حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
التعصب وعلم النفس الاجتماعي
تقدم العلوم الاجتماعية الحديثة بصورة عامة، وعلم النفس الاجتماعي بصورة خاصة، خبرة معرفية ومنهجية ذات قيمة عالية في دراسة وتحليل وتفسير ظاهرة التعصب، خبرة لا يمكن الاستغناء عنها بأي وجه من الوجوه، بحيث يمكن القول إن كل حديث يتناول هذه الظاهرة، ولا يرجع لهذه الخبرة والاستفادة منها يعد ناقصاً ومبتوراً.
وهذا ما حاول التأكيد والبرهنة عليه الدكتور جون دكت أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة كيب تاون بجنوب أفريقيا في كتابه القيم (علم النفس الاجتماعي والتعصب)، الذي أوضح فيه كيف أن العلوم الاجتماعية بدأت في السبعين عاماً الأخيرة ببذل جهود محددة لفهم طبيعة التعصب وأسبابه، وحققت خلال هذه الفترة إنجازات هامة.
وفي نطاق علم النفس الاجتماعي يرى جون دكت أن مفهوم التعصب ظهر كمشكلة في هذا الحقل في عشرينات القرن العشرين، وظل تيار البحوث يتدرج ويتطور ببطء خلال الثلاثينات والأربعينات، ولم يشهد تاريخ البحث تطوراً كبيراً ومتصاعداً حول هذا الموضوع إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا ما كشف عنه جوردن ألبورت في دراسته الهامة حسب وصف جون دكت، والتي حملت عنوان (طبيعة التعصب) الصادرة عام 1954م، إذ أشار فيها إلى عدد كبير من الدراسات والبحوث المتصلة بهذه القضية.
وباعتبار جون دكت من جنوب أفريقيا فهذا يضاعف من قيمة وأهمية دراسته لهذه القضية، وذلك لسبب واضح ومعروف وهو أن جنوب أفريقيا كانت من أشد وأكثر مجتمعات العالم تفشياً لظاهرة التعصب على أساس اللون، ومن ينتمي لهذا المجتمع يفترض أن تتكون لديه حساسية مفرطة في نقد وكراهية التعصب، أو حسب تقدير جون دكت وهو يفتتح مقدمة كتابه بالقول: تؤدي نشأة الشخص في جنوب أفريقيا وحياته في جو من الظلم والتعسف إلى أن يواجه نفسه بسؤال كيف يمكن لهذه الأخطاء تظهر وتستمر لمدة طويلة على هذا النحو؟
مع ذلك فإن كتاب جون دكت لا يتحدد ويتقيد في نماذجه وتطبيقاته، ولا حتى في معارفه وخبراته بمجتمع جنوب أفريقيا، فقد أراد منه مؤلفه أن يكون كتاباً علمياً ينتمي إلى علم النفس الاجتماعي الذي هو مجال تخصصه وتدريسه، إلى جانب أنه أراد أن ينبه باقي المجتمعات الأخرى إلى هذه الظاهرة البغيضة التي جرحت كرامة مجتمعه، وجعلته يعيش تاريخاً حزيناً وكئيباً، ولا يتمنى لمجتمع آخر أن تمر عليه مثل تلك التجربة، ولا حتى تذكرها.
وقد بذل جون دكت في هذا الكتاب جهداً علمياً واضحاً، عكس فيه ما تراكم في حقل علم النفس الاجتماعي من خبرات وتجريبات وتطبيقات، متحدثاً فيه عن الأطر النظرية المختلفة في دراسة وتحليل وتفسير ظاهرة التعصب، وشارحاً فيه الأسس السيكولوجية للتعصب، والديناميات الاجتماعية للتعصب إلى جانب نظريات أخرى.
وفي المجال العربي، تمثل محاولة أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة الدكتور معتز سيد عبد الله في كتابه (الاتجاهات التعصبية)، محاولة مهمة في الاستفادة من خبرة علم النفس وعلم النفس الاجتماعي في دراسة وتحليل وتفسير الاتجاهات التعصبية، وبذل جهداً واضحاً في التعريف النظري والإجرائي لهذه الاتجاهات، وخصائصها وعلاقتها بغيرها من المفاهيم الأخرى، وشارحاً الإطارات النظرية التي قدمت لتفسير اكتساب هذه الاتجاهات ونموها وارتقائها، إلى كيفية مواجهتها أو الوقاية منها.
وما يميز هذه المحاولة هو ما أوضحه المؤلف نفسه، حين اعتبر أن معظم الدراسات غير العربية التي تناولت هذه القضية، ارتبطت دائماً بظروف اجتماعية وسياسية مرت بها المجتمعات التي أجريت فيها هذه الدراسات، ولهذا كان التعصب العنصري هو أكثر أشكال التعصب التي نالت اهتماماً نظرياً وتطبيقياً، في حين أن هناك أنماطا أخرى مهمة لم تلق عناية مثل التعصب الديني والسياسي والاجتماعي.
لهذا فنحن بأمس الحاجة في الاستفادة من خبرة علم النفس الاجتماعي في دراسة ظاهرة التعصب التي بدأت تظهر وتتوسع في مجتمعات العالم العربي والإسلامي1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس / 15 مايو 2008م، العدد 15237.