حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
إثبات الحسن والقبح العقليّين في القرآن الكريم
توجد آيات قرآنية تدل بظاهرها على أنّ العقل البشري قادر بذاته على إدراك حسن وقبح بعض الأفعال ، ومن هذه الآيات :
1 ـ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ 1
وجه الدلالة :
تبيّن هذه الآية بأنّ الكفار كانوا يفعلون القبائح مع اعترافهم بقبحها ، ولكنهم يعتذرون عن ذلك بأنّ اللّه تعالى أمرهم بها، فأبطل اللّه تعالى مقالتهم، وبيّن في هذه الآية بأ نّه تعالى لا يأمر بالفحشاء .
تنبيه :
إنّ ظاهر قوله تعالى: هو أنّ اللّه تعالى ينهى عن الفحشاء ، لأنّ الفحشاء قبيحة في نفسها ، لا أنّ الفحشاء تكون قبيحة بعد نهي اللّه تعالى عنها 2.
2 ـ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ... ﴾ 3
وجه الدلالة :
تبيّن هذه الآية بأنّ الشريعة تحرّم ما يكون قبيحاً في نفسه .
والفاحشة: "هي الفعلة أو الخصلة التي فحش قبحها في الفطر السليمة والعقول الراجحة التي تميّز بين الحسن والقبيح والضار والنافع"4.
تنبيه :
لو كان القبيح ما نهى عنه الشارع فقط ـ كما ذهبت إليه الأشاعرة ـ :
فسيكون معنى قوله تعالى ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ... ﴾ 3: "قل إنّما حرّم ربي ما حرّم" !
وهذا المعنى بعيد عن الفصاحة والبلاغة .
3 ـ﴿ ... أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ... ﴾ 5
وجه الدلالة :
إنّ هذه الآية تشبه الآية السابقة في وجه الدلالة .
أي: لو كان القسط عبارة عما أمر به الشارع فقط ـ كما ذهبت إليه الأشاعرة ـ :
فسيكون معنى هذه الآية: "أمر ربي ما أمر به" !
وهذا المعنى بعيد عن الفصاحة والبلاغة .
فنستنتج بأنّ "القسط" حسن بذاته، ولهذا أمر اللّه تعالى به ، وليس "القسط" حسنٌ لأنّ اللّه تعالى أمر به .
4 ـ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ 6
وجه الدلالة :
إنّ تعليل قبح الشرك بأ نّه ظلم عظيم يدل على أنّ قبح هذا الفعل تابع لملاك عقلي وهو قبح الظلم .
فالشرك قبيح، لأ نّه ظلم .
والظلم قبيح، لأ نّه قبيح بذاته، وما هو قبيح بذاته لا يعلّل قبحه بعنوان آخر .
5 ـ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ... ﴾ 7
وجه الدلالة :
إنّ "المعروف" هو ما تَعرف العقول السليمة حُسنه ، وترتاح له القلوب الطاهرة لموافقته للفطرة الإنسانية .
وإنّ "المنكر" هو ما تَعرف العقول السليمة قُبحه ، وتشمَئزّ منه القلوب الطاهرة لمنافرته للفطرة الإنسانية .
وأمّا تفسير "المعروف" بما أمرت به الشريعة .
وتفسير "المنكر" بما نهت عنه الشريعة .
فهو من قبيل تفسير الماء بالماء !8
وإذا كان "المعروف" هو ما أمرت به الشريعة ، فسيكون معنى:﴿ ... يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ... ﴾ 7 أي: يأمرهم بما أمرهم به ! وهذا المعنى غير صحيح .
وإذا كان "المنكر" هو ما نهت عنه الشريعة ، فسيكون معنى:﴿ ... وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ... ﴾ 7 أي: ينهاهم عما نهاهم عنه ! وهذا المعنى غير صحيح .
فيثبت وجود ما هو حسن وقبيح قبل أمر الشارع ونهيه .
6 ـ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ 9
وجه الدلالة :
إنّ هذه الآية تحتجّ على منكري القيامة ، وتبيّن لهم بأنّ إنكار القيامة يلزم كونه تعالى عابثاً في خلقه للإنسان .
ولا يتم هذا الاحتجاج إلاّ إذا كان العبث قبيحاً عندهم ، وكونه تعالى منزّهاً عن فعل القبيح .
وبما أنّ هؤلاء المنكرين لم يكونوا من المؤمنين بالرسالة ، فيكشف اعترافهم بقبح العبث أنّ هذا التقبيح نابع من عقولهم .
7 ـ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ 10
وجه الدلالة :
يفيد الاستفهام الاستنكاري في هذه الآية "التأكيد".
ويفيد سياق النفي والاستثناء في هذه الآية "الحصر".
وعليه فالآية تنص على أصل كلّي ثابت في العقول وهو: "حسن جزاء الإحسان بالإحسان" و "قبح جزاء الإحسان بالإساءة" .
8 ـ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ 11
وجه الدلالة :
تفيد هذه الآية قاعدة عقلية ثابتة، وهي حسن التفريق بين المحسن والمسيء وقبح التساوي بينهما .
وقد ترك اللّه تعالى في هاتين الآيتين القضاء والحكم إلى "العقل"، وهذا ما يدل على قدرة "العقل" على التمييز بين الحسن والقبح في هذه القضايا .
9 ـ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ 12
وجه الدلالة :
يشبه وجه الدلالة في هذه الآية ما ذكرناه في وجه دلالة الآية السابقة .
10 ـ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ... ﴾ 13
وجه الدلالة :
تبيّن هذه الآية وجود أُمور توصف بالعدل والإحسان والفحشاء والمنكر قبل تعلّق الأمر والنهي الشرعي بها .
وتفيد هذه الآية بأنّ الإنسان يجد من صميم ذاته ومن دون استعانته بالشرع اتّصاف بعض الأفعال بهذه الأوصاف ، بحيث لا يكون دور الشرع في هذه الحالة سوى تأكيد إدراك العقل بالأمر بالحسن والنهي عن القبيح 14.
- 1. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 28، الصفحة: 153.
- 2. انظر: الميزان، العلاّمة الطباطبائي: ج8 ، تفسير آية 10 ـ 25 من سورة الأعراف ، ص59 .
- 3. a. b. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 33، الصفحة: 154.
- 4. تفسير المنار، محمّد رشيد رضا : ج8 ، تفسير آية 33 من سورة الأعراف ، ص349.
- 5. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 29، الصفحة: 153.
- 6. القران الكريم: سورة لقمان (31)، الآية: 13، الصفحة: 412.
- 7. a. b. c. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 157، الصفحة: 170.
- 8. تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار، محمّد رشيد رضا: ج9 ، تفسير آية 157 من سورة الأعراف ، ص193 (بتصرّف).
- 9. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، الآية: 115، الصفحة: 349.
- 10. القران الكريم: سورة الرحمن (55)، الآية: 60، الصفحة: 533.
- 11. القران الكريم: سورة القلم (68)، الآية: 35 و 36، الصفحة: 565.
- 12. القران الكريم: سورة ص (38)، الآية: 28، الصفحة: 455.
- 13. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 90، الصفحة: 277.
- 14. المصدر: كتاب العـدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لـشيخ علاء الحسّون.