مناجاة العارفين ( 12 )

الْمُنَاجَاةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَ مُنَاجَاةُ الْعَارِفِينَ ، لِيَوْمِ الثَّلَاثَاءِ :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِلَهِي قَصُرَتِ الْأَلْسُنُ عَنْ بُلُوغِ ثَنَائِكَ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِكَ ، وَ عَجَزَتِ الْعُقُولُ عَنْ إِدْرَاكِ كُنْهِ جَمَالِكَ ، وَ انْحَسَرَتِ الْأَبْصَارُ دُونَ النَّظَرِ إِلَى سُبُحَاتِ وَجْهِكَ ، وَ لَمْ تَجْعَلْ لِلْخَلْقِ طَرِيقاً إِلَى مَعْرِفَتِكَ إِلَّا بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِكَ .
إِلَهِي فَاجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ تَوَشَّحَتْ [ تَرَسَّخَتْ‏ ] أَشْجَارُ الشَّوْقِ إِلَيْكَ فِي حَدَائِقِ صُدُورِهِمْ ، وَ أَخَذَتْ لَوْعَةُ مَحَبَّتِكَ بِمَجَامِعِ قُلُوبِهِمْ ، فَهُمْ إِلَى أَوْكَارِ الْأَفْكَارِ يَأْوُونَ ، وَ فِي رِيَاضِ الْقُرْبِ وَ الْمُكَاشَفَةِ يَرْتَعُونَ ، وَ مِنْ حِيَاضِ الْمَحَبَّةِ بِكَأْسِ الْمُلَاطَفَةِ يَكْرَعُونَ ، وَ شَرَائِعِ الْمُصَافَاةِ يَرِدُونَ ، قَدْ كُشِفَ الْغِطَاءُ عَنْ أَبْصَارِهِمْ ، وَ انْجَلَتْ ظُلْمَةُ الرَّيْبِ عَنْ عَقَائِدِهِمْ مِنْ ضَمَائِرِهِمْ ، وَ انْتَفَتْ مُخَالَجَةُ الشَّكِّ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَ سَرَائِرِهِمْ ، وَ انْشَرَحَتْ بِتَحْقِيقِ‏ الْمَعْرِفَةِ صُدُورُهُمْ ، وَ عَلَتْ لِسَبْقِ السَّعَادَةِ فِي الزَّهَادَةِ هِمَمُهُمْ ، وَ عَذُبَ فِي مَعِينِ الْمُعَامَلَةِ شِرْبُهُمْ ، وَ طَابَ فِي مَجْلِسِ الْأُنْسِ سِرُّهُمْ ، وَ أَمِنَ فِي مَوْطِنِ الْمَخَافَةِ سِرْبُهُمْ ، وَ اطْمَأَنَّتْ بِالرُّجُوعِ إِلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ أَنْفُسُهُمْ ، وَ تَيَقَّنَتْ بِالْفَوْزِ وَ الْفَلَاحِ أَرْوَاحُهُمْ ، وَ قَرَّتْ بِالنَّظَرِ إِلَى مَحْبُوبِهِمْ أَعْيُنُهُمْ ، وَ اسْتَقَرَّ بِإِدْرَاكِ السُّؤْلِ وَ نَيْلِ الْمَأْمُولِ قَرَارُهُمْ ، وَ رَبِحَتْ فِي بَيْعِ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ تِجَارَتُهُمْ .
إِلَهِي مَا أَلَذَّ خَوَاطِرَ الْإِلْهَامِ بِذِكْرِكَ عَلَى الْقُلُوبِ ، وَ مَا أَحْلَى الْمَسِيرَ إِلَيْكَ بِالْأَوْهَامِ فِي مَسَالِكِ الْغُيُوبِ ، وَ مَا أَطْيَبَ طَعْمَ حُبِّكَ ، وَ مَا أَعْذَبَ شِرْبَ قُرْبِكَ ، فَأَعِذْنَا مِنْ طَرْدِكَ وَ إِبْعَادِكَ ، وَ اجْعَلْنَا مِنْ أَخَصِّ عَارِفِيكَ ، وَ أَصْلَحِ عِبَادِكَ ، وَ أَصْدَقِ طَائِعِيكَ ، وَ أَخْلَصِ عُبَّادِكَ ، يَا عَظِيمُ يَا جَلِيلُ ، يَا كَرِيمُ يَا مُنِيلُ ، بِرَحْمَتِكَ وَ مَنِّكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ " 1 .

  • 1. الصحيفة السجادية الكاملة : 323 ، طبعة مؤسسة الأعلمي ، بيروت / لبنان ، و بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 91 / 50 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .