نشر قبل 8 سنوات
تقيمك هو: 1. مجموع الأصوات: 57
القراءات: 6808

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

للذكر مثل حظ الأنثيين

نص الشبهة: 

ممّا أثار النقاش حول نظرة الإسلام عن المرأة هي مسألة إرثُها نصف إرث الرجل ، وربّما كان الجَدل عنيفاً في أوساط أُمَميّة وفي مؤتمرات عالميّة حول قضية المرأة ، وممّا توافق عليه مُمَثِّلو الدول الإسلاميّة مع خصومهم هو أنّ الإسلام أقرّ للمرأة ميراثها إجماليّاً تجاه الأَنظمة القديمة وبعض الأنظمة القبائليّة القائلة بحرمانها من الإرث رأساً ، واقتنعوا بهذا القَدَر مِن التوافق بشأن إرث المرأة ، مع الغضّ ـ حاليّاً ـ عن المقدار وسائر الجوانب الّتي يُفصّلها الإسلام .

الجواب: 

لكنَّ الإسلام باعتباره شريعة الله الخالدة الجامعة الشاملة قد قال كلمته الأخيرة ولا مجال للمُحاباة فيما حَكَم به الإسلام حُكمَه الباتّ الصريح الأبدي ، ونحن نرى أيَّ تَوافق ـ يستلزم تنازلاً مّا عن الأُسُس الإسلاميّة ـ مداهنةً وتراجعاً أمام هجمات العدوّ الجاهل ، الأمر الذي يبدو على مُحيّاه الوهن والضَعف المَقيت .
إنّ البيئة التي يَرسمها الإسلام للحياة الاجتماعيّة ـ سواء في صورتها الصُغرى ( الأُسرة ) أو الكبرى العامّة ـ تجعل من وظائف الرجل أثقل ، وإنّ مسؤوليّته في حمل أعباء الحياة أشمل ، حسبَما أُوتيَ مِن قدرةٍ وتفكيرٍ أوسع ، فكان بطبيعة الحال أنْ يُجعل نصيبُه مِن الميراث أكثر .
إنّه تعالى يرفض أوّلاً تلك العادات الجاهليّة التي كانت تَحرم النساء عن الميراث ﴿ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ 1 وبذلك أَبطَلَ عادةً جاهليّةً كانت مُتحكِّمةً في نفوس أبناء الجزيرة ، بل وفي أوساط أُمَميّة كانت سائدةً في أكثر أرجاء العالم المتحضّر يومذاك .
رُوي عن ابن عبّاس أنّه لمّا نزلت الآية ثَقُلت على نفوسٍ جاهلة ، فجعلوا يتخافتون فيما بينهم أنْ اسكتوا عن هذا الحديث فلعلّ رسول الله ( صلّى اللّه عليه وآله ) ينساه ، أو نقول له فيغيّره ، فجاء بعضهم إليه وقال : كيف تُعطى الجاريةُ مِن الميراث وهي لم تركب الفرس ولم تُقاتل ؟ وهم لا يُعطونها ولا الأطفال الصِغار إلاّ لمَن استطاع الركوب والقتال ! 2 .
وبعد ذلك يأتي دور تعيين نصيبها من الميراث : ﴿ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ... 3 ، إنّ الله هو الذي يُوصي ، وهو الذي يَفرض ، فمِن عند الله ترد التنظيمات والشرائع والقوانين ، وعن الله يتلقّى الناس في أخصّ شؤونهم في الحياة ، وهذا هو الدِّين ، فليس هناك دِينٌ للناس إذا لم يتلقّوا في شؤون حياتهم كلِّها مِن الله وحده ، وليس هناك إسلام إذا هم تلقّوا في أيّ أمرٍ من هذه الأمور ـ جلّ أو حَقُر ـ مِن مصدرٍ آخر ، إنّما يكون الشرك أو الكفر ، وتكون الجاهليّة التي جاء الإسلام ليَقتلع جُذورها من حياة الناس .
فليس للناس أنْ يقولوا : إنّما نختار لأنفسنا ولذُرّياتنا ونحن أعرف بمصالحنا .. فهذا ـ فوق أنّه باطل ـ هو في الوقت ذاته تَوقّح وتَبجّح وتَعالٍ على الله وادّعاء لا يَزعَمُه إلاّ مُتوقِّح جَهول .
وعليه ، فليس الأمر في هذا أمر مُحاباة لجنسٍ على حساب جنس ؛ إنّما الأمر تَوازُن وعَدل بين أعباء الرجل وأعباء المرأة في التكوين العائلي وفي النظام الاجتماعي الإسلامي ، فالرجل يتزوّج امرأةً يُكلَّف إعالتها وإعالة أبنائها منه في كلِّ حالة ، وهي معه وهي مُعفاة من هذه التكاليف ، أمّا هي ، فإمّا أنْ تقوم بنفسها فقط ، وإمّا أن يقوم بها رجل قبل الزواج وبعده سواء ، وليست مُكلَّفةً نفقة لزوج ولا للأبناء في أيّ حال .
فالرجل مُكلَّف ـ على الأقلّ ـ ضعف أعباء المرأة في التكوين العائلي وفي النظام الاجتماعي الإسلامي ـ أي النظام الذي رسمه لنا الإسلام ـ ومِن ثَمّ يبدو العَدْل كما يبدو التناسق بين الغُنْم والغُرم في هذا التوزيع الحكيم ، فما دامت الحياة التي نَعيشُها في ظلّ الإسلام مُخطَّطَةً وِفق هذه الحِكمة الرشيدة ، فهذا التوزيع يتطابق مع هذا المُخطَّط ما دُمنا نعترف به ونستسلم لقيادته ، ويبدو كلّ نقاش في هذا التوزيع جهالةً من ناحيةٍ ، وسوءَ أدبٍ مع الله من ناحيةٍ أخرى ، وزَعزَعةً للنظام الاجتماعي والأسري ، لا تستقيمُ معها حياةٌ حَسب مُعتقدنا ونحن مسلمون ، والتجربة العنيفة التي تجرَّعتها سائر الأُمَمِ ولا تزال هي خير شاهِدةٍ على اعتدال هذا النظام وانسجامه مع فطرة الإنسان وتكوينه في الحياة .

محاولات فاشلة

هنا وفي يومنا الحاضر نُجابِهُ محاولاتٍ يبدو الفشل في مُحيّاها ، بعد حِيادها عن منهج فهمِ النصّ على ما رسمته طريقة الاستنباط من كتاب الله ، فمِن قائل : إنّ النصّ الوارد في القرآن الكريم جاء بلفظ التَوصية : ﴿ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ... 3 ، والإيصاء ترغيب في الأمر وليس فرضاً واجباً ؛ ولعلّ الشرائط الزمنيّة حينذاك كانت تستدعي هذا التفاضل المندوب إليه ولكن في وقتها ، الأمر الذي لا يُحتِّم الحكم لا بصورةِ فرضٍ ولا بشكلٍ دائم على الإطلاق !
قالوا : واليوم ، حيث تغيّرت الشرائط وتبّدلت الأحوال البيئيّة والاجتماعيّة العامّة فلا أرضيّة لهذا التفاضل ، ولا هو يتناسب مع الأوضاع الراهنة المتغايرة مع الوضع القديم ، لا سيّما والأمر لم يكن فرضاً بل مجرّد نَدبٍ ، فلا مُقتضى في الوقت الحاضر للأخذ بهذا الأمر الذي كان راجحاً في ظرفه ولا رجحان له اليوم !
وقائل آخر : إنّه على فَرضِ إرادة الفريضة لكن التداوم لا مجال له بعد ملاحظة رَهنِ أحكام الشريعة ـ في قسمها المتغيّر ـ بأوقاتها وظروفها الخاصّة حيث المصالح المُقتضية حينذاك والمُنتفية في الحال الحاضر .
هذا القائل يرى مِن أحكام الشريعة على نوعين : ثابتة ومتغيِّرة ، فالثابتة هي التي أصدرها صاحب الشريعة بشكلٍ عامّ شامل أبديّ ؛ حيث ابتنائها على مصالح هي ثابتة لا تتغيّر مع الأبد وفي جميع الأحوال ومختلف الأوضاع ، وذلك في مثل العبادات ، الأمر الذي يختلف الحال فيه في مثل المعاملات والانتظامات ، المتقيّدة بمصالح هي وقتيّة وفي تحوّل على مسرح الحياة ، ففي هذا تكون الأصول ثابتة أمّا الفروع والتفاصيل فهي رَهْنُ شرائط الزمان ، فيجوز التصرّف فيها حسب المُقتَضَيات المؤاتية ولكن في ضوء تلك الأصول ومع الحفاظ عليها جذريّاً فحسب !
قلت : أمّا المَزعُومة الأُولى فهي مُخالَفَةٌ صَريحةٌ لنصّ الكتاب العزيز ؛ حيث تبتدئ آيات المواريث بلفظة الإيصاء ، وتنتهي بما يجعل من هذا الإيصاء فرضاً مِن الله لا مجال للتخلّف عنه ﴿ ... وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ 4 ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ 5 .
يعني : أنّ هذه الوصيّة من الله نافِذة لا مجال للتخلّف عنها ؛ لأنّها تبيين لحدود الله التي مَن تعدّاها فسوف يُدخِله ناراً وله عذابٌ مُهين ، والعذاب المُهين هنا إشارة إلى أنّ المتجاوز لحريم الشريعة قد أطاح بكرامةِ نفسه وسقط حيث مستوى المَهانة الفظيعة .
أفَبعد هذا التأكيد على الأخذ بما أوصى الله بشأن المِيراث يتجرّأ ذو مُسْكَةٍ على التلاعب بنصّ الكتاب ، اللّهمّ إلاّ إذا فَقََدَ وعيه .
ثُمّ الذي يُفضَح مِن مُوضع هذه المَزعُومة ، أنّ لفظة الإيصاء بتصاريفها كلّها جاءت في القرآن بمعنى الإلزام والإيجاب 6 ، قال ابن منظور : وقوله عزّ وجلّ : ﴿ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ ... 3 معناه : يَفرضُ عليكم ؛ لأنّ الوصيّة مِن الله إنّما هي فَرضٌ ؛ والدليل على ذلك قوله تعالى : ﴿ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ ... 7 وهذا مِن الفَرضِ المُحكم علينا 8 .
وأمّا المَزعومة الأخيرة فهي بمكانِ الوَهن ، بعد أنْ كان الأصل في التشريع هي الأبديّة والشمول ، أخْذاً بِعموم الخطاب وشمول إطلاقه لجميع الأجيال والأحوال والأزمان ، وهي قاعدة أصوليّة مُطّردة ، وإلى ذلك ينظر قوله ( عليه السلام ) : ( حلال مُحمّدٍ حلال أبداً إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة ) 9 اللّهمّ إلاّ إذا ثبت بدليلٍ خاصّ أنّ الحكم الذي أصدره النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله) كان لمصلحةٍ استدعاها سياسة التدبير الحاضرة حينذاك ، فيبقى قَيد تلك الشرائط ولا يَعمّ ولا يستديم على الإطلاق ، وهذا بحاجة إلى دليل قاطع يُخرجه عن عموم الأصل المتقدّم ، على أنّ ذلك خاصّ بالأحكام الصادرة عن مقام السياسة النبويّة وتكون مِن سُنَنِه ، لا مِن فرائض الله الناصّ عليها في الكتاب .
فالذي جاء في القرآن من الفرائض والأحكام هي من الثابتات مع الأبد بإجماع الأُمّة وإطباق كلمات العلماء جميعاً ، فقد اتّفقت كلمتهم على أنّ ما جاء في القرآن من تشريع وفرائض وأحكام هي أبديّة مسجّلة على كاهل الدهر مع الأبد .
وعليه ، فمَن كان يَحمل في طيِّه العقيدة بأنّ القرآن كلام سماويّ نزل من عند اللّه وأنّ ما فيه هي أحكام وفرائض فَرضَها اللّه تعالى للبشريّة جَمعاء على طُول الدهر ، فلا مجال له أنْ يُحدِّث نفسه بما شاء ، وأمّا إذا لا يعتقد ذلك ويَرى أنّها أحكام صادرة مِن عقليّة بشريّة أرضيّة لفّقتها ـ والعياذ باللّه ـ ذهنيّة مُحمّد ( صلّى اللّه عليه وآله ) حسبَما رآه في وقتهِ ـ وإنْ كان نَسَبها إلى اللّه في ظاهرِ تعبيره كما يراه هؤلاء المُتحذلِقون ـ فليتحدّثوا بما شاءوا إلى مالا نهاية مِن هُراءات ، ولا كلام لنا معهم ونَذَرهم في طُغيانهم يَعمَهون 10 .