مجموع الأصوات: 48
نشر قبل 3 سنوات
القراءات: 3423

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

معنى تحنيط الميِّت وكيفيَّته

يُفتي الفقهاء بوجوب تحنيط الميِّت بالكافور بعد تغسيله ولكنَّه لم يتَّضح لي الوجه في تسمية ذلك بالتحنيط، كما أودُّ منكم بيان كيفيَّة التحنيط، وهل يلزم أنْ يكون بالكافور أو يُجزي عنه غيرُه من أنواع الطيب، وماذا لو لم يتوفَّر الكافور؟

الجواب:

تحنيط الميت ومنشأ تسميته بذلك:

المراد من تحنيط الميِّت بالكافور مسح بعض أعضاء الميِّت بمسحوق الكافور وهو نوع معروف من أنواع الطيب، والوجهُ في تسمية ذلك بالتحنيط هو مناسبة ذلك للمعنى اللغوي، فإنَّ التحنيط يُستعمل بمعنى تطييب جثمان الميِّت بأنواع الطيب والأدوية التي تمنعُ من تعفُّنه أو تفسُّخه وفساده أو ظهور الرائحة المُنتنة منه.

فالتحنيط الواجب وإنْ لم يكن بهذه السعة المستعملة في اللغة إلا أنَّه نحوٌ من التحنيط لغةً وذلك هو منشأ التسمية في الاصطلاح الفقهي.

الوجه في اختصاص التحنيط بالكافور:

وأمَّا كيفيَّة التحنيط الواجب فهو مسحُ مواضع السجود بمسحوق الكافور دون غيره من أنواع الطيب كالمسك والعنبر ومسحوق الصندل والعود وغيرها، فإنَّ مسح مواضع سجود الميِّت بغير الكافور لا يكون مجزيًا عن الواجب، إذ أنَّ المأمور به في الروايات هو التحنيط بالكافور، وغيرُ المأمور به لا يُجزي عن المأمور به كما هو واضح، فممَّا يُستشهد به على ذلك قولُه (ع) في معتبرة دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ: "واعْلَمْ أَنَّ الْحَنُوطَ هُوَ الْكَافُورُ" 1 الدالَّة على حصر الحنوط -أي ما يتحنَّط به- في الكافور بمقتضى دلالة ضمير الفصل الواقع خبرًا للمبتدأ المعرَّف باللام وهو من صياغات الحصر، وكذلك ما ورد في معتبرة دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ من طريقٍ آخر: "إِنَّمَا الْحَنُوطُ الْكَافُورُ" 2 وما ورد في معتبرة عَبْدِ اللَّه بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "الْكَافُورُ هُوَ الْحَنُوطُ" 3 أي هو دون غيره ما يُحنَّط به، ويؤيد ذلك أيضا ما ورد في رواية مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): "لَا تُجَمِّرُوا الأَكْفَانَ ولَا تَمْسَحُوا مَوْتَاكُمْ بِالطِّيبِ إِلَّا بِالْكَافُورِ" 4.

تحديد مواضع التحنيط بالمساجد السبعة:

أمَّا أنَّ الواجب هو مسح المساجد السبعة خاصَّة فيدلُّ عليه مثل موثقة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّه قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الْحَنُوطِ لِلْمَيِّتِ؟ قَالَ: اجْعَلْه فِي مَسَاجِدِه" 5 فهذه المواضع هي القدر الذي اشتركت الروايات في الأمر بمسحها فيُحمل ما زاد على ذلك على الاستحباب، فإنَّ الروايات قد اختلفت في تحديد مواضع المسح بالكافور، فبعضها أضافت إلى المساجد جميع المفاصل والرأس واللحية والصدر كصحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُحَنِّطَ الْمَيِّتَ فَاعْمِدْ إلى الْكَافُورِ فَامْسَحْ بِه آثَارَ السُّجُودِ مِنْه ومَفَاصِلَه كُلَّهَا ورَأْسَه ولِحْيَتَه وعَلَى صَدْرِه مِنَ الْحَنُوطِ، وقَالَ: حَنُوطُ الرَّجُلِ والْمَرْأَةِ سَوَاءٌ" 6 وأضافت رواية يونس عنهم (عليهم السلام) الأمر بتحنيط الميت بالكافور من رأسه إلى قدمه قال: ".. ثُمَّ اعْمِدْ إلى كَافُورٍ مَسْحُوقٍ فَضَعْه عَلَى جَبْهَتِه مَوْضِعِ سُجُودِه وامْسَحْ بِالْكَافُورِ عَلَى جَمِيعِ مَفَاصِلِه مِنْ قَرْنِه إلى قَدَمَيْه وفِي رَأْسِه وفِي عُنُقِه ومَنْكِبَيْه ومَرَافِقِه وفِي كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْ مَفَاصِلِه مِنَ الْيَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ وفِي وَسَطِ رَاحَتَيْه" 7.

فالروايات وإنْ اختلفت في تحديد مواضع التحنيط من حيث السعة والضيق ولكنها جميعًا متفقة في كون المساجد من مواضع التحنيط لذلك يحمل ما زاد عليها على الاستحباب، إذ أنَّ الروايات المقتصرة على التحديد بالمساجد نافية بمقتضى الإطلاق المقامي لوجوب الزائد، على أنَّ الاختلاف بين السعة والضيق بنفسه قرينة عرفًا على عدم وجوب ما زاد على القدر المشترك.

سقوط وجوب التحنيط بتعذُّر الكافور:

وأمَّا أنَّه لو تعذر الحصول على الكافور فهل يُجزي عنه غيره من أنواع الطيب فجوابه أنَّه مع فقد الكافور وتعذُّر تحصيله يسقط الأمر بالتحنيط، لأنَّ موضوع الأمر بالتحنيط هو الكافور فمع افتراض فقده ينتفي الأمر لتعذُّر امتثاله والتحنيط بغيره ليس مأمورًا به، ولم يقم دليل على أنَّه بدل عنه.

والحمد لله ربِّ العالمين. 8

  • 1. الكافي –الكليني- ج3 / ص146، وسائل الشيعة –الحر العاملي- ج3 / ص19.
  • 2. تهذيب الأحكام –الطوسي- ج1 / ص436، وسائل الشيعة –الحر العاملي- ج3 / ص18.
  • 3. الكافي –الكليني- ج3 / ص145-146، وسائل الشيعة –الحر العاملي- ج3 / ص17.
  • 4. الكافي –الكليني- ج3 / ص147، وسائل الشيعة –الحر العاملي- ج3 / ص18.
  • 5. الكافي –الكليني- ج3 / ص146، وسائل الشيعة –الحر العاملي- ج3 / ص36.
  • 6. الكافي –الكليني- ج3 / ص144، وسائل الشيعة –الحر العاملي- ج3 / ص32.
  • 7. الكافي -الكليني- ج3 / 143، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / 33.
  • 8. المصدر : موقع سماحة الشيخ محمد صنقور حفظه الله.