الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الأخوّة والاتحاد في الجبهة

يُولّي الإسلام أهمية كبرى للإخوة والوحدة، ويؤكد أن روح الأخوة والوحدة إذا لم تَسُدْ في الجبهات، وإذا لم يتم التعاون بين الأفراد فإنّ الهزيمة ستكون متيقّنة. وكما تقدم مفصلاًّ فيما سبق، فإن تحقق الوعد الإلهي بالنصر: مشروط بثلاثة شروط، أحدها عدم وقوع الفرقة والاختلاف والنزاع في الجبهة... وما دام هذا الشرط غير متوفر فإن النصر الإلهي لن يتحقق أيضاً.

الآية 152 من سورة آل عمران تدل بوضوح على وجوب أن يكون أفرادُ القوات الإسلامية أخوةً متحدين ومتعاونين، سواءً كانوا في الجبهة أو غيرها.
إن اليوم الذي يقع فيه النزاع بين القوات الإسلامية لا سمح الله هذا اليوم هو يوم عزاء الإسلام والمسلمين.
تجارب التاريخ تؤكدُ أن أفضل السبل لإسقاطِ الحكومات وإزالة لنظام هو إثارة الفرقة والنزاع، فإذا استطاع العدو أن يبث الفرقة والنزاع بين صفوف المجاهدين ويقتل روح الأخوة بينهم فسوف يتمكن من هزيمة الإسلام.

إثارة الفرقة نهج المفسدين والمستكبرين

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ 1.
الآية الكريمة تُدل بوضوح على أن الفرقة والنزاع إذا وقعتُ لا سمح الله بين المجاهدين وفُقدت بينهم روح الأخوة والاتحاد، إذّ ذاك سيتمكن الكفار وبسهولة من تحقيق أهدافهم المشؤومة. وذاك اليوم هو يوم عزائنا ويوم سرور وفرح الكفار.

عذاب السماء والأرض مساوٍ للتفرقة

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ... 2.
الآية الكريمة تقرنُ العذاب الإلهي الآتي من السماء والأرض بالعذاب الناجم من تفرقكم ونزاعكم، وتجعلهم بمستوىً واحد، وتعتبر كلاً منهما من العذاب الأليم...
الصواريخ المدمرة تقصف محلةً واحدةً أو منطقةً واحدة فتقتل وتجرح 500 من المدنيين مثلاً وتدمر بعض المنازل والمحال التجارية والمستشفيات. أما إذا وقع الاختلاف والفرقة والنزاع بين المجاهدين فإن جبهة الإسلام هي التي ستُدمر، الفرقة والنزاع هي الصاروخ الذي يتوجه خطرُهُ إلى عقل وقلب الثورة.. ويستهدف الإسلام في الصميم.
إن النزاع في ميادين الجهاد وبين قوات الإسلام يُوصل الحال إلى شفا النار والعذاب الإلهي.

لا معنى للنزاع بين المجاهدين في ساحة المواجهة

العياذ بالله من أن تنتقل بعض الاختلافات التي قد توجد أحياناً في المدن إلى الجبهات... فذاك يوم عصيب جداً.
نداء الإسلام ينادي أن ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ... 3.
كونوا جميعاً إخوةً متّحدين متآسين خصوصاً في ميادين الجهاد.. إذا وجدت الاختلافات في الآراء أحياناً فتغاضوا عنها ولا تطرحوها ولا تجعلوا لها محلاً في قلوبكم... اعتصموا بالعروة الوثقى... بحبل الله المتين اجعلوا روح الأخوة هي المهيمنة في مجال عملكم وفي ساحة المواجهة..
ساحة الصراع يجب أن تكون هكذا... فلان من؟.. وفلان.. من، جميعاً شيءٌ واحد.. مجموعةٌ ووجودٌ واحدٌ بأسماء مختلفة... ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ... 4.
إذا قال الرجال: أنا من التعبئة أو أنا متفرغ. من أجل التعارف فلا إشكال في ذلك.

تذكروا الحوادث الماضية

تذكروا زمن الطاغوت... حيث كنا شيعاً متفرّقين يعادي بعضنا البعض أما الآن، فقد ألَّف الله تعالى بين قلوبنا وأصبحنا بنعمتِهِ إخواناً، هذه الألفة والأخوة من أوجدها بين قلوبكم.. القرآن يجيب على هذا التساؤل فيقول: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 5.
ويقول تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ 3.
تذكروا الاختلافات والنزاعات المؤلمة والخيانية التي كان يُثيرها المنافقين بينكم.. تذكروا من كان يُثير الشائعات ويتآمر عليكم.
القرآن الكريم يُذكّر ويحذّر ويؤكّد أن لا تنسوا تجارب الماضي وتذكروا النزاعات والفرقة في الماضي وآثارها السيئة عليكم ويدعوكم إلى الاعتبار منها.

المجاهد والجبهة يجب أن لا يُقحما في اختلاف الآراء وحتى لو فرضنا أن اختلافاً بالرأي وقع بين إمام جمعة إحدى المناطق وبين المحافظ، أو بين قيادة عسكرية.. وبين مجموعة من المجاهدين، فلا ينبغي أن تنجز هذه الاختلافات إلى الأخوة المجاهدين في الجبهة.
المجاهد زهرةُ الثورة وفخر الإسلام، إذا وقع نزاعٌ بين اثنين من علماء الدين أو بين شخصيتين ما، فما علاقةُ ذلك بالمجاهد؟!..
بل ولماذا يمتد خلافً كهذه إلى المجاهدين أصلاً؟!
المجاهدون ليسوا حزباً ولا منظمةٌ سياسية كي يُقدِّموا تحليلاً سياسياً للأحداث والقضايا، أيةُ خلافاتٍ في الآراء بين شخصين يجب أن تبقى دائماً بعيدةً كل البعد عن المجاهدين.
المجاهد هو الشخص الذي يهيمن على القلوب، وهو مظهر المعنويات الإلهية.
والجبهة هي المحل الذي يتجلى فيه نورُ الله تعالى.
ساحة الصراع هي محل الأخوة والاتحاد.. فما علاقة نزاعات الرأي واختلافات الأفكار بهما؟

الوحدة إحدى أعمدة الإسلام

"بُني الإسلام على كلمتين، كلمة التوحيد، وتوحيدُ الكلمة".
الحديث يُوضح أن للإسلام عمادين، ولولاهما لما كان. العماد الأول هو التوحيد ويعني التوجه إلى الله تعالى وحده في كل حال وفي الظاهر والباطن.
والثاني هو الوحدة بين المسلمين وفي المجتمع الإسلامي. فالأساس الثابت الذي يُبني عليه الإسلام والثورة الإسلامية هو التوحيد والتوجه إلى الله تعالى وحدّهُ، والوحدة بين صفوف الأمة الإسلامية فليس مسلماً إذن من يُوحدُ الله تعالى بلسانه ولكنه يوجه ضرباتِهِ إلى وحدة المسلمين... وليس مسلماً أيضاً من يردد شعار الوحدة لكنه لا يتوجه في أعمالِهِ إلى الله سبحانه وتعالى وحده.

الفرقةُ صفةُ أهل النار

النزاعُ والفرقةُ هما علامة أهل النار، التكفير المُتبادّل وإطلاق شعارات العداء، الغيبة، عدم الاحترام المتبادل... هذه من أعمال أهل النار، فأرواح الربانيين متحدة ومتآلفة... أرواح الكلاب والأسود والذئاب متنافرة متفرقة.
الإمام الخميني يقول: "إذا اجتمع الأنبياءُ جميعاً في مكان واحد لما اختلفوا".
الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه المجيد في وصف أهل النار: ﴿ ... كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِنْ لَا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ 6.
العين التي تنظر بنور الحقيقة تشاهد مظاهر جمال الجنّة في الجبهة.
نعوذ بالله من أن ينجر النزاعُ إلى القوات الإسلامية، وأن نعمد إلى إلقاء تبعات التقصير والتبرير على بعضنا البعض. إذ ذاك ستتحول ساحة المواجهة إلى جهنم والنار.

حقيقةُ الجبهة

إن الجبة لهي جنةٌ حقاً، ولهي عين ملكوتية.
ففيها تُرى جنةُ الله تعالى. وهذا ليس شعاراً، بل الحقيقة، ففيها يتجلىّ نورُ الله...
هناك الأذن الملكوتية التي تسمع النغمات القدسية للجنة..
والعين التي تنظر بنور الحقيقة تشاهد مظاهر جمال الجنّة في الجبهة.
لو حدث أن وقع سوءُ تفاهم بين مُسْلمين، فينبغي على الصغير أن يعتذر، وإذا لم يفعل فعلى الكبير أن يقوم بنفسه بذلك، ويُنهي الخصام حتى لو لم يكن التقصير منه.
الرجولة والرفعة تقتضي أن يطلب العفو ويعتذر من المقابل حتى لو لم يكن مذنباً.
من البديهي أن على أفراد المجموعات الإسلامية طاعةَ قادتهم، لكن إذا حدث خلافٌ أو نزاعٌ بين القائد والجند، فيجب أن يُعتذر من القائد فوراً ويُنهى النزاع.
وإذا لم يحدث ذلك، فواجب القائد أن يقوم بنفسه بمهمةِ الاعتذار لإنهاء النزاع. وإذا حدث لا سمح الله أن استمر النزاع والهجران لثلاثةِ أيام، فهذا يعني خروج كلا طرفي النزاع من حوزةِ المسلمين حتى لو كان أحدهما غيَر مذنب، كما تؤكد ذلك أحاديث الأئمة المعصومين عليهم السلام.
وقوع النزاع والاختلاف في الجبهة يعني رفع يدُ الرعاية الإلهية عنها وهيمنة المكر الشيطاني والأهواء النفسية وتسويلاتها وحيلها.

نصيحة الإمام الخميني

للإمام الخميني نصيحة ووصية وجهها لعلماء الدين وطلبة العلوم الدينية، وهي تنطبق عليكم أيضاً أيها المجاهدون، حيث يقول:
"إذا حدث أن وقع خلاف ونزاعٌ بين اثنين من الطلبة، فإن العدو المتربص وبعض الناس أيضاً لن يقولوا أن شيخ محمد وشيخ تقي مثلاً قد اختلفا وتنازعا، بل إنهم سيقولون أن علماء الدين متنازعون ومختلفون فيما بينهم".
حال المجاهدين وغيرهم كذلك أيضاً.
أعداء الإسلام متربصون بكم، ينتظرون أن يروا أصفر نزاع يقع بينكم ليوقعوا بينكم.
فالاختلاف بينكم جريمة لا تغتفر.

تذكير

أيها الإخوة الأعزاء، يا من نهضتم جهاداً في سبيل الله تعالى وخدمةً لدينه، حذارِ حذار من أن تفتحوا على أنفسكم أبواب جهنم، وتُفرحوا الأعداء.
أيها الأعزاء... انتبهوا، إن للمجاهدين في عالم اليوم كياناً وهيبةً خاصة، الأعداء يرهبونكم اليوم ويخافون حتى من أسمائكم، وهذه الرهبة والرعب الذي قذَفَهُ الله تعالى في قلوب أعداءكم يبقى ما دامت الوحدة تجمعكم وما دام لا وجود للنزاع والاختلاف والفرقة بينكم.
وهنا يجدرُ التذكير بأن هذا الموضوع ذا الأهمية الكبرى، لا وجود له ولله الحمد بين صفوف القوات الإسلامية، واعلموا أن العامل الذي حقق الانتصارات المتعددة والذي وجه الضربات والهزائم للكفار، هذا العامل هو وحدة الكلمة والانسجام والاتحاد الموجود بين فصائل القوات الإسلامية والذي سيبقى إن شاء الله تعالى 7.