الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
هل الشيعة يفسرون القران بروايات ضعيفة؟
نص الشبهة:
قال بعض المخالفين للشيعة: أليست الشيعة تقول: إن معظم روايات الكافي ضعيفة؟! وليس لدينا صحيح إلا القرآن.
فكيف يدَّعون بعد هذا - كذباً وزوراً - أن التفسير الإلهي للقرآن موجود في كتاب معظم رواياته ضعيفة باعترافهم؟!
الجواب:
عن هذا الإشكال يتمّ بعدّة أمور:
1- أن الشيعة لم يدَّعوا أن تفسير القرآن موجود في كتاب الكافي، وكان اللازم على المخالف أن يذكر لدعواه مستنداً من كلام بعض علماء الشيعة، وأما إرسال التهمة هكذا من دون مستند صحيح فلا قيمة لها.
ومن المعلوم أن كتاب الكافي قُسِّم إلى قسمين: أصول الكافي، في بيان الأصول العقدية، وفروع الكافي، في بيان الأحكام الشرعية الفقهية، ولم يشتمل هذا الكتاب على أحاديث في تفسير القرآن إلا عرضاً، والكتب المشتملة على تلك الأحاديث تفاسير معروفة، مثل: كتاب البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني، وكتاب نور الثقلين للشيخ عبد علي الحويزي، وكتاب تفسير الصافي للفيض الكاشاني، مضافاً إلى تفسير القمي، وتفسير العياشي وغيرها.
2- أن الأحاديث المعتبرة المروية في كتاب الكافي أكثر من ستة آلاف حديث.
قال فخر الدين الطريحي قدس سره (ت 1085هـ): أما الكافي فجميع أحاديثه حُصرت في ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين (16199) حديثاً، الصحيح منها باصطلاح مَن تأخَّر خمسة آلاف واثنان وسبعون (5072)، (والحسن مائة وأربعة وأربعون حديثاً (144))، والموثَّق ألف ومائة وثمانية عشر حديثاً (1118)، والقوي منها اثنان وثلاثمائة (302)، والضعيف منها أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون (9485) حديثاً، والله أعلم1.
وقد ذكر ذلك أيضاً: الشيخ يوسف البحراني (ت 1186هـ) في لؤلؤة البحرين (ص 394) عن بعض مشايخه المتأخرين، والسيد بحر العلوم في رجاله 3 /331، وآغا بزرگ الطهراني في الذريعة إلى تصانيف الشيعة 17 /245، وغيرهم.
إذن فالأحاديث المعتبرة في كتاب الكافي تساوي 6636 حديثاً، وهي روايات كثيرة تنيف على مجموع روايات صحيحي البخاري ومسلم بعد حذف المكرَّر منهما، بل تنيف على كل الروايات الصحيحة المروية في كتب أهل السنة!!
قال ابن حجر العسقلاني: فأما ما يتعلّق بالأحكام خاصّة، فقد ذكر أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي في كتاب «التمييز» له عن الثوري، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان، وابن مهدي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، أن جملة الأحاديث المسندة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يعني الصحيحة بلا تكرير) أربعة آلاف وأربعمائة حديث، وعن إسحاق بن راهويه أنه سبعة آلاف ونيف. وقال أحمد بن حنبل: وسمعت ابن مهدي يقول: الحلال والحرام من ذلك ثمانمائة حديث. وكذا قال إسحاق بن راهويه عن سعيد عن يحيى بن سعيد2.
فإذا اشتمل صحيح البخاري ومسلم على تفسير القرآن فكيف يتعجّب هذا المخالف من اشتمال كتاب الكافي على التفسير مع أنه يحوي روايات صحيحة أكثر من روايات هذين الصحيحين؟! مع أن الشيعة عندهم كتب أخرى مشتملة على روايات تفسير القرآن كما مر آنفاً.
3- أن تفاسير أهل السنة المشهورة، كتفسير الطبري، والدر المنثور، وتفسير القرطبي وغيرها مملوءة بالأحاديث الضعيفة التي لا تصح سنداً، بل إن جملة وافرة منها مروية عن بعض اليهود، مثل كعب الأحبار، وعن بعض النصارى مثل وهب بن منبِّه، فكيف جاز لهم أن يرووا في تفسير القرآن روايات كهذه، مع أن روايات الشيعة لو سلّمنا جدلاً بأنها ضعيفة سنداً فهي لم ترو عن اليهود والنصارى، وإنما رويت عن أئمة أهل البيت.
مضافاً إلى أن بعض أئمة أهل السنة اعترف بأن كتب التفسير عندهم ليس لها أصول أي مروية بغير أسانيد.
قال الزركشي: قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ثلاث كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير.
وقال أيضاً: قال المحققون من أصحابه: ومراده أن الغالب أنها ليس لها أسانيد صحاح متصلة، وإلا فقد صحَّ من ذلك كثير3.
وقال السخاوي: وأما كتب التفسير فمن أشهرها كتابا الكلبي ومقاتل بن سليمان، وقد قال أحمد في تفسير الكلبي: من أوله إلى آخره كذب. قيل له: فيحل النظر فيه؟ قال: لا4.
4- أن الشيعة لا يدَّعون أن كل الروايات الموجودة في كتبهم الحديثية في تفسير القرآن هي تفسير إلهي، وإنما يقولون: إنها مروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، والشيعة كما رووا عنهم عليهم السلام روايات كثيرة في بيان العقيدة الصحيحة، وروايات أخر كثيرة أيضاً في بيان الأحكام الشرعية وغيرها، فإنهم رووا كذلك روايات كثيرة في تفسير القرآن، والشيعة لا يدّعون أن كل تلك الروايات صحيح قطعاً، وأنه تفسير إلهي، ولكن التفسير الصحيح لكثير من الآيات القرآنية موجود في ضمنها، وعلى الباحث أن ينقّح ما هو صحيح منها ومعتبر، فيأخذ به، وما هو ضعيف غير معتبر فيطرحه.
وأما غير الشيعة الإمامية فأخذوا عقيدتهم من رجال، وأخذوا فقههم من رجال آخرين، وأخذوا أحاديثهم من رجال آخرين، بخلاف الشيعة الذين تمسكوا في دينهم بأئمة أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم، والحمد لله على تمام هذه النعمة5.