الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

منطلقات المشروع الديني في التقريب

نحن نعيش فكرة التقريب منذ مئة وخمسين سنة تقريباً، منذ السيد جمال الدين، إلى الشيخ محمّد عبده، مروراً بأجيالٍ من العلماء الذين نادوا بالتقريب وصولاً إلى اللحظة الحاضرة، وفكرة التقريب من منطلقٍ سياسي مرحلي زمني كانت حاضرة دوماً، ودعا إليها كثيرون ونظّروا لها بل حاولوا تطبيقها.

لكن هل قدّمت هذه الأجيال من العلماء مشروعاً يؤصّل للتقريب بوصفه مشروعاً دينياً، وينظّر له من زاوية اجتهاديّة فقهيّة في الرؤية الإسلاميّة أو لا؟

والجواب هنا

نعم، فقد بذل العلماء المسلمون التقريبيّون خلال المئة وخمسين سنة، جهوداً مشكورة للتنظير للتقريب بوصفه أصلاً دينيّاً بالعنوان الأوّلي، مستندينَ في ذلك عادةً إلى أمرين:

الأمر الأول: النصوص الدينيّة في الكتاب والسنّة التي أصّلت لقواعد عامّة، تتّصل بعلاقات المسلمين فيما بينهم، مثل: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ 1. وهناك الكثير من هذه المبادئ في الكتاب والسنّة، اتّخذها علماء التقريب بين المسلمين وأضاؤوا عليها، وركّزوا النظر عليها وتأمّلوا فيها، وأخرجوا منها قواعد عامة في علاقات المسلمين فيما بينهم، وهي أنّ المبدأ هو العلاقات الطيّبة إلا ما خرج بالدليل، وتوجد دراسات كثيرة في هذا الموضوع.

الأمر الثاني: التجربة التاريخيّة، وقد ركّزوا بالخصوص على التجربة النبويّة. وأبرز مستند في التجربة النبويّة يمثّل قمّة الأداء التاريخي النبويّ في تقارب المسلمين، هو ما يعرف بـ«حادثة المؤاخاة»؛ إذ مثّلت هذه الحادثة أنموذجاً رائعاً لتقاسم المسلمين أموالهم فيما بينهم، فالذي عنده مالٌ أعطاه للثاني، وأمّن له فرصَ العمل، وتعايشوا مع بعضهم بعضاً، وكأنّه لا يوجد مهاجرٌ ولا أنصاري، وإنّما هم جسم واحد.

وكذلك بعد النبي‘ أيضاً التقط التقريبيون كثيراً من التجارب المتفرّقة في سيرة أهل البيت^، وفي علاقاتهم ببعض الصحابة والتابعين، وبعض تابعي التابعين، كما التقطوا أيضاً تجارب لبعض العلماء عبر التاريخ، كان لها دورٌ في تقارب المسلمين فيما بينهم.

إذن، ثمّة ركنان أساسيّان يقام عليهما التقريب من الزاوية الدينيّة، هما:

1 ـ النصوص الأصليّة التقعيديّة في الكتاب والسنّة.

2 ـ التجربة التاريخيّة وعلى رأسها التجربة النبويّة 2.

 

للمزيد راجع: