هذه المقولة ليست مقولة جديدة، بل هي فكرة قديمة تبنتها جماعة من أصحاب النبي ( صلى الله عليه و آله ) قُبيل وفاته، ثم طبقوا هذه الفكرة و عملوا بها زمناً طويلاً بعد موته ( صلى الله عليه و آله )، ثم تكرر طرحها بواسطة جهات و جماعات مختلفة، بنوايا و أهداف متفاوتة. أهل القرآن، أو القرآنيون الجُدد تجددت الدعوة إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم و الاستغناء عن السنة النبوية الشريفة ـ بل إنكارها و نبذها ـ في العصر الحاضر من قِبل بعض الجماعات في مصر و الهند و بعض البلاد الأخرى، فكتبوا المقالات و الكتب، و أصدروا المجلات و نشروا المنشورات، و فتحوا مواقع على شبكة الانترنيت لترويج هذه الفكرة الفاسدة. و المُسلم المتعلم البصير لا بُدَّ و أن يشك في نوايا هذه الجماعات و أهدافها، و من حقه أن يُبدي حساسية عالية تجاه هذه التحركات.
ليس لازم كون الإمامة ركناً من أركان الإسلام أن تكون كل تفاصيله موجودة في القرآن الكريم بصورة صريحة حتى يتم قبوله ، و إلا فيكون لنا الحق في رده ! ألا ترى أن الصلاة التي هي عمود الدين و ركن من أركان الإسلام ، و كذلك الحج و الزكاة و هما أيضاً من أركان الإسلام ـ بنص الأحاديث النبوية الشريفة ـ لا تجد في القرآن الكريم بياناً لتفاصيلها.
يُعتبر حديث الغدير من الأحاديث التاريخية الهامة و المصيرية التي أدلى بها رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) في السنة الأخيرة من حياته المباركة ، و هي من الأحاديث التي تثبت إمامة الإمام امير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) و توجب ولايته على جميع المؤمنين بعد ولاية الله تعالى و ولاية رسوله المصطفى ( صلَّى الله عليه و آله ) بكل صراحة و وضوح .
حديث المَنْزِلَة هو قول رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) لعلي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " و قد أدلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحديث المذكور في المناسبات التالية :
1. يوم المؤاخاة 1 .
2. يوم بدر .
3. يوم فتح خيبر .
لمعرفة معنى الحديث المذكور و فهم أمثاله من الأحاديث و معرفة كيفية التعامل مع هذا النوع من الأحاديث بصورة عامة ، لا بد و أن يأخذ الباحث نقاطاً عديدة بعين الاعتبار حتى يتسنى له التوصل إلى المعنى الصحيح أو الأقرب إلى الصحيح . أما النقاط المقترحة بصورة عامة بالنسبة إلى الأحاديث الغريبة ، و بالنسبة إلى الحديث الذي نحن بصدده بصورة خاصة فهي :
إن جوامع الحديث لدى الشيعة ليست قليلة و هي تحوي عشرات الآلاف من الأحاديث ، و فيما يلي نشير إلى بعضها كالتالي : 1. الكافي للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) المتوفى سنة : 328 هجرية ، و هذا الكتاب رتَّبه مؤلفه في 34 كتاباً و 326 باباً ، أما عدد أحاديثه فهو 16199 حديثاً ، و قد قسَّم المؤلف الكتاب إلى ثلاثة أقسام أصول و فروع و روضة ، فجمع في قسم الأصول الأحاديث الاعتقادية ، و جمع في قسم الفروع الأحاديث الفقهية ، و جمع في قسم الروضة الأحاديث الأخلاقية و ماشابه ذلك ، و لقد أمضى المؤلف في جمع هذه الأحاديث عشرين عاما من عمره .
الكتب الأربعة هي موسوعات حديثية قيِّمة تتمتع بمكانة رفيعة في الأوساط العلمية الإسلامية بصورة عامة و في الأوساط الإسلامية الشيعية بصورة خاصة ، و تُعتبر من أهم المصادر الحديثية لديها ، و هي :
1. الكافي : و هو ما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكُليني الرازي ، المعروف بـ " ثقة الإسلام الكُليني " ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، و هو من أبرز الفقهاء المُحدِّثين الإماميين و عَلَمٌ من أعلامها .
و كتاب الكافي يحتوي على 16000 حديث في العقيدة و الشريعة الإسلامية ، و هذا العدد يفوق عدد ما جاء من الأحاديث في الصحاح الستة جميعها .
الأصول الأربعمائة هي أربعمائة كتاب حديثي دوّنها أربعمائة من مشاهير علماء القرن الثاني و كبار مُحدِّثي ذلك العصر من أصحاب الإمامين جعفر بن محمد الصادق و موسى بن جعفر الكاظم ( عليهما السَّلام ) 1 .
لو راجعنا الأحاديث المروية عن النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) و الأئمة المعصومين ( عليهم السَّلام ) لوجدنا أن مقياس الأفضلية بين الأعمال يختلف باختلاف الموارد و الأفراد و الأزمان و الأماكن و ما اليها من الأمور المؤثرة في جعل ذلك العمل أفضلاً من غيره من الأعمال ، فلربما كان العمل الأفضل بالنسبة لشخص ما هو طلب العلم في زمان او مكان خاص ، و لآخر الجهاد في سبيل الله ، و لآخر العبادة ، و لغيره صلة الرحم و هكذا ، و قد يتغيَّر تكليف هؤلاء حسب تغيير ظروفهم و احتياجاتهم ، و هذا الأمر مما يمكن الوصول اليه من خلال دراسة الروايات التي تُشير إلى أفضلية بعض الأعمال و التي قد يتصور البعض أن فيها شيئاً من التناقض ، و الواقع أنه لا تناقض بين هذه الروايات و الأحاديث ، و سبب اختلاف هذه الروايات في بيان الأفضل انما يعود لظروف السائل و حاجته ، أو لأولويات أخرى شخَّصها المعصوم ( عليه السَّلام ) و أراد معالجتها .
يُعتبر الحديث الشريف عند الشيعة الإمامية المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم ، لذا فإنها تُوليه إهتماماً كبيراً و تهتمّ به إهتماماً عظيماً .
و الحديث عند الشيعة هو قول المعصوم ( عليه السَّلام ) و فعله و تقريره ، فما لا ينتهي إلى المعصوم ( عليه السَّلام ) ليس حديثاً عندهم ، خلافاً لغيرهم إذ اكتفوا في الحديث بانتهائه إلى أحد الصحابة و التابعين ، و للتمييز بين القسمين ربما يسمّون ما ينتهي إلى الصحابة و التابعين بالأثر .
حديث الكساء حديث صحيح متواتر مشهور تناقلته المصادر الاسلامية المعتبرة لدى الفريقين ككتب التفسير و الحديث و التاريخ . و لا يكاد أحد يشك في صدور هذا الحديث من الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) بحق أهل بيته الطاهرين ( عليهم السَّلام ) .
لا شك في أن الكتب الأربعة 1 تحظى بمكانة عالية و درجة رفيعة لدى علماء و فقهاء الشيعة الإمامية ، لكن رغم هذه المكانة العالية و رغم إعتماد علماء الشيعة على هذه الكتب الحديثية في استنباطاتهم و دراساتهم الفقهية و الكلامية و غيرها من الأبحاث ، فانهم لا يتعاملون مع هذه الكتب أو غيرها من الكتب ككتب صحاح يصح الاعتماد على كل ما ورد فيها بالجملة من دون تمحيص . و موقفهم هذا تجاه هذه الكتب ليس لكون هذه الكتب غير معتبرة أو مخدوشة ، بل لأن الشيعة الامامية تلتزم بإخضاع كافة الروايات و الأحاديث و جميع الرُّوات و المحدثين من دون استثناء للتمحيص و التدقيق حتى تتعرّف على حال الرواية من حيث المتن و السند ، و حتى تتمكن من معرفة حال رواتها من حيث الوثاقة و اللاوثاقة 2 فتميِّز الصالحين منهم عن الطالحين و المؤمنين عن المنافقين ، كل ذلك لكي يتسنى الأخذ من الصالحين و المؤمنين الموثوقين دون غيرهم .
حديث الكساء حديث متواتر تناقلته كتب الحديث و التفسير و التاريخ و غيرها من الكتب ، و المصادر السُنية التي دونّت حديث الكساء 1 . (صحيح مسلم : 4 / 1883 ، حديث : 2424 ، طبعة : بيروت / لبنان) .
يتمتع كتاب الكافي الذي هو أحد الكتب الحديثية الأربعة المعروفة بمكانة عالية لدى العلماء و الفقهاء و الحوزات و الأوساط العلمية الشيعية ، و يُعدُّ من أهم المصادر الحديثية المعتمدة لديها ، و السبب في ذلك يعود لأمور نذكر أهمها :
1. إن كتاب الكافي موسوعة حديثية شاملة لجميع الأبواب و العلوم الإسلامية التي رُويت عن المعصومين ( عليهم السَّلام ) ، و كتاب الكافي مُقَسَّم إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي : أصول الكافي ، فروع الكافي ، روضة الكافي ، و تحتوي هذه الأقسام على ستة عشر ألف حديث 2 في العقيدة و الشريعة الإسلامية ، و هذا العدد يفوق ما جاء من الأحاديث في الصحاح الستة جميعها .
2. إن مؤلف هذا الكتاب هو الحافظ الكبير و المحدِّث الجليل الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي البغدادي ، و الملقَّب بثقة الإسلام ، المولود سنة : 260 هجرية ، و المتوفى سنة : 329 هجرية ، و هو من أبرز الفقهاء المُحدِّثين الشيعة و عَلَمٌ من أعلامها .
تهتم الشيعة بالحديث الشريف الذي يمثّل السنة الشريفة كل اهتمام باعتباره المصدر الثاني للتشريع الإسلامي على كافة الأصعدة بعد القرآن الكريم . أما الحديث عند الشيعة فهو : كلامٌ يحكي قول المعصوم ( عليه السَّلام ) أو فعله أو تقريره ، و بهذا الاعتبار ينقسم إلى الصحيح و مقابله ، و بهذا عُلم أن مالا ينتهي إلى المعصوم ( عليه السَّلام ) ليس حديثاً ، و أما العامة فاكتفوا فيه بالانتهاء إلى أحد الصحابة و التابعين ، و لأجل التمييز بين القسمين ربما يسمّون ما ينتهي إلى الصحابة و التابعين بالأثر 1 . ثم إن الشيعة تعتبر علم الحديث من أشرف العلوم و أكثرها نفعاً ، لذا فان علماء الشيعة قد بذلوا قصارى جهدهم من أجل تدوين علوم الحديث ، فألّفوا في غريب الحديث و غرائبه ، كما ألّفوا في علم رجال الحديث المتكفل بتمييز الثقاة من الرواة عن غيرهم ، كما و ألّفوا في علم الدراية الذي يبحث عن العوارض الطارئة على الحديث من ناحية السند و المتن و كيفية تحمّله 2 و آداب نقله و أدائه 3 .
هناك تصريحات كثيرة لعلماء السنة بالنسبة إلى حديث الغدير تؤيد تواتر حديث الغدير ، كما تؤيد سنده و صحته و دلالته الواضحة على إمامةأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، و خلافته المباشرة لرسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) . يقول أبو الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي في حديث الغدير : "تواتر عن أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) ، و هو ـ أي حديث الغدير ـ متواتر أيضا عن النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) ، رواه الجم الغفير ، و لا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا إطلاع له في هذا العلم ، فقد ورد مرفوعاً عن أبي بكر الصديق ، و عمر بن الخطاب ، و طلحة بن عبيد الله ، و الزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، والعباس بن عبد المطلب ، وزيد بن أرقم ، و براء بن عازب ، و بريدة بن الحصيب ، و أبي هريرة ، و أبي سعيد الخدري ، و جابر بن عبد الله ، و عبد الله بن عباس ، و حبشي بن جنادة ، و سمرة بن جندب ، و أنس بن مالك ، و زيد بن ثابت" 1 .
إن كتاب نهج البلاغة هو مجموع ما اختاره السيد الشريف الرضي 1 ( قدَّس الله نفسه الزَّكية ) و انتخبه من كلام الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) في الخطب و المواعظ و الحِكَم و غيرها . من هو أول من جَمع خُطب الإمام ؟ لم يكن السيد الشريف الرضي هو أول من جمع بعض خطب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) بل ان هناك آخرين ممن تقدموا عليه بعشرات السنين سبقوه إلى ذلك و بادروا إلى جمع كلامه ( عليه السَّلام ) ، ثم توالى تدوين كلام الإمام ( عليه السَّلام ) و خطبه حتى جاء دور الشريف الرضي ( رحمه الله ) في النصف الأخير من القرن الرابع الهجري ، فجمع ( رحمه الله ) ما اختاره من كلام الإمام ( عليه السَّلام ) و لم يجمع جميع كلامه ( عليه السَّلام ) . ثم إن السيد الرضي لم يذكر من كل خطبة إلا القليل المختار منها و لم يذكرها بالكامل .
نظراً لأهمية كتاب الكافي و الذي هو بحق موسوعة حديثية متكاملة ، فقد كتب العديد من كبار العلماء شروحاً لها ، نذكر منها :
1. جامع الأحاديث و الأقوال : للشيخ قاسم بن محمد بن جواد بن الوندي المتوفى بعد سنة : 1100 هجرية .
2. الدر المنظوم من كلام المعصوم : للشيخ علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين المعروف بالشهيد الثاني ، المتوفى سنة : 1104 هجرية .
3. شرح الملا صدرا الشيرازي ، المتوفى سنة : 1050 هجرية .
4. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول : للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود باصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية .