مجموع الأصوات: 53
نشر قبل سنتان
القراءات: 3445

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

فضل شهر رمضان و خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

روى الصدوق وبسند مُعتبر عَن الرّضا عليه‌السلام عَن آبائِه عَن أمير المُؤمنين عَليهِ وعلى أولاده السَّلام ، قالَ : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطبنا ذات يَوم فقالَ :

أيها النّاس إنّه قَدْ أقبل إليكم شَهرُ الله بالبركةِ والرحمة والمغفرة شَهر هُوَ عِندَ الله أفَضل الشهور وأيامه أفضلُ الأيام ولياليهِ أفَضل الليالي وساعاته أفَضل الساعات ، هُوَ شَهر دعيتم فيهِ إلى ضيافة الله وجُعلتم فيهِ مِن أهْل كرامة الله. أنفاسكم فيهِ تسبيح ونومكم فيهِ عبادة وعمَلكم فيهِ مقبُول ودعاؤكُم فيه مستجاب ، فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة وقلوب طاهره أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابهِ ، فان الشقّي مَن حرم غفران الله في هذا الشّهر العَظيم ، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيهِ جوع يَوم القيامة وعطشه ، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقرّوا كباركُم وارحموا صغاركُم ، وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم وغضّوا عمّا لايحلّ النّظر إليهِ أبصاركم وعمّا لا يحل الاستماع إليه أسماعكم ، وتحننّوا على أيتام النّاس يتحنّن على أيتامكم ، وتوبوا إليهِ مِن ذنوبكم ، وارفعوا إليهِ أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم ، فانّها أفضَل السّاعات ينظر الله عزّوجلّ فيها بالرّحمة إلى عبادهِ يُجيبَهم إذا ناجوه. ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه.

أيّها الناس : إنَّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم ، وظهوركُم ثقيلة مِن اوزاركُم فخفّفوا عنها بطولِ سجودكُم ، واعلموا أنّ الله تعالى ذِكرَه اقسم بعزّته أن لايعذّب المصلّين والسّاجدينَ ، وأن لايروعهم بالنّار يَوم يقوم النّاس لرب العالمين.

أيهّا النّاس : مَن فطَّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر كانَ لَهُ بذلِكَ عِندَ الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى مِن ذنوبهِ.

قيل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولَيسَ كلّنا يقدر على ذلِكَ.

فقالَ صلى‌الله‌عليه‌وآله : اتقوا النّار ولو بشقّ تمرة ، اتقوا النّار ولو بشربة مِن ماء ، فإنّ الله تعالى يهب ذلِكَ الاجر لمن عمل هذا اليسير إذا لَمْ يقدر على أكثر مِنهُ 1.

يا أيهّا النّاس : مَن حسّن منكم في هذا الشّهر خُلقه كانَ لَهُ جواز على الصراط يَوم تزلُّ فيهِ الاقَدْام ، ومَن خفّف في هذا الشّهر عما ملكت يمينه خفّف الله عَليهِ حسابه ، ومَن كفّ فيهِ شرّه كفّ الله عَنهُ غضبه يَوم يلقاه ، ومَن أكرم فيهِ يتيماً أكرمه الله يَوم يلقاه ، ومَن وصلَ فيه رَحِمَه وصله الله برحمته يَوم يلقاه ومَن قطع فيهِ رَحمه قطع الله عَنهُ رحمته يَوم يلقاه ، ومَن تطّوع فيهِ بصلاة كتبَ لَهُ براءة مِن النّار ومَن ادّى فيهِ فرضاً كان لَهُ ثواب مَن أدى سبعينَ فريضة فيما سواه مِن الشهّور ، ومَن أكثر فيهِ من الصلاة عليّ ثقل الله ميزانه يَوم تخف الموازينَ ، ومَن تلا فيهِ آية مِن القرآن كانَ لَهُ مثل أجر مَن ختم القُران في غَيرَه مِن الشهور.

أيها النّاس ، إنّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتحة فسلوا ربّكم أن لايغلقها عَلَيكُم ، وأبواب النيران مغلقة فسلُوا ربّكم أن لايفتحها عَلَيكم والشيّاطين مغلولة فسلوا ربّكم أن لايسلّطها عَلَيكُم .... الخ 2.

وروى الصّدوق رض : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إِذا دخل شَهر رَمَضان فكّ كلّ أسير وأعطى كلّ سائل 3.

أقول :

شَهر رَمَضان هُوَ شَهر الله ربّ العالمين ، وهُوَ أشرف الشّهور شَهر يفتح فيهِ أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرَّحمَة ، ويغلق فيهِ أبواب جهنّم.

وفي هذا الشّهر لَيلَة تكون عبادة الله فيها خَيراً مِن عبادته في ألف شَهر. فانتبه فيهِ لنفسكَ وتبصر كيف تقضي فيهِ ليلكَ ونهاركَ؟ وكيف تصون جوارحكَ وأعضاءكَ عَن معاصي ربّكَ؟ وإيّاكَ وأن تكون في ليلتكَ مِن النائِمين وفي نهاركَ مِن الغافلين عَن ذِكر ربّكَ فَفي الحديث : أنّ الله عزَّ وجلَّ يعتق في آخر كُلِّ يَوم مِن أيام شَهر رَمَضان عِندَ الافطار ألف ألف رقبة مِن النّار ، فإذا كانَت لَيلَة الجمعة ونهارها أعتق الله مِن النّار في كُلِّ ساعة ألف ألف رقبة ممّن قَدْ أستوجب العَذاب ، ويعتق في اللّيلة الاخَيرة مِن الشّهر ونهارها بَعدد جَميع مَن أعتق في الشّهر كلّه 4.

فإيّاكَ يا أيها العزيز وأن ينقضي عَنكَ شَهر رَمَضان وقَدْ بقي عَلَيكَ ذنب مِن الذُّنوب! وإياكَ أن تُعدُّ مِن المذنبين المحرومين مِن الاستغفار والدُّعاء! فَعَن الصادِقِ عليه‌السلام : أَنهُ مَن لَمْ يُغفَر لهُ في شَهرِ رَمَضانَ لَمْ يُغفَر لهُ إلى قابلٍ إلاّ أن يشهَدَ عَرفَةَ 5. وصن نفسكَ ممّا قَدْ حرّمه الله ومِن أن تفطر بمحرّم عَلَيكَ ، واعمل بما أوصى بهِ مولانا الصادق صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَلَيهِ ، فقالَ :
إذا صمت فليصم سمعكَ وبصركَ وشعركَ وجلدكَ وجَميع جوارحكَ ـ أي عَن المحرّمات بل المكروهات أيضاً ـ.

وقال عليه‌السلام : لا يكون يَوم صومِكَ كيوم فطركَ 6.
وقالَ عليه‌السلام : إنّ الصِّيام لَيسَ مِن الطّعام والشراب وحدهما ، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عَن الكذب وغضّوا أبصاركُم عمّا حرّم الله ، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولاتغتابوا ولاتماروا ولاتخالفوا (كذباً بل ولاصدقاً) ، ولاتسابّوا ولاتشاتموا ولاتظلموا ولاتسافهوا ولاتضاجروا ولاتغفلوا عَن ذِكر الله وعَن الصلاة ، والزموا الصمت والسّكوت والصّبر والصّدق ومجانبة أَهل الشّر واجتنبوا قول الزّور والكذب والفري والخصومة وظنّ السّوء والغيبة والنميمة ، وكونوا مشرفين على الآخرةِ منتظرين لايّامكم ظهور القائم عليه‌السلام مِن آلِ مُحَمّدٍ (صلوات الله عليهم أجمعين) منتظرينَ لما وعدكُم الله متزوِّدينَ للقاءِ الله ، وعَليكُم السّكينة والوقار والخشوع والخضوع وذلّ العبيد الخُيَّف من مولاها خائِفين راجين ولتكن أَنتَ أيهّا الصائِم قَدْ طَهر قلبك مِن العيوب وتقدّست سريرتكَ من الخبث ونظف جسمكَ مِن القاذورات وتبرات إلى الله مّمن عداه ، وأخلصت الولاية وصمتّ مما قَدْ نهاكَ الله عَنهُ في السّر والعلانية ، وخشيت الله حق خشيته في سرّكَ وعلانيتكَ ، ووهبت نفسكَ الله في أيّام صومِكَ وفرغت قلبكَ لَهُ ونصبت نفسكَ لَهُ فيما أمركَ ودعاكَ إِليهِ. فإذا فعلت ذلِكَ كُلَّه فأنت صائِم لله بحقيقة صومه صانع لَهُ ما أمركَ ، وكلما نقصت منها شيئاً فيما بيّنت لَكَ فَقد نقص مِن صومِكَ بمقدار ذلِكَ. وإنّ أبي عليه‌السلام قال : سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة تسابّ جارية لها وهي صائمة فدعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بطعام ، فقالَ لها : كلي ، فقالت : أنا صائِمة يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالَ : كيف تكونين صائمة وقَدْ سببتِ جاريتكَ؟ إن الصّوم لَيسَ مِن الطعام والشّراب وإنما جعل الله ذلِكَ حجاباً عَن سواهما مِن الفواحش مِن الفعل والقول. ما أقلّ الصّوم وأكثر الجّوع 7.
وقالَ أمير المُؤمنين صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَلَيهِ : كم مِن صائم لَيسَ لَهُ مِن صيامه إلاّ الظماء ، وكم مِن قائم لَيسَ لَهُ مِن قيامه إلاّ العناء؟ حبذا نوم الأكياس وإفطارهم 8.
وعَن جابر بن يزيد عَن الباقر عليه‌السلام ؛ قالَ : قالَ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لجابر بن عبد الله يا جابر ، هذا شَهر رَمَضان من صام نهاره وقامَ ورداً مِن ليلته وصان بطنه وفرجه وحفظ لسانه لخرجَ مِن الذُّنوب كما يخرجُ مِن الشّهر. قالَ جابر : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما أحسنه مِن حديث! فقالَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وما أصعبها من شروط 9 10.

  • 1. ليس في امالي الصدوق من : «فإنّ الله تعالى يهب ـ إذا لم يقدر على أكثر منه» نعم موجود في زاد المعاد للمجلسي : 88.
  • 2. رواه الصدوق في الامالي في المجلس 20 ح 4.
  • 3. أمالي الصدوق في المجلس 14 ح 3.
  • 4. رواه المفيد في الامالي في المجلس 27 ح 3 عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مع اضافات.
  • 5. رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه 2 / 99 ح 1841.
  • 6. الكافي 4 / 87 باب أداب الصائم ، ح 1 وفيه : وجلدك وعدّد أشياء غير هذا وقال : ...
  • 7. رواه المجلسي في زاد المعاد : 96 في آداب الصوم عن الصادق عليه‌السلام.
  • 8. زاد المعاد : 98.
  • 9. الكافي 4 / 87 باب آداب الصائم ح 2.
  • 10. المصدر: مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي قدس سره.