مجموع الأصوات: 8
نشر قبل أسبوع واحد
القراءات: 349

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

رأي الأشاعرة حول خلق اللّه لأفعال العباد

إنّ اللّه عزّ وجلّ هو المتفرّد بالخلق والإيجاد ، وهو خالق كلّ شيء بلا استثناء، ولا خالق في الكون سوى اللّه تعالى ، واللّه هو الخالق لأفعال الإنسان .

من أقوال أبي الحسن الأشعري حول خلق اللّه لأفعال العباد :

1 ـ " ... لا خالق إلاّ اللّه ، وإنّ أعمال العباد مخلوقة للّه بقدرته ... وإنّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً ..."1.

2 ـ " ... لا خالق إلاّ اللّه ، وإنّ سيئات العباد يخلقها اللّه ، وإنّ أعمال العباد يخلقها اللّه عزّ وجلّ ، وإنّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً"2.

3 ـ " ... من قضاء اللّه تعالى هو خلق ما هو جور كالكفر والمعاصي ..."3.

4 ـ " ... أمّا أنا فأقول: إنّ الشر من اللّه تعالى بأن خلقه شراً لغيره لا له"4.

أدلة الأشاعرة على خلقه تعالى لأفعال العباد :

الدليل الأوّل :

الآيات القرآنية الدالة على خلقه تعالى لكلّ شيء، فإنّ هذه الآيات تفيد العموم، فيشمل ذلك أفعال العباد، فتكون أفعال العباد مخلوقة للّه .

ومن هذه الآيات قوله تعالى :

1 ـ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ... 5

2 ـ﴿ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ... 6

3 ـ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ... 7

4 ـ﴿ ... أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ 8

5 ـ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ 9

يرد عليه :

1 ـ إنّ المنهج السليم يقتضي شمولية النظر إلى آيات القرآن الكريم ، وعدم الاقتصار على الآيات الدالة على خلقه تعالى لكلّ شيء وإهمال الآيات التي تنسب الخالقية إلى غير اللّه تعالى ، من قبيل :

أوّلاً: قوله تعالى حكاية عن عيسى(عليه السلام):﴿ ... أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ... 10

ثانياً: قوله تعالى لعيسى(عليه السلام):﴿ ... وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ... 11

ثالثاً: قوله تعالى للسامري وجماعته:﴿ ... وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ... 12

رابعاً: قوله تعالى:﴿ ... فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ 13

خامساً: قوله تعالى:﴿ ... وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ 14

النتيجة :

إنّ الأشاعرة اتّبعوا منهجية التجزئة والتبعيض في التعاطي مع الآيات القرآنية ، فتمسّكوا بالآيات التي تتلائم مع نظريتهم في خلق أفعال العباد ، وأعرضوا عما يتغاير مع ما ذهبوا إليه .

2 ـ يدرك الباحث عند نظرته الشمولية إلى الآيات القرآنية بأنّ الآيات التي تنسب خلق كلّ شيء إلى اللّه عزّ وجلّ ليست إلاّ في مقام بيان إحاطته تعالى الكاملة وقدرته التامّة ونفوذ أمره الشامل لجميع الكون بلا استثناء ، ولا يوجد أي تناف بين هذه الشمولية وبين قدرة العباد على الخلق ، لأنّ قدرة العباد تستمد وجودها من اللّه تعالى ، واللّه تعالى قادر على سلبها في كلّ آن.

3 ـ سُئل الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) عن أفعال العباد: أهي مخلوقة للّه تعالى، فقال (عليه السلام) :

"لو كان خالقاً لها لما تبرّأ منها، وقد قال سبحانه:﴿ ... أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ... 15 ، ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم ، وإنّما تبرّأ من شركهم وقبائحهم"16.

4 ـ سُئل الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): هل غير الخالق الجليل خالق ؟

قال(عليه السلام): "إن اللّه تبارك وتعالى يقول:﴿ ... فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ 13 فقد أخبر أنّ في عباده خالقين وغير خالقين ، منهم عيسى صلى اللّه عليه، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن اللّه ، فنفخ فيه ، فصار طائراً بإذن اللّه ، والسامري خلق لهم عجلا جسداً له خوار"17.

5 ـ إنّ القول بأنّ اللّه تعالى خالق كلّ شيء لا يعني أ نّه تعالى هو السبب المباشر لخلق كلّ شيء، بل قد يكون الخلق صادراً من الإنسان ، ولكنه يُنسب إلى اللّه عزّ وجلّ ، لأ نّه تعالى هو الذي أعطى الإنسان القدرة على الخلق .

مثال ذلك :

يبيّن القرآن الكريم هذه الحقيقة بأنّ مجرّد نسبة الفعل إلى اللّه عزّ وجلّ لا يعني كونه تعالى هو السبب المباشر لهذا الفعل ، بل قد يصدر الفعل من غير اللّه ، ولكنّه ينسب إلى اللّه تعالى للعلّة التي ذكرناها .

ومن هذه الموارد :

أوّلاً ـ فعل التوفّي :

1 ـ نسبته إلى ملك الموت:﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ... 18

2 ـ نسبته إلى اللّه تعالى:﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ... 19

ثانياً ـ فعل الرزق :

1 ـ نسبته إلى العباد:﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ 20

2 ـ نسبته إلى اللّه تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ 21

ثالثاً ـ فعل الزرع :

1 ـ نسبته إلى العباد:﴿ ... كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ... 22 23

2 ـ نسبته إلى اللّه تعالى:﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ 24

رابعاً ـ فعل الغلبة :

1 ـ نسبته إلى العباد:﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ... 25

2 ـ نسبته إلى اللّه تعالى:﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا ... 25

فنسب اللّه عزّ وجلّ فعل الغلبة لنفسه ولرسله في وقت واحد .

خامساً ـ فعل الخلق (وهو المرتبط بهذا المبحث)

1 ـ نسبته إلى العباد:﴿ ... أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ... 10

﴿ ... فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ 13

2 ـ نسبته إلى اللّه تعالى:﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ... 5

ملاحظة مهمة :

ذكرنا بأنّ الفعل الذي يصدر من الإنسان ينسب أيضاً إلى اللّه تعالى ، وذلك لأ نّه تعالى هو الذي أعطى الإنسان القدرة على القيام بالفعل .

ولكن لا يخفى بأنّ هذه النسبة لا تصح إلاّ في الأفعال الحسنة التي يرتضيها اللّه تعالى، وأمّا الأفعال القبيحة الصادرة من الإنسان، فلا تصحُّ نسبتها إلى اللّه تعالى أبداً .

دليل ذلك :

إنّ اللّه تعالى أعطى الإنسان القدرة ليصرفها في الأُمور الحسنة ، فإذا صرفها الإنسان في الأُمور القبيحة ، فإنّ هذه الأفعال لا تصح نسبتها إلى اللّه تعالى، وإنّما تُنسب إلى الإنسان ، ويكون الإنسان هو المتحمّل لمسؤوليتها .

آيات قرآنية أُخرى استدل بها الأشاعرة على خلقه تعالى لأفعال العباد :

الآية الأُولى :

قوله تعالى:﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ 26

استدلال الأشاعرة: إنّ هذه الآية صريحة بأنّ اللّه هو الخالق للإنسان ، وهو الخالق لأفعاله وأعماله وما يصدر عنه 27.

يرد عليه :

1 ـ إنّ هذه الآية وردت في سياق آيات احتجاج النبي إبراهيم(عليه السلام) على قومه الذين كانوا ينحتون الأصنام ، ثمّ يعبدونها من دون اللّه ، فقال لهم إبراهيم(عليه السلام):﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ 28.

2 ـ ليس لهذه الآية أية صلة بمسألة أفعال العباد ، لأنّ وحدة السياق في هذه الآية والتي قبلها تقضي كون "ما" موصولة فيكون معنى الآية: أتعبدون الأصنام التي تنحتونها واللّه خلقكم وخلق المادة التي منها تنحتون أصنامكم 29.

3 ـ إنّ الآية في مقام محاججة إبراهيم(عليه السلام) لقومه واستنكاره على عبادتهم للأصنام ، وليس من المعقول أن يقول إبراهيم(عليه السلام) لقومه في هذا المقام: لماذا تعبدون الأصنام وقد خلق اللّه عبادتكم للأصنام؟!

الآية الثانية :

قوله تعالى:﴿ ... وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ... 30

استدلال الأشاعرة: إنّ هذه الآية تدل على أنّ جميع أفعال الإنسان ـ حسنة كانت أو سيئة ـ هي من عند اللّه، وأنّ اللّه هو الذي يخلقها 31 .

يرد عليه :

إنّ "الحسنة" في اللغة لا تنحصر في معنى "الطاعة والإيمان" .

كما أنّ "السيئة" في اللغة لا تنحصر في معنى "المعصية والكفر" .

فمن معاني "الحسنة" في اللغة: النعم، الرحمة، الخير والشيء الحسن .

ومن معاني "السيئة" في اللغة: القحط، الكوارث ، والمحن والعذاب .

معنى الحسنة والسيئة في هذا المقام :

إنّ معنى الحسنة في هذا المقام هو النعم والخير ، ومعنى السيئة هو القحط والكوارث 32، لأنّ النعم والخير والقحط والكوارث تصيب الإنسان من الغير .

ولكن الطاعة والمعصية والكفر والإيمان تصدر من الإنسان نفسه .

وهناك فرق بين ما "يصيب الإنسان" وما "يصدر منه" .

وقد جاء في هذه الآية التعبير بكلمة "تصبهم" ولم يقل الباري عزّ وجلّ "تصدر منهم" .

تتمة :

وردت "الحسنة" بمعنى النعم والخير والرخاء ، ووردت "السيئة" بمعنى القحط والبلاء والعذاب في آيات قرآنية أُخرى منها:

1 ـ﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ... 33

2 ـ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ... 34

3 ـ﴿ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ ... 35

تكملة أدلّة الأشاعرة على خلقه تعالى لأفعال العباد :

الدليل الثاني :

إنّ القول بوجود خالق غير اللّه يستلزم إثبات خالق آخر مع اللّه تعالى ، ومن ادّعى ذلك فقد أشرك في خالقيّة اللّه تعالى ، لأنّ اللّه عزّ وجلّ منزّه عن الشريك في الخلق والإيجاد 36.

يرد عليه :

1 ـ إنّ هذا الاشتراك في إطلاق بعض الصفات على اللّه تعالى والعبد لا يوجب الشرك ، ولهذا لا يوجد أي مانع من اشتراك العبد مع الباري عزّ وجلّ في بعض الأوصاف، من قبيل: الوجود، العلم ، الإرادة، القدرة والتملّك 37.

2 ـ المذموم هو إثبات تعدّد خالقَين مستقلين بقدرتهم وتمام شؤون أفعالهم ، أمّا إثبات خالق غير اللّه، وهو محتاج إلى اللّه عزّ وجلّ في أصل وجوده وقدرته وتمكّنه وفعله ، فلا محذور ولا إشكال فيه أبداً 38.

3 ـ إنّ عبيد السلطان إذا فعلوا شيئاً بمعونة السلطان ، لا يقال إنّهم سلاطين مثله، ولا يكون ذلك عيباً في السلطان ، فلهذا لا يوجد أي مانع أن يكون الإنسان خالقاً لشيء عن طريق القدرة التي منحها اللّه تعالى له 39.

4 ـ لو كان مجرّد إطلاق وصف الخالقية لغير اللّه تعالى شركاً، لكان عيسى ـ والعياذ باللّه ـ مشركاً في قوله:﴿ ... أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ... 10 ولكان عيباً في قوله تعالى: ﴿ ... فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ 13، لأنّ هذه الآية تثبت بوضوح وجود من يوصف بالخالقية غير اللّه تعالى .

الدليل الثالث للأشاعرة :

لو كان الإنسان خالقاً لأفعال نفسه ، لكان عالماً بتفاصيل أفعاله ، وهذا معنى قوله سبحانه:﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ 40، وبما أنّ الإنسان غير عالم بتفاصيل أفعاله وجب القطع بأنّ الإنسان غير خالق لها 41.

يرد عليه :

إنّ العلم بتفاصيل الخلق يشمل الخلق من اللاشيء ، ولكن الإنسان لا يقوم بخلق أفعاله من اللاشيء ، بل يقوم بتركيب مجموعة أشياء للوصول إلى شيء جديد له من الخصائص ما تفترق عن خصائص أجزائه .

وكلّما يكون الإنسان أعرف بخصائص الأجزاء التي يتعامل معها لتكوين الأشياء الجديدة يكون أكثر علماً بتفاصيل ما يقوم بخلقه 42.

الدليل الرابع للأشاعرة :

لو جاز أن يكون المؤمن خالقاً للإيمان لخلقه ممتعاً مريحاً .

ولو جاز أن يكون الكافر خالقاً للكفر لخلقه حسناً .

ولكن المؤمن والكافر لا يستطيعان ذلك .

ومن هنا يثبت بأنّ للإيمان والكفر خالقاً آخر، وهو اللّه تعالى 43.

يرد عليه :

إنّ الصفات تنقسم إلى قسمين :

1 ـ الصفات الواقعية: وهي الصفات التي تحتاج إلى خالق ، من قبيل الحرارة والبرودة .

2 ـ الصفات الانتزاعية: وهي الصفات التي لا تحتاج إلى خالق، بل هي صفات تُنتزع من مقايسة شيء مع شيء آخر من قبيل صفتي الصغر والكبر .

فإنّ وصف "الصغر" أو "الكبر" للشيء لا يحتاج إلى خلق .

وإنّ ما يحتاج إلى خلق فهو "الشيء" .

وأمّا "الصغر" أو "الكبر" فهو صفة تنتزع من مقايسة شيء مع شيء آخر .

وبالنسبة إلى دليل الأشاعرة:

فإنّ وصف "التعب" للإيمان لا يحتاج إلى خلق .

وإنّ وصف "القُبح" للكفر لا يحتاج إلى خلق .

وإنّ ما يحتاج إلى خلق فهو "الفعل" الذي يجعل الإنسان مؤمناً أو كافراً .

وأمّا "التعب" فهو صفة تنتزع من فعل "الإيمان" لأنّ "الإيمان" يجعل الإنسان مسؤولا أمام اللّه تعالى ، فيستتبع الإتعاب .

وأمّا "القبح" فهو صفة تُنتزع من فعل "الكفر" لأنّ "الكفر" على خلاف الفطرة والحقيقة 44.

توضيح ذلك :

إنّ "التعب" الذي يتّصف به الإيمان ، أو "القبح" الذي يتّصف به الكفر يكون خارج الإيمان والكفر ، وهو شيء خارج اختيار الإنسان ، وما هو في دائرة اختيار الإنسان هو خلق العمل الذي يجعله في عداد المؤمنين أو الكافرين ، وأمّا الأثر الذي سيتركه هذا العمل في الواقع الخارجي وردود الأفعال التي سيواجهها الإنسان نتيجة خلقه لهذا العمل فهي أُمور خارجة عن اختياره .

الدليل الخامس للأشاعرة :

لا شكّ في أنّ "الحركة الاضطرارية" التي تصدر من الإنسان مخلوقة للّه تعالى ، فما دلّ على أنّ "الحركة الاضطرارية" مخلوقة للّه تعالى، هو الدليل على أنّ "الحركة الاختيارية" أيضاً مخلوقة للّه تعالى ، وذلك لوحدة ملاكهما، وهو "الحدوث"45.

يرد عليه :

إنّ اشتراك "الحركة الاضطرارية" و"الحركة الاختيارية" في الملاك إنّما يدل

على وجود خالق لكلتا هاتين الحركتين ، وأمّا أن يكون خالق "الحركة الاضطرارية" هو نفس خالق "الحركة الاختيارية" فلا يوجد عليه دليل 46.

توضيح ذلك :

إنّ سبب نسبة "الحركة الاضطرارية" إلى اللّه تعالى هو خروجها عن اختيار الإنسان وإرادته ، وأمّا "الحركة الاختيارية" فهي واقعة باختيار الإنسان وإرادته ، فلا وجه لمقايسة إحداهما بالأخرى 39 47.