الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
مناقشة رأي الأشاعرة حول فعله تعالى للقبيح
ذهب الأشاعرة إلى أنّ اللّه تعالى يفعل ما يشاء ، وكلّ ما يفعله اللّه تعالى فهو حسن ، وإن حكم العقل بقبح هذا الفعل 1.
أدلة الأشاعرة :
الدليل الأوّل :
إنّ الفعل لا يكون قبيحاً إلاّ بعد نهي الشارع عنه ، وبما أنّ أفعال اللّه تعالى لا تقع في إطار أوامر ونواهي الشرع ، فلهذا لا يمكن تصوّر فعل القبيح في أفعال اللّه تعالى .
قال أبو الحسن الأشعري:
"الدليل على أنّ كلّ ما فعله [ تعالى ] فله فعله أ نّه ... لا فوقه مبيح، ولا آمر، ولا زاجر، ولا حاظر، ولا من رسم له الرسوم، وحدّ له الحدود ، فإذا كان هذا هكذا لم يقبح منه شيء، إذ كان الشيء إنّما يقبح منّا لأ نّا تجاوزنا ما حدّ ورسم لنا ، وأتينا ما لم نملك إتيانه ، فلمّا لم يكن الباري ... تحت أمر لم يقبح منه شيء" 2.
يرد عليه :
1 ـ إنَّ بعض الأفعال قبيحة بذاتها، ولا يعود منشأ قُبحها إلى حكم الشرع .
وسنبحث هذا الموضوع بصورة مفصّلة في الفصل القادم .
2 ـ "لو كان القبيح إنّما يقبح للنهي، لوجب فيمن لا يعرف النهي ولا الناهي أن لا يعرف شيئاً من القبائح" 3.
وبعبارة اُخرى: لو كان نهي الشرع هو المنشأ الوحيد لقبح جميع الأفعال، فينبغي أن لا يعتقد منكر الشرع بقبح شيء، لأ نّه لا يؤمن بالشرع فلا يكون عنده شيءٌ قبيحٌ .
ولكننا نرى غير الملتزمين بالدين ـ على اختلاف فصائلهم ـ :
يصفون بعض الأفعال بالقبح ويعتقدون بأ نّهم ملزمون بتركها .
ويسند هؤلاء تقبيحهم إلى العقل من غير أن يكون لحكم الشرع أيّ أثر في هذا التقبيح.
3 ـ "لو كان القبيح يقبح للنهي ، لوجب أن يكون الحسن يحسن للأمر ، فيلزم عليه أن لا توصف أفعاله تعالى بالحسن أيضاً، لأ نّه [ تعالى ] كما لم ينه عن شيء، [ فإنّه تعالى ] لم يُؤمر بشيء" 4.
الدليل الثاني للأشاعرة :
"الدليل على أنّ كلّ ما فعله [ تعالى ] ، فله فعله: أ نّه المالك القاهر الذي ليس بمملوك ... فإذا كان هذا هكذا لم يقبح منه شيء" 2.
وقال الشهرستاني:
"أمّا العدل فعلى مذهب أهل السنة: أنّ اللّه عدل في أفعاله ، بمعنى أ نّه متصرّف في مُلكه ومِلكه ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد" 5.
بعبارة أُخرى :
لا يمكن تصوّر فعل القبيح بالنسبة إلى اللّه تعالى ، لأ نّه تعالى هو المالك لكلّ شيء على الإطلاق ، ويعتبر أي تصرّف له تعالى في العالم، إنّما هو تصرّف في شيء يملكه ، وله أن يفعل به كيفما يشاء .
يرد عليه :
إنّ ملكية الشيء لا تعني امتلاك المالك حقّ التصرّف بها على خلاف موازين الحكمة والعدل .
ولهذا نجد العقلاء يذمّون من يلقي أمواله في البحر بلا سبب ، ويحكمون بسفاهته مع علمهم بمالكيته لتلك الأموال .
بعبارة أُخرى :
إنّ "الملكية" لا تبيح فعل القبائح العقلية أصلا .
ولهذا يستنكر العقلاء على المالك الذي يعذّب عبده بلا جهة، ويعتبرونه سفيهاً يستحق اللوم إزاء فعله القبيح هذا .
واللّه تعالى على رغم كونه مالكاً لكلّ شيء وقادراً على كلّ شيء ، ولكنه مع ذلك "حكيم"، وحكمته تنزّهه عن فعل القبيح .
ولهذا قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ 6 7.
- 1. انظر: المواقف ، عضد الدين الإيجي : ج3 ، الموقف 5 ، المرصد 6، المقصد 6 ، ص 283. شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج4، المقصد 5، الفصل 5، المبحث 4، ص294.
- 2. a. b. اللمع ، أبو الحسن الأشعري: الباب السابع، ص116.
- 3. المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي: ج1، القول في العدل ، ص 155.
- 4. المصدر السابق.
- 5. الملل والنحل ، عبد الكريم الشهرستاني: ج1، الباب الأوّل ، ص 42.
- 6. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 117، الصفحة: 234.
- 7. المصدر: كتاب العـدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لـشيخ علاء الحسّون.