حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الاستطاعة وأثر قدرة الإنسان في أفعاله عند الأشاعرة
إنّ استطاعة الإنسان عبارة عن قدرته على الفعل على أساس "إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل" .
رأي الأشاعرة حول قدرة العبد في أفعاله :
1 ـ "إنّ أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة اللّه سبحانه وتعالى ، وليس لقدرتهم تأثير فيها، بل اللّه سبحانه أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختياراً، فإذا لم يكن هناك مانع أوجد [ تعالى ] فيه [ أي: في العبد ] فعله المقدور مقارناً لهما [ أي: يخلق اللّه بقدرته فعل العبد مقارناً للقدرة غير المؤثّرة التي يخلقها في العبد ] ... وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري"1.
2 ـ إنّ الاستطاعة من اللّه تعالى يخلقها في العبد مقارنة مع خلقه تعالى للفعل الذي يصدر من العبد ، ولهذا تكون هذه الاستطاعة ليست متقدّمة على الفعل ولا متأخّرة عنه 2.
3 ـ "إنّ المؤثّر في حصول هذا الفعل [ فعل العبد ] هو قدرة اللّه تعالى ، وليس لقدرة العبد في وجوده أثر، وهذا قول أبي الحسن الأشعري"3.
خلاصة رأي الأشاعرة :
إنّ اللّه تعالى هو الذي يخلق أفعال الإنسان، وهو الذي يخلق في نفس الوقت القدرة في الإنسان. ولكن هذه القدرة التي يخلقها اللّه تعالى في الإنسان هي قدرة معطّلة ومشلولة لا يستند إليها فعل أو ترك ، وليس للإنسان أي قدرة أو استطاعة في حدوث أفعاله، وإنّما هو مجرّد وعاء للفعل الذي يخلقه اللّه تعالى فيه .
يرد عليه :
1 ـ إنّ إنكار تأثير قدرة العبد على فعله الاختياري مكابرة وإنكار لأوضح الواضحات .
2 ـ إنّ الضرورة كما تحكم بوجود القدرة في أفعال الإنسان الاختيارية ، فهي تحكم بتأثيرها في هذه الأفعال .
3 ـ إذا لم يكن لقدرة الإنسان أي تأثير في أفعاله الاختيارية ، فسوف يكون خلق اللّه تعالى لهذه القدرة في العبد أمراً عبثاً لا فائدة فيه .
4 ـ إنّ إثبات القدرة بلا تأثير يشبه إثبات الباصرة للأعمى بلا إبصار ، وإثبات السامعة للأصم بلا سمع !
5 ـ إذا لم يكن لقدرة الإنسان أي تأثير في أفعاله الاختيارية ، فمن أين يعلم وجود هذه القدرة، إذ لا دليل عليها غيره ؟
6 ـ قال أبو المعالي الجويني (ت 478هـ ) :
"أمّا نفي هذه القدرة والاستطاعة فمما يأباه العقل والحس ، وأمّا إثبات قدرة لا أثر لها بوجه فهو كنفي القدرة أصلا ... فلابدّ إذن من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة ... فالفعل يستند وجوده إلى القدرة، والقدرة يستند وجودها إلى سبب آخر ... حتّى ينتهي إلى سبب الأسباب [ وهو اللّه تعالى ]"4.
7 ـ قال سعد الدين التفتازاني (ت 791هـ ):
"بالضرورة إنّ لقدرة العبد وإرادته مدخلا في بعض الأفعال ، كحركة البطش دون البعض كحركة الارتعاش"5.
أدلة الأشاعرة على نفي تأثير قدرة العبد :
الدليل الأوّل :
إنّ فعل العبد لا يقع بقدرته، بل يقع بقدرة اللّه عزّ وجلّ ، وذلك لشمول قدرته تعالى ، فلهذا لا تؤثّر قدرة العبد في أفعاله ، لامتناع اجتماع قدرتين مؤثّرتين على مقدور واحد 6.
يرد عليه :
1 ـ إنّ عموم قدرته عزّ وجلّ لا تعني قيامه تعالى بكلّ شيء بصورة مباشرة وبلا واسطة ، بل اللّه سبحانه شاء أن يمنح بعض مخلوقاته القدرة على التأثير بإذنه .
2 ـ إنّ قدرة الإنسان تستمد وجودها من قدرة اللّه تعالى ، فإذا أراد اللّه شيئاً وأراد الإنسان نقيضه ، وقع مراد اللّه تعالى دون مراد الإنسان ، لأنّ قدرة اللّه تعالى فوق قدرة الإنسان ، فلا يقع أي تعارض بين القدرتين .
الدليل الثاني للأشاعرة :
إذا كان الإنسان موجداً لفعله بقدرته، فلابدّ أن يتمكّن من فعله وتركه، ويتوقف هذا التمكّن على وجود سبب يرجّح أَحد طرفي الفعل أو الترك ، وهذا السبب :
1 ـ إذا كان من الإنسان: لزم التسلسل ، لأنّ إيجاد هذا السبب أيضاً يحتاج إلى سبب آخر ، وهكذا إلى ما لا نهاية، وهو باطل .
2 ـ إذا كان من اللّه عزّ وجلّ ، فيلزم:
حصول الفعل عند خلق اللّه تعالى للسبب.
وعدم حصول الفعل عند عدم خلقه تعالى لهذا السبب.
فلا يكون لقدرة الإنسان أي أثر في إيجاد الفعل 7.
يرد عليه :
1 ـ لو كانت إرادة الإنسان متوقفة على وجود إرادة ثانية، فإنّ هذا الكلام أيضاً ينطبق على إرادة اللّه عزّ وجلّ ، فيلزم فيها التسلسل والاحتياج إلى إرادات لا نهاية لها، وهو باطل .
2 ـ إنّ وجود الفعل يتوقّف على وجود العلّة التامة لإيجاده ، وصدور فعل الإنسان يتوقّف على مجموعة مقدّمات وعلى إرادة غير مسبوقة بإرادة أُخرى ، بل هي إرادة مستندة إلى الاختيار الذاتي الثابت للنفس الإنسانية .
الدليل الثالث للأشاعرة :
استدلّت الأشاعرة على نفي استطاعة الإنسان بقوله تعالى:﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ... ﴾ 8 9.
يرد عليه :
1 ـ إنّ الاستثناء الموجود في هذه الآية يدلّ على بطلان مذهب الأشاعرة ، لأنّ هذا الاستثناء يدل على أنّ الإنسان يمتلك الاستطاعة ، ولكن هذه الاستطاعة مستثناة بشرط وهو المشيئة الإلهية ، في حين يرى الأشاعرة بأنّ الإنسان لا يمتلك الاستطاعة أبداً .
2 ـ إنّ الآية تدل على أنّ الإنسان يمتلك لنفسه الاستطاعة ، ولكن هذه الاستطاعة إنّما تكون في إطار مشيئة اللّه تعالى، وهو معنى "لا حول ولا قوة إلاّ باللّه" وعبارة "إلاّ باللّه" تفيد ثبوت حول وقوة للإنسان ، ولكن هذا "الحول" لا يكون إلاّ بعد أن يمكّن اللّه تعالى الإنسان منه 10.
- 1. المواقف ، عضد الدين الإيجي: ج3، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 1 ، ص214 .
- 2. انظر: بحر الكلام ، ميمون النسفي: الباب الثالث ، الفصل الثاني، المبحث الثالث، ص166 ـ 167 .
- 3. القضاء والقدر، فخر الدين الرازي: خلق الأفعال ، ص31 .
- 4. الملل والنحل ، الشهرستاني: ج1، الباب الأوّل ، الفصل الثالث: الصفاتية، 1 ـ الأشعرية، ص98 ـ99 .
- 5. شرح العقائد النسفية، سعد الدين التفتازاني: القول في أنّ للعباد أفعالا اختيارية، ص58 .
- 6. انظر: المواقف ، عضد الدين الإيجي: ج3، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 1 ، ص209 .
شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج4 ، المقصد 5 ، الفصل 5 ، المبحث 1، ص227 .
- 7. انظر: المواقف ، عضد الدين الإيجي: ج3، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 1 ، ص217 .
- 8. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 188، الصفحة: 175.
- 9. انظر: التفسير الكبير ، الفخر الرازي: ج5، تفسير آية 188 من سورة الأعراف ، ص425 ـ 426 .
- 10. المصدر: كتاب العـدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لـشيخ علاء الحسّون.