حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
إطلاقات الحسن والقبح
الإطلاق الأوّل :
إطلاق "الحسن" على ما هو "كمال" ، وإطلاق "القبيح" على ما هو "نقص"1 2.
مثال :
إنّ العلم والشجاعة والكرم من الأُمور الحسنة ، لأ نّها كمال لمن يتّصف بها .
وإنّ الجهل والجبن والبخل من الأُمور القبيحة ، لأ نّها نقصان لمن يتّصف بها .
ملاحظة :
ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية 3 والأشاعرة.
ولا إشكال في أنّ العقل يدرك هذا النمط من الحسن والقبح ، لأنّ هذا الإطلاق من القضايا اليقينية التي لها واقع خارجي يطابقها ، ولا يتعلّق هذا الحسن والقبح بالشرع .
تنبيه :
لا يوجد خلاف بين العدلية والأشاعرة في إطلاق الحسن والقبح ـ في بعض الأحيان ـ على ما هو كمال أو نقص ، ولكن الخلاف يكمن في أ نّنا :
عندما نقول: تحصيل الكمال حسن ، فإنّ هذا "الحُسن" هل يعرف عن طريق العقل أو عن طريق الشرع ؟
وعندما نقول الرجوع إلى النقصان قبيح ، فإنّ هذا "القُبح" هل يُعرف عن طريق العقل أو عن طريق الشرع 4؟
وسنبيّن توضيح ذلك لاحقاً .
الإطلاق الثاني :
إطلاق "الحسن" على ما يلائم "الطبع" ، وإطلاق "القبيح" على ما "ينافر الطبع" .
ويرجع هذا المعنى من الحسن والقُبح ـ في الواقع ـ إلى معنى اللذة والألم 5.
مثال :
يقال: هذا المنظر حسن ، وهذا الصوت حسن ، لأ نّهما يلائمان الطبع .
ويقال: ذلك المنظر قبيح ، وذلك الصوت قبيح ، لأنّهما ينافران الطبع .
ملاحظة :
ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية والأشاعرة ، لأنّ هذا الإطلاق نابع من أعماق شعور النفس البشرية ، كما أنّ طبائع الناس مختلفة فيما بينها ، وليس في هذا الصعيد ميزان مشخّص لتوحيد الطبائع البشرية .
تنبيه :
قيل: "إنّ الملائمة والمنافرة جهتان تقتضيان الحبّ والبغض والرضا والسخط ، لا الحسن والقبح العقليان ، فلا معنى لعدّهما من معاني الحسن والقبح"6.
الإطلاق الثالث :
إطلاق "الحسن" على ما "يوافق الغرض والمصلحة" ، وإطلاق "القبيح" على "ما يخالف الغرض والمصلحة"7.
ويعبّر عن هذا الحسن والقبح بالمصلحة والمفسدة ، فيقال: الحسن ما فيه مصلحة، والقبيح ما فيه مفسدة .
مثال :
إنّ قتل العدو حسن ، لأ نّه موافق لغرض ومصلحة تعود للقاتل ، ولكن قتل هذا الشخص قبيح للمقتول وأهله لمخالفته لغرضهم ومصلحتهم .
ملاحظة :
ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية والأشاعرة، لأنّ هذا الحسن والقبح بإجماع الطرفين أمر يدركه العقل ، كما أنّ الأغراض والمصالح الشخصية لا تصحّح توصيف الفعل بالحسن والقبح دائماً ، وذلك لاختلافها ، فربّ فعل كالقتل حسن عند فرد أو جماعة ، ولكنه قبيح عند الآخرين .
تنبيه :
لا يوجد خلاف بين العدلية والأشاعرة في إطلاق الحسن والقبح ـ أحياناً ـ على ما فيه الصلاح أو الفساد ، ولكن الخلاف يكمن في أنّ العقل هل يتمكّن بنفسه ومن دون الاستعانة بالشرع من معرفة صلاح أو فساد بعض الأفعال ، أم أ نّه غير متمكّن من ذلك أبداً ، ولابدّ من الرجوع في هذه القضية إلى الشرع فقط ؟
الإطلاق الرابع :
إطلاق الحسن في أفعال العباد على ما تعلّق به مدح الشارع .
وإطلاق القبيح في هذه الأفعال على ما تعلّق به ذم الشارع .
وذلك في الموارد التي لا يستطيع العقل فيها الحكم بالحسن والقبح .
وهذا ما يسمّى بالحسن والقبح الشرعي .
مثال :
حسن الصلاة والصوم، وقبح أكل لحم الميتة والربا وفق بيان الشارع .
ملاحظة :
ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية والأشاعرة ، وذلك لعدم وجود شكّ بأنّ العقل البشري غير قادر في هذه الموارد على معرفة الحسن والقبح ، وأنّ السبيل إلى هذه المعرفة هو الشرع فقط 8.
الإطلاق الخامس :
إطلاق الحسن على ما يستحق فاعله "المدح" عقلا .
وإطلاق القبيح على ما يستحق فاعله "الذم" عقلا .
تنبيهات :
1 ـ إنّ الفعل الحسن بالذات هو الفعل الذي يستحق فاعله المدح عقلا ، سواء كان هذا الفاعل هو اللّه تعالى أو العبد .
2 ـ إنّ الفعل القبيح بالذات هو الفعل الذي يستحق فاعله الذم عقلا ، فلهذا ينبغي تنزيه اللّه تعالى عن هذا الفعل .
3 ـ إنّ تطبيق هذا الإطلاق على أفعال اللّه تعالى ليس من باب سراية حكم الإنسان على الباري عزّ وجلّ ، بل هو من قبيل استكشاف قاعدة عامة ضرورية وبديهية تشمل كلّ فاعل مختار من غير فرق بين الخالق والمخلوق .
4 ـ إنّ هذا الإطلاق للحسن والقبح هو الذي وقع الخلاف فيه بين العدلية والأشاعرة ، وسنبيّن تفصيل ذلك في المبحث القادم 9.
- 1. انظر: كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث ، الفصل الأوّل ، ص245، 247 .قواعد المرام ، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة ، الركن الأوّل ، البحث الأوّل ، ص104 .النافع يوم الحشر ، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل ، ص64 .إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري: مباحث العدل ، مسألة الحسن والقبح ، ص254 .كتاب المواقف، عضد الدين الإيجي: ج3 ، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 5 ، ص269 .
- 2. "كمال الشيء: حصول ما فيه الغرض منه" والنقص ما يقابله .انظر: مفردات ألفاظ القرآن ، الراغب الأصفهاني: مادة(كمل).
- 3. العدلية لقب يطلق على الشيعة والمعتزلة، لأنّهم يقولون بالعدل الإلهي .
- 4. انظر: صراط الحقّ ، محمّد آصف المحسني: ج2 ، المقصد الخامس ، ص153 .
- 5. انظر: مصادر الإطلاق السابق .
- 6. دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج1، المسألة 3، المبحث 11، المطلب 2، مناقشة المظفر، ص376.
- 7. انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني ، البحث الثاني ، ص85. الالهيات ، محاضرات: جعفر السبحاني ، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: 1 / 233 ـ 234. المواقف ، عضد الدين الإيجي: ج3 ، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 5 ، ص269.
- 8. انظر: تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل ، مسألة في الحسن والقبح ، ص98.
- 9. المصدر: كتاب العـدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لـشيخ علاء الحسّون.