مجموع الأصوات: 24
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 2578

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

أدلة ثبوت الحسن والقبح العقليّين

الدليل الأوّل

يحكم كلّ عاقل ـ على نحو البداهة ـ بحسن بعض الأفعال ذاتاً ولزوم العمل بها ، وقبح البعض الآخر من الأفعال ذاتاً ولزوم الانتهاء عنها .

وإذا بلغ الأمر إلى الضرورة بطل الاستدلال ، ومن طلب الدليل بعد البداهة وقع في الإجحاف، ومن كابر في ذلك فقد كابر مقتضى عقله 1.

مثال : إنّا نعلم بالضرورة من خيّر شخصاً بين العدل والظلم ، ولم يكن لهذا الشخص علم بموقف الشرائع ، فإنّه سيختار العدل قطعاً، وما ذاك إلاّ لأنّ حسن العدل وقبح الظلم ذاتي وضروري عقلا .

الدليل الثاني

لو كان الحسن والقبح شرعيين لما حكم بهما من ينكر الشرائع ، ولكننا نرى غير الملتزمين بالدين ـ على اختلاف فصائلهم ـ :

يصفون بعض الأفعال بالحسن، ويجدون أنفسهم ملزمين بفعلها . ويصفون بعض الأفعال الأخرى بالقبح، ويعتقدون بأ نّهم ملزمون بتركها . ويسند هؤلاء تحسينهم وتقبيحهم إلى "العقل" من غير أن يكون "للحكم الشرعي" أي أثر في هذا التحسين والتقبيح والالتزام بالفعل والترك 2.

مثال : يحسّن هؤلاء العدل وأداء الأمانة والصدق النافع والوفاء بالعهد وجزاء الإحسان بالإحسان ونحوها، ويرون ضرورة الالتزام بهذه الأفعال . ويقبّح هؤلاء الظلم والخيانة والكذب الضار ونقض العهد وجزاء الإحسان بالإساءة ونحوها، ويرون ضرورة الابتعاد عن هذه الأفعال .

الدليل الثالث

إنّ الاعتقاد بالتحسين والتقبيح العقلي هو السبيل لإثبات صحة التحسين والتقبيح الشرعي، ولا يمكن إثبات الحسن والقبح مطلقاً من دون الاعتقاد بالحسن والقبح العقلي .

توضيح ذلك : إنَّ إنكار تحسين وتقبيح العقل يلزم إنكار تحسين العقل للصدق وتقبيحه للكذب ، فيؤدّي ذلك إلى فقدان الثقة بتحسين وتقبيح الشرع ، وذلك لاحتمال كون الشارع كاذباً في إخباره ، فينتفي الوثوق بالشرع ، وتكون النتيجة عدم الاطمئنان بصحة تحسين وتقبيح الشرع .

وبعبارة أُخرى : إنّ استقلال العقل في تحسينه للصدق وتقبيحه للكذب هو الذي يدفع الإنسان إلى الوثوق بقول الشرع ، ولولا ذلك يبقى احتمال عدم صدق الشرع في قوله وإخباره ، فينتفي الجزم بصدقه .

توضيح ذلك : إنّ الكذب ـ حسب قول منكري الحسن والقبح العقلي ـ لا يقبح إلاّ إذا قبّحه الشرع ، فلا يعلم قبح الكذب قبل تقبيح الشرع له ، فلهذا لا يكون للإنسان قبل إيمانه بالشرع دليل على تنزيه الشرع عن الكذب ، فينتفي الجزم بصدق الشرع مطلقاً .

الخلاصة :

إنّ الجزم بعدم كذب الشارع رهن حكم العقل ، وهذا ما يثبت الحسن والقبح العقلي 3.

ولهذا قال العلاّمة الحلّي: "إنّا لو لم نعلم حسن بعض الأشياء وقبحها عقلا ، لم نحكم بقبح الكذب ، فجاز [ أي: فيؤدّي ذلك إلى جواز ] وقوعه من اللّه ... فإذا أخبرنا [ تعالى ] في شيء أ نّه قبيح لم نجزم بقبحه ، وإذا أخبرنا في شيء أ نّه حسن لم نجزم بحسنه لتجويز الكذب [ فينعدم السبيل لمعرفة ما حسّنه اللّه تعالى وما قبّحه ]"4.

الدليل الرابع

إنّ "المعجزة" هي الوسيلة التي بها يثق الناس بصدق دعوة الأنبياء . ولا يكون هذا الوثوق إلاّ بعد الاعتقاد بالحسن والقبح العقلي المتمثّل في القاعدة التالية وهي: إنّ إعطاء اللّه المعجزة للكاذب في دعوة النبوّة قبيح ذاتاً .

ومن هنا نثق بصدق مدّعي النبوّة فيما لو جاء بالمعجزة ، لأ نّنا نؤمن بأنّ "إعطاء اللّه تعالى هذه المعجزة للكاذب في دعوة النبوّة" قبيح ذاتاً، واللّه تعالى لا يفعل القبيح . وإنّما "الحسن" إعطاء المعجزة للصادق في دعوة النبوّة .

ولكن إذا أنكر الإنسان الحسن والقبح الذاتي، فإنّه لا يصل أبداً إلى مرحلة اليقين بصدق من يدّعي النبوّة ويقدّم المعجزة لإثبات مدعاه، لأ نّه يبقى دائماً في حالة شكّ بأنّ هذا الذي يمتلك المعجزة قد يكون كاذباً في دعوته للنبوّة ، وإنّما أعطاه اللّه المعجزة عبثاً ، لأ نّه تعالى يفعل ما يشاء !

فتنسد بذلك أبواب معرفة النبي الصادق وتمييزه عن الكاذب 5.

بعبارة أخرى : لو كان "الحسن" ما حسّنه الشرع ، و"القبيح" ما قبّحه الشرع، لما قبح من اللّه تعالى أي شيء ، حتّى لو كان ذلك إظهاره المعجزات على أيدي الكاذبين . فينتفي بذلك إمكانية تصديق دعوى الأنبياء . وهذه النتيجة باطلة . لأ نّها تؤدّي إلى:

1 ـ غلق باب معرفة الأنبياء الصادقين .

2 ـ منح الكفّار العذر في إنكارهم لنبوّة الأنبياء .

ولهذا لا يوجد سبيل سوى الاعتقاد بالحسن والقبح العقلي .

الدليل الخامس

لو لم يكن الحسن والقبح عقليين لم يكن للأنبياء أي دليل لإثبات لزوم توجّه الناس إلى البحث والنظر ، ووجوب تعرّف الخلق على اللّه تعالى، وضرورة اتّباع الناس لهم .

توضيح ذلك : إذا طلب النبي من أحد الأشخاص البحث والتعرّف على اللّه واتّباع سبيله .

فسيقول هذا الشخص للنبي: لماذا أبحث ولماذا أُتعب نفسي من أجل التعرّف على اللّه ، وما هو الدليل الذي يلزمني اتّباع سبيلك ؟

فإذا كان دليل ذلك هو أنّ البحث وطلب المعرفة واتّباع الرسل أُمور يحكم بها العقل لأ نّها أُمور حسنة ، وينهى عن تركها لأنّ تركها قبيح ، فأنا لا أعتقد بالحسن والقبح العقلي .

وإذا كان دليل ذلك هو الشرع ، فأنا لا أثق بالشرع، لأ نّه من قولك ، وقولك لم يثبت عندي أ نّه حجّة ، لأ نّني لم أُؤمن بك لحدّ الآن، فلا يجب عليّ اتّباعك .

وبذلك لا تتمّ الحجّة على هذا الشخص ، فيلزم الاعتقاد بوجوب الحسن والقبح العقلي .

النتيجة :

إنّ وجوب التوجّه إلى البحث والنظر ، ووجوب التعرّف على اللّه تعالى ، ووجوب اتّباع النبي أُمور "عقلية" لا "شرعية"6.

الدليل السادس

لو كان الحسن ما حسّنه اللّه تعالى . ولو كان القبيح ما قبّحه اللّه تعالى . لم يكن فرق بين : العدل والظلم .

فيجوز ـ في هذه الحالة ـ أن يظلم اللّه تعالى العباد . لأنّ الظلم غير قبيح ذاتاً ، بل: يكون الظلم حسناً فيما لو أمر اللّه تعالى به . ويكون الظلم قبيحاً فيما لو نهى اللّه تعالى عنه .

وهذا باطل بالضرورة 7.

بعبارة أُخرى : لو كان الحسن ما حسّنه اللّه تعالى فقط . ولو كان القبيح ما قبّحه اللّه تعالى فقط . لم يقبح من اللّه شيء .

وتكون النتيجة :

إنّ كلّ ما يفعله اللّه تعالى حسن ولو كان ذلك ظلماً . ولكن اللّه تعالى منزّه من الظلم .

الدليل السابع

لو كان الحُسن والقبح مستنداً إلى الشرع فقط ، لم يكن فرق بين : ما عُلم قبحه من الشرع . وما عُلم قبحه من العقل .

ولكننا نجد : إنّ الشخص الذي يشكّ بالشرع فهو بالطبع : يشكّ في قبح ما علم قبحه من الشرع كقبح أكل لحم الميتة .

ولا يشكّ في قبح ما علم قبحه من العقل كقبح الظلم والخيانة 8 9.

  • 1. انظر: الياقوت في علم الكلام ، أبو اسحاق إبراهيم بن نوبخت: القول في العدل ، ص45. المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي: النظر الثاني ، البحث الثاني ، ص 86. قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة ، الركن الأوّل ، البحث الثاني، ص104. كشف المراد ، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث ، الفصل الثالث ، المسألة الأُولى ، ص418. نهج الحقّ ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، ص83. مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس ، مسألة (195) ، ص230. النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل ، ص65. إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري: مباحث العدل ، مسألة الحسن والقبح ، ص255.
  • 2. انظر: المصادر المذكورة في الهامش السابق.
  • 3. انظر: المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الثاني ، البحث الثاني ، ص86 ـ 87. كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث ، الفصل الثالث، المسألة الأُولى ، ص418. مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس ، المبحث الأوّل ، ص231. النافع يوم الحشر ، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل ، ص65. إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري: مباحث العدل ، مسألة الحسن والقبح ، ص256.
  • 4. كشف المراد ، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث ، الفصل الثالث ، المسألة الأُولى ، ص418.
  • 5. انظر: غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج2، باب الكلام في العدل ، ص71 ـ 72. كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث ، الفصل الأوّل ، ص248. نهج الحقّ ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر ، المطلب الثاني، ص84. إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري: مباحث العدل ، مسألة الحسن والقبح ، ص256.
  • 6. انظر: كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث ، الفصل الأوّل ، ص249. نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة ، المبحث الحادي عشر ، المطلب الثاني ، ص84. الرسالة السعدية ، العلاّمة الحلّي: القسم الأوّل ، المسألة السادسة، البحث الأوّل ، ص55.
  • 7. انظر: كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل ، ص249. نهج الحقّ ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر ، المطلب الثاني ، ص84.
  • 8. انظر: الياقوت في علم الكلام ، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت: القول في العدل ، ص45. إشراق اللاهوت ، عميد الدين العبيدلي: المقصد السابع، المسألة الأُولى ، ص 307.
  • 9. المصدر: كتاب العـدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لـشيخ علاء الحسّون.