- 37. اصول الکافي: ج1ص264.
- 38. a. b. المصدر السابق: ص254.
- 39. اصول الکافي: ج1ص155.
- 40. المصدر السابق: ص253.
- 41. اصول الکافي: ج1ص202.
- 42. المصدر السابق: ص224.
- 43. المصدر السابق: ص225.
- 44. المصدر السابق: ص271.
- 45. اصول الکافي: ج1ص176.
- 46. اصول الکافي: ج1ص261.
- 47. المصدر ابسابق: ص262.
- 48. نهج البلاغة: الخطبة(187).
- 49. بحار الأنوار: ج 26 ص 54.
- 50. المصدر السابق: ص 55.
- 51. المصدر السابق: ص57.
- 52. بحار الأنوار: ج26ص58.
- 53. بحار الأنوار: ج26ص92.
- 54. المصدر: کتاب دراسة عامة في الامامة لآية الله الشيخ ابراهيم الاميني رحمه الله.