حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
هل يؤجر المريض على ابتلائه بالمرض ؟
لقد ورد في الحديث المروي عن الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ فِي عِلَّةٍ اعْتَلَّهَا : " جَعَلَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ ، فَإِنَّ الْمَرَضَ لَا أَجْرَ فِيهِ وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ السَّيِّئَاتِ وَ يَحُتُّهَا حَتَّ الْأَوْرَاقِ ، وَ إِنَّمَا الْأَجْرُ فِي الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَ الْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ الْأَقْدَامِ ، وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَ السَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْجَنَّةَ "1.
و من حيث المبدأ فلو كنا نحن و هذا الحديث فقط لقلنا أن ابتلاء الإنسان بالأمراض لا يوجب له أجراً ، و لكن الله عَزَّ و جَلَّ يحط عن المريض سيئاته فقط من دون أن يعطيه أجراً على ابتلائه بالمرض ، ذلك لأن الأجر يكون في مقابل فعل صالح يصدر من الإنسان كالقول باللسان و العمل بالأيدي و الأقدام حسب ما جاء في الحديث .
تعليق السيد الشريف الرضي على كلام أمير المؤمنين
قال الرضي 2: و أقول صدق عليه السلام إن المرض لا أجر فيه ، لأنه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض ، لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك ، و الأجر و الثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد فبينهما فرق قد بيَّنه عليه السلام كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب 1.
لكنه يظهر بعد البحث و التدقيق أن كلام الامام علي عليه السلام منصرف إلى جانب من جوانب الابتلاء بالمرض و ليس كلاماً مطلقاً يشمل جميع الحالات .
تعليق القطب الراوندي على كلام الشريف الرضي
قال قطب الدين الراوندي 3 في شرحه على النهج : قول السيد إن المرض لا أجر له ليس ذلك على الإطلاق ، و ذلك لأن المريض إذا احتمل المشقة التي حملها الله عليه احتسابا كان له أجر الثواب على ذلك ، و العوض على المرض فعلى فعل العبد إذا كان مشروعا الثواب ، و على فعل الله إذا كان ألما على سبيل الاختيار العوض 4.
صفوة القول :
صحيح أن ظاهر كلام الامام أمير المؤمنين عليه السلام صريح في نفي الأجر عن المرض ، لكن هناك أحاديث أخرى تؤكد وجود الثواب و الأجر لمن يبتلى بالمرض ، غير أن حصول الأجر مشروط بالصبر و تحمل مشقة المرض و شدته ، لأننا مأمورون بالصبر في الشدائد ، فعَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كَانَ إِذَا نَزَلَ بِأَهْلِهِ شِدَّةٌ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ ، ثُمَّ قَرَأَ-﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ... ﴾ 5"6.
و عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام أنهُ قَالَ : " إِنَّ الصَّبْرَ وَ الْبَلَاءَ يَسْتَبِقَانِ إِلَى الْمُؤْمِنِ ، يَأْتِيهِ الْبَلَاءُ وَ هُوَ صَبُورٌ ، وَ إِنَّ الْجَزَعَ وَ الْبَلَاءَ يَسْتَبِقَانِ إِلَى الْكَافِرِ ، يَأْتِيهِ الْبَلَاءُ وَ هُوَ جَزُوعٌ "7.
و عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ 8 عليه السلام فَجَاءَهُ رَجُلٌ وَ شَكَا إِلَيْهِ مُصِيبَتَهُ ، فَقَالَ : " أَمَا إِنَّكَ إِنْ تَصْبِرْ تُؤْجَرْ ، وَ إِنْ لَمْ تَصْبِرْ يُمْضَى عَلَيْكَ قَدَرُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِي قَدَّرَ عَلَيْكَ وَ أَنْتَ مَذْمُومٌ "9.
و عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام : " يَا إِسْحَاقُ لَا تَعُدَّنَّ مُصِيبَةً أُعْطِيتَ عَلَيْهَا الصَّبْرَ وَ اسْتَوْجَبْتَ عَلَيْهَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الثَّوَابَ ، إِنَّمَا الْمُصِيبَةُ الَّتِي يُحْرَمُ صَاحِبُهَا أَجْرَهَا وَ ثَوَابَهَا إِذَا لَمْ يَصْبِرْ عِنْدَ نُزُولِهَا "10.
و عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : " الضَّرْبُ عَلَى الْفَخِذِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ يُحْبِطُ الْأَجْرَ ، وَ الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى أَعْظَمُ ، وَ عِظَمُ الْأَجْرِ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ ، وَ مَنِ اسْتَرْجَعَ بَعْدَ الْمُصِيبَةِ جَدَّدَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَهَا كَيَوْمَ أُصِيبَ بِهَا "11.
و رُوِيَ عَنِ الامام محمد بن علي الْبَاقِرِ عليه السلام أنه قَالَ : " سَهَرُ لَيْلَةٍ مِنْ مَرَضٍ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ "12.
و عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا 13 عليهما السلام قال : سَهَرُ لَيْلَةٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ أَفْضَلُ وَ أَعْظَمُ أَجْراً مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ "14.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أنهُ قَالَ : " حُمَّى لَيْلَةٍ تَعْدِلُ عِبَادَةَ سَنَةٍ ، وَ حُمَّى لَيْلَتَيْنِ تَعْدِلُ عِبَادَةَ سَنَتَيْنِ ، وَ حُمَّى ثَلَاثٍ تَعْدِلُ عِبَادَةَ سَبْعِينَ سَنَة "10.
فالصحيح هو الجمع بين الأحاديث ، فيكون معنى ما قاله الامام أمير المؤمنين عليه أن المريض الذي لا يتحمل شدة المرض و لا يصبر على البلاء لا يحصل على أجر ، أما من يصبر و و يتحمل المشقة و الحمى و الألم و لا يجزع و لا يشتكي فله أجر كبير ، مضافاً إلى أن سيئاته تُحط أيضاً ، و الله العالم.
- 1. a. b. نهج البلاغة : 476 ، طبعة صبحي الصالح .
- 2. هو أبو الحسن محمد بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف الرضي ، المتوفى سنة : 406 هجرية .
- 3. هو سعيد بن هبة الله قطب الدين الراوندي، المتوفى سنة: 573 .
- 4. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 69 / 20 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
- 5. القران الكريم: سورة طه (20)، الآية: 132، الصفحة: 321.
- 6. مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة و الأولاد : 50 ، للشيخ زين الدين بن علي الجبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني ، المتوفى سنة : 966 هجرية ، طبعة مكتبة بصيرتي ، قم / إيران .
- 7. مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة و الأولاد : 51 .
- 8. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (عليه السَّلام) ، سادس أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .
- 9. مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة و الأولاد : 52 .
- 10. a. b. المصدر السابق .
- 11. مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة و الأولاد : 48 .
- 12. مكارم الأخلاق : 358 ، لرضي الدين حسن بن فضل الطبرسي ، من علماء القرن السادس الهجري ، طبعة : إنتشارات شريف ، قم / إيران ، 1412 هجرية .
- 13. أي أحد الإمامين: محمد بن علي الباقر عليه السلام، أو جعفر بن محمد الصادق عليه السلام .
- 14. مكارم الأخلاق : 358 .