نشر قبل 7 سنوات
القراءات: 8268
حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الامام المنتظر
إنّ الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر عقيدة مشتركة بين جميع المسلمين، إلاّ من أصمّه اللّه، فكل من كان له إلمام بالحديث يقف على تواتر البشارة عن النبي وآله واصحابه، بظهور المهدي في آخر الزمان لا زالة الجهل والظلم، ونشر اعلام العلم والعدل، واعلاء كلمة الحق واظهار الدين كلّه، ولو كره المشركون، وهو باذن اللّه ينجي العالم من ذُلِّ العبودية لغير اللّه، ويبطل القوانين الكافرة الّتي سنّتها الأهواء، ويقطع أوامر التعصبات القومية والعنصرية، ويميت أسباب العداء والبغضاء الّتي صارت سبباً لاختلاف الاُمّة واضطراب الكلمة، واشتعال نيران الفتن والمنازعات، ويحقق اللّه بظهوره وعده الّذي وعد به المؤمنين بقوله:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ 1.
وقال سبحانه ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ 2 هذا ما اتّفق عليه المسلمون في الصدر الأوّل والأزمنة اللاحقة، وقد تضافر مضمون قول الرسول الأكرم: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلا وقسطاً كما ملئت ظلماً وجورا» .
ولو وجد هناك خلاف بين أكثر السنّة والشيعة، فالاختلاف في ولادته، فانّ الأكثرية من أهل السنّة يقولون بأنّه سيولد في آخر الزمان، والشيعة بفضل هذه الروايات، تذهب إلى أنّه ولد في «سرّ من رأى» عام 255، وغاب بأمر اللّه سبحانه سنة وفاة والده، عام 260، وهو يحيى حياة طبيعية كسائر الناس، غير أنّ الناس يرونه ولا يعرفونه، وسوف يظهره اللّه سبحانه ليحقق عدله .
وهذا المقدار من الاختلاف لا يجعل العقيدة بالمهدي عقيدة خلافية، ومن أراد أن يقف على عقيدة السنّة والشيعة في مسألة المهدي فعليه أن يرجع إلى الكتب التالية لمحقّقي السنّة ومحدّيثهم:
- «صفة المهدي» للحافظ أبي نعيم الاصفهاني .
- «البيان في أخبار صاحب الزمان» للكنجي الشافعي .
- «البرهان في علامات مهدي آخر الزمان» لمّلا علي المتقي .
- «العرف الوردي في أخبار المهدي» للحافظ السيوطي .
- «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر» لابن حجر .
- «عقد الدرر في أخبار الامام المنتظر» للشيخ جمال الدين الدمشقي .
ومن أراد التفصيل فليرجع إلى «منتخب الأثر في الامام الثاني عشر» للعلاّمة الصافي ـ دام ظلّه - .
ولم ير أحد الضعف في أخبار الامام المهدي، إلاّ ابن خلدون في مقدّمته، وقد فنّد مقالته محمّد صديق برسالة أسماها «إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون» وقد كتب أخيراً الدكتور عبدالباقي كتاباً قيّماً في الموضوع أسماه «بين يدي الساعة» فيقول في تضافر الأخبار الواردة في حق المهدي:
«إنّ المشكلة ليست في حديث أو حديثين أو راوأو راويين، انّها مجموعة من الأحاديث والأخبار تبلغ الثمانين تقريباً، اجتمع على تناقلها مئات الرواة، وأكثر من صاحب كتاب صحيح .
فلماذا نرد كل هذه الكمّية؟ أكلّها فاسدة؟ لو صحّ هذا الحكم لانهار الدين ـ والعياذ باللّه ـ نتيجة تطرق الشك والظن الفاسد إلى ما عداها من سنّة رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .
ثمّ إنّي لا أجد خلافاً حول ظهور المهدي، أو حول حاجة العالم إليه، وإنّما الخلاف حول من هو، حسني أو حسيني؟ سيكون في آخر الزمان، أو موجود الآن ،خفى وسيظهر؟ ظهر أو سيظهر؟ ولا عبرة بالمدّعين الكاذبين، فليس لهم اعتبار .
ثمّ إنّي لا أجد مناقشة موضوعية في متن الأحاديث، والّذي أجده، إنّما هو مناقشة وخلاف حول السند، واتّصاله وعدم اتّصاله ، ودرجة رواته، ومن خرّجوه، ومن قالوا فيه .
وإذا نظرنا إلى ظهور المهدي، نظرة مجرّدة، فإنّنا لا نجد حرجاً من قبولها وتصديقها، أو على الأقل عدم رفضها. فإذا ما تؤيّد ذلك بالأدلّة الكثيرة، والأحاديث المتعددة، ورواتها مسلمون مؤتمنون، والكتب الّتي نقلتها إلينا كتب قيمة، والترمذي من رجال التخريج والحكم، بالاضافة إلى أنّ أحاديث المهدي لها، ما يصحّ أن يكون سنداً لها في البخاري ومسلم، كحديث جابر في مسلم الّذي فيه: «فيقول أميرهم (أي لعيسى): تعال صلّ بنا»3، وحديث أبي هريرة في البخاري، وفيه: «كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم وإمامكم منكم»4، فلا مانع من أن يكون هذا الأمير، وهذا الامام هو المهدي .