مجموع الأصوات: 28
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 805

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

مناقشة رأي الأشاعرة حول فعله تعالى للقبيح

ذهب الأشاعرة إلى أنّ اللّه تعالى يفعل ما يشاء ، وكلّ ما يفعله اللّه تعالى فهو حسن ، وإن حكم العقل بقبح هذا الفعل 1.

أدلة الأشاعرة :

الدليل الأوّل :

إنّ الفعل لا يكون قبيحاً إلاّ بعد نهي الشارع عنه ، وبما أنّ أفعال اللّه تعالى لا تقع في إطار أوامر ونواهي الشرع ، فلهذا لا يمكن تصوّر فعل القبيح في أفعال اللّه تعالى .

قال أبو الحسن الأشعري:

"الدليل على أنّ كلّ ما فعله [ تعالى ] فله فعله أ نّه ... لا فوقه مبيح، ولا آمر، ولا زاجر، ولا حاظر، ولا من رسم له الرسوم، وحدّ له الحدود ، فإذا كان هذا هكذا لم يقبح منه شيء، إذ كان الشيء إنّما يقبح منّا لأ نّا تجاوزنا ما حدّ ورسم لنا ، وأتينا ما لم نملك إتيانه ، فلمّا لم يكن الباري ... تحت أمر لم يقبح منه شيء" 2.

يرد عليه :

1 ـ إنَّ بعض الأفعال قبيحة بذاتها، ولا يعود منشأ قُبحها إلى حكم الشرع .

وسنبحث هذا الموضوع بصورة مفصّلة في الفصل القادم .

2 ـ "لو كان القبيح إنّما يقبح للنهي، لوجب فيمن لا يعرف النهي ولا الناهي أن لا يعرف شيئاً من القبائح" 3.

وبعبارة اُخرى: لو كان نهي الشرع هو المنشأ الوحيد لقبح جميع الأفعال، فينبغي أن لا يعتقد منكر الشرع بقبح شيء، لأ نّه لا يؤمن بالشرع فلا يكون عنده شيءٌ قبيحٌ .

ولكننا نرى غير الملتزمين بالدين ـ على اختلاف فصائلهم ـ :

يصفون بعض الأفعال بالقبح ويعتقدون بأ نّهم ملزمون بتركها .

ويسند هؤلاء تقبيحهم إلى العقل من غير أن يكون لحكم الشرع أيّ أثر في هذا التقبيح.

3 ـ "لو كان القبيح يقبح للنهي ، لوجب أن يكون الحسن يحسن للأمر ، فيلزم عليه أن لا توصف أفعاله تعالى بالحسن أيضاً، لأ نّه [ تعالى ] كما لم ينه عن شيء، [ فإنّه تعالى ] لم يُؤمر بشيء" 4.

الدليل الثاني للأشاعرة :

"الدليل على أنّ كلّ ما فعله [ تعالى ] ، فله فعله: أ نّه المالك القاهر الذي ليس بمملوك ... فإذا كان هذا هكذا لم يقبح منه شيء" 2.

وقال الشهرستاني:

"أمّا العدل فعلى مذهب أهل السنة: أنّ اللّه عدل في أفعاله ، بمعنى أ نّه متصرّف في مُلكه ومِلكه ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد" 5.

بعبارة أُخرى :

لا يمكن تصوّر فعل القبيح بالنسبة إلى اللّه تعالى ، لأ نّه تعالى هو المالك لكلّ شيء على الإطلاق ، ويعتبر أي تصرّف له تعالى في العالم، إنّما هو تصرّف في شيء يملكه ، وله أن يفعل به كيفما يشاء .

يرد عليه :

إنّ ملكية الشيء لا تعني امتلاك المالك حقّ التصرّف بها على خلاف موازين الحكمة والعدل .

ولهذا نجد العقلاء يذمّون من يلقي أمواله في البحر بلا سبب ، ويحكمون بسفاهته مع علمهم بمالكيته لتلك الأموال .

بعبارة أُخرى :

إنّ "الملكية" لا تبيح فعل القبائح العقلية أصلا .

ولهذا يستنكر العقلاء على المالك الذي يعذّب عبده بلا جهة، ويعتبرونه سفيهاً يستحق اللوم إزاء فعله القبيح هذا .

واللّه تعالى على رغم كونه مالكاً لكلّ شيء وقادراً على كلّ شيء ، ولكنه مع ذلك "حكيم"، وحكمته تنزّهه عن فعل القبيح .

ولهذا قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ 6 7.

 

 

  • 1. انظر: المواقف ، عضد الدين الإيجي : ج3 ، الموقف 5 ، المرصد 6، المقصد 6 ، ص 283. شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج4، المقصد 5، الفصل 5، المبحث 4، ص294.
  • 2. a. b. اللمع ، أبو الحسن الأشعري: الباب السابع، ص116.
  • 3. المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي: ج1، القول في العدل ، ص 155.
  • 4. المصدر السابق.
  • 5. الملل والنحل ، عبد الكريم الشهرستاني: ج1، الباب الأوّل ، ص 42.
  • 6. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 117، الصفحة: 234.
  • 7. المصدر: كتاب العـدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لـشيخ علاء الحسّون.