الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تأخر علي عليه السلام عن البيعة دليل خطئه..

نص الشبهة: 

يقول ابن حزم عن علي «رضي الله عنه» ـ ملزماً الشيعة ـ بأنه «بايع أبا بكر بعد ستة شهور، تأخر فيها عن بيعته. (وهذا) لا يخلو ضرره من أحد وجهين: إما أن يكون مصيباً في تأخره، فقد أخطأ إذ بايع، أو يكون مصيباً في بيعته، فقد أخطأ إذ تأخر عنها» ! ! (الفِصَل في الملل والأهواء والنِّحَل ج 4 ص 235).

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
1 ـ إن الشيعة لم يقولوا: إن علياً «عليه السلام» قد بايع بعد ستة أشهر، بل بعض السنة هم الذين قالوا ذلك، ولم يأتوا بدليل يثبت قولهم هذا..
فالشيعة يطالبونهم بما يثبت ذلك، ومجرد ورود روايات في بعض المصادر لفريق بعينه، لا يكون حجة على الفريق الآخر، لاحتمال أن يكون الهدف هو تحقيق الغلبة بهذا الادعاء، الذي قد اختلفت فيه الأقوال حتى عند أهل السنة اختلافاً كثيراً، فلقد ادَّعوا: أن علياً «عليه السلام» بايع أبا بكر، ثم اختلفوا في وقت بيعته له، فقيل: بعد ستة أشهر 1.
وقيل: بعد وفاة الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» بأيام قلائل 2.
وقيل: بعد وفاة الصدّيقة الطاهرة، مع الإختلاف في وقت وفاتها.
فقيل: بعد وفاته «صلى الله عليه وآله» بأربعين، وباثنين وسبعين، أو بخمسة وسبعين، و بثلاثة أشهر، و بثمانية أشهر، إلى غير ذلك من أقوال..
وزعموا: أن سبب بيعته هو: أنه كان لعلي «عليه السلام» وجه من الناس في حياة فاطمة «عليها السلام»، فلما توفيت انصرفت وجوه الناس عنه، فبادر إلى البيعة بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» بستة أشهر.
قيل للزهري: فلم يبايعه علي ستة أشهر؟!
قال: لا والله، ولا أحد من بني هاشم، حتى بايعه علي «عليه السلام» 3.
ونقول:
أولاً: إن بيعة علي «عليه السلام» لها أهمية بالغة لدى جميع الناس آنئذٍ. وقد كانت مرصودة من الكبير والصغير، فلا يعقل خفاؤها إلى هذا الحد. الأمر الذي يثير الشبهة في أكثر ما يقال في ذلك.
ثانياً: لقد هتك هؤلاء القوم حرمة علي «عليه السلام»، وهددوه بالقتل، وضربوا زوجته، وقتلوا ولده، وباشروا بإحراق بيته عليه وعلى زوجته وأولاده.. ولم يرعوا حرمة لهم. بل لقد كان للسيدة الزهراء «عليها السلام» النصيب الأكبر من هذا الأذى كله..
يضاف إلى ذلك: أنهم يذكرون أنه «عليه السلام» لما رأى ما جرى في السقيفة حمل الزهراء وابنيها: الحسن والحسين «عليهم السلام»، ودار بهم على بيوت المهاجرين والأنصار، وأهل بدر وغيرهم، يطلبون نصرتهم، فلم يستجيبوا لهم..
فما معنى قولهم بعد ذلك كله: إنه لما توفيت فاطمة، رأى انصراف وجوه الناس عنه، فضرع للبيعة؟!
أليس قد ظهر له هذا الإنصراف عنه منذ الأيام الأولى، حيث هوجم هو والزهراء، وولدِهما؟! ثم طلبوا نصرة الناس لهم، فلم يستجب لهم سوى أربعة؟!
وكيف يقول القرطبي في المفهم: «كان الناس يحترمون علياً في حياتها كرامة لها، لأنها بضعة من رسول الله وهو مباشر لها. فلما ماتت وهو لم يبايع أبا بكر انصرف الناس عن ذلك الإحترام، ليدخل فيما دخل فيه الناس، ولا يفرق جماعتهم» 4.
ثالثاً: لقد حورب مالك بن نويرة وقتل، وحورب مانعوا الزكاة، لأنهم أرادوا أن يبايعوا علياً «عليه السلام»، فلو أن علياً وأهل البيت «عليهم السلام» بايعوا في وقت مبكر، فإن هؤلاء لا يعرِّضون أنفسهم للقتل بتريثهم في إعطاء الزكاة لغير أهل بيت نبيهم.
رابعاً: إن الضغوط التي واجهها علي «عليه السلام» في الأيام الأولى من رحلة الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» قد بلغت أقصى مداها.. وقد خفت تلك الضغوط عليه بعد ذلك، فلماذا يصوّرون الأمر بعكس ما هو واقع ومشهود؟!
غاية ما هناك: أن محاولاتهم معه لإجباره على البيعة قد تكررت في البدايات حتى يئسوا منه، فاكتفوا منه بتكاثرهم عليه حتى مسح أبو بكر على يده، ثم صاحوا: بايع، بايع، بايع أبو الحسن.
2 ـ إن القضية فيما يرتبط بالإصابة والخطأ ليست مانعة خلو بحسب اصطلاح أهل المنطق.. لأن هناك شقوقاً أخرى محتملة، وهي أن يكون «عليه السلام» مصيباً في كلا الحالتين، أو مخطئاً في كلا الحالتين أيضاً.
فلماذا لم يتعرض لهذين الشقين، لنعرف ماذا يقول فيهما؟!.
والصحيح هو: أنه «عليه السلام» كان مصيباً أولاً حين لم يبايع، ومصيباً حين أجبر على البيعة بعد ذلك..
ويقول الشيعة: إن امتناعه «عليه السلام» أولاً كان من أجل أن يعرف الناس بأن الحق له، وبأن هؤلاء يريدون أخذ حقه منه، وهذه مصلحة كبرى لا بد له من مراعاتها، فلما ثبت ذلك للناس جميعاً.. ولم يكن هناك مصلحة في قتالهم، اكتفى بممانعتهم حين تكاثروا عليه، ومسحوا على يده.. وإنما لم يقاتلهم بالسيف، لأنه لا يريد أن يعرض الإسلام للخطر..
3 ـ لو قلنا: إنه «عليه السلام» قد امتنع ستة أشهر ثم بايع، فلماذا لا يقال: إن حال علي «عليه السلام» كان كحال النبي «صلى الله عليه وآله»، فإنه حارب قريشاً، وكانت المصلحة في الحرب، ثم تبدلت الأمور فبادر إلى الصلح معها وكان هو المصلحة..
وكان النبي «صلى الله عليه وآله» مصيباً في جميع الأحوال، وكذلك علي «عليه السلام»..
4 ـ لا بد من الإجابة على السؤال الكبير عن السبب في امتناعه عن البيعة طيلة هذه المدة، ستة أشهر، ثم عن السبب في عدوله عن قراره الأول.. وهل يمكن أن يكون قد امتنع مختاراً؟! فإن الأمر ليس متروكاً له ليتلاعب فيه كيف شاء..
5 ـ إنه «عليه السلام» قد أكد صحة قول معاوية عنه: إنه قد أكره على البيعة، حيث كتب «عليه السلام» إليه يقول:
«وقلت: إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، فلعمري، لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت. وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه» 5.
6 ـ وأخيراً.. فإننا نقول: لو لم يكن في حق علي «عليه السلام» إلا قول رسول الله «صلى الله عليه وآله»: علي مع الحق، والحق مع علي يدور معه كيفما دار.. لكان ذلك كافياً لنا ولكل المسلمين في الهداية إلى الحق..
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 6.

  • 1. صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج 5 ص 82 وصحيح مسلم ج 5 ص 154 وشرح أصول الكافي ج 7 ص 218 والصوارم المهرقة ص 71 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص 413 وشرح مسلم للنووي ج 12 ص 77 وفتح الباري ج 7 ص 378 وعمدة القاري ج 17 ص 258 وصحيح ابن حبان ج 14 ص 573 ونصب الراية للزيلعي ج 2 ص 360 والبداية والنهاية ج 5 ص 307 والسيرة النبوية لابن كثير ج 4 ص 568 والإكمال في أسماء الرجال ص 168.
  • 2. مروج الذهب ج 2 ص 201 والسيرة الحلبية ج 3 ص 485 و 489 والكامل في التاريخ ج 2 ص325 والإمامة والسياسة ج 1 ص 14 وقاموس الرجال للتستري ج 9 ص 154 وتاريخ الأمم والملوك ج 2 ص 447.
  • 3. راجع: السنن الكبرى للبيهقي ج 6 ص 300 وفتح الباري ج 7 ص 379 والمصنف ج 5 ص 472 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 6 ص 46 وتاريخ الأمم والملوك ج 2 ص 448 وعن صحيح البخاري (كتاب المغازي) ج 4 ص 1549 وعن صحيح مسلم (كتاب الجهاد) ج 4 ص 30 والطرائف لابن طاووس ص 238 وبحار الأنوار ج 28 ص 353 و ج 29 ص 202 واللمعة البيضاء ص 755 و 756 وأعيان الشيعة ج 4 ص 188 وكشف الغمة ج 2 ص 103 وغاية المرام ج 5 ص 327 وسفينة النجاة للتنكابني ص 126 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج 10 ص 456.
  • 4. الغدير ج 8 ص 36 وج 10 ص 361.
  • 5. نهج البلاغة الكتاب (بشرح عبده) ج 3 ص 33 و 34 رقم 28 والاحتجاج ج 1 ص 262 والصوارم المهرقة ص 220 وكتاب الأربعين للشيرازي ص 165 وبحار الأنوار ج 28 ص 368 وج 29 ص 621 وج 33 ص 59 والسقيفة للشيخ محمد رضا المظفر ص 154 ومستدرك سفينة البحار ج 7 ص 505 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص 733 ونهج السعادة ج 4 ص 197 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 15 ص 183 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج 1 ص 374 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج 2 ص 369 وراجع: صبح الأعشى ج 1 ص 229 ونهاية الأدب ج 7 ص 233 والفتوح لابن اعثم ج 3 ص 474.
  • 6. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، الجزء الثالث، 1431 هـ. ـ 2010 م، السؤال رقم (125).