حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الحزب الاُموي وموقفه من الثورة الحسينية
لمّا وصلت أنباء إعلان الإمام الحسين ثورته على الحكم الاُموي إلى كوادر الحزب الاُموي ، كانت ردود الفعل مختلفة بحسب وجهات نظر أعضاء الكوادر الحزبية الاُمويّة ، وهي في اتّجاهين :
الاتّجاه الأوّل : وهو الذي يمثل جانب اللين والفتور لأنّ بعض الكوادر الحزبية الاُمويّة كانت تمثّل الجانب المعتدل في الحزب ، لأنّها تعلم في قرارة نفسها أنّ يزيد لا يستحق الخلافة وغير جدير بها ؛ ولذا نراها غير متحمّسة لحكمه ، من أمثال النعمان بن بشير واليه على الكوفة ؛ فإنّه بعد أن سمع بثورة الإمام الحسين (ع) قام خطيباً ، وخطب خطبة لم ترضِ الحزب الاُموي ، فقام إليه أحد كوادر الحزب الاُموي قائلاً :
إنّه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم ، إنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين.
فأجابه النعمان قائلاً : أن أكون من المستضعفين في طاعة الله ، أحبّ إليّ من أن أكون من الأعزّين في معصية الله 1.
الاتجاه الثاني : وهو الاتّجاه المتطرّف المتعصّب ، الذي يسير وراء مصالح الاُمويِّين ، وليس لديه أيّ واقعية أو الإحساس بها ، فنرى ردّ فعله عنيفاً جدّاً ، لأنّه اتّخذ موقفاً صارماً ضدّ الثورة ؛ ولهذا نرى هذا الكادر الاُموي سارع بالكتابة إلى يزيد بن معاوية عندما دخل الكوفة رسول الثورة الحسينيّة مسلم بن عقيل ، وأقبل الناس عليه لمبايعة الحسين ، ويتزعّم هذا الكادر الحزبي الاُموي رجل اسمه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي.
خطبة النعمان والي يزيد على الكوفة 2
بلغ ذلك النعمان بن بشير والي يزيد على الكوفة ، فجاء إلى المسجد وصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فاتّقوا الله عباد الله ، ولا تُسارعوا إلى الفتنة والفرقة ؛ فإنّ فيهما يهلك رجال ، وتُسفك الدماء ، وتُغصب الأموال. إنّي لم اُقاتل مَنْ لم يُقاتلني ، ولا أثب على مَنْ لا يثب عليّ ، ولا اُشاتمكم ، ولا أتحرّش بكم ، ولا آخذ بالقرف ولا الظنّة ولا التهمة ، ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لي ، ونكثتم بيعتكم ، وخالفتم إمامكم ، فوالله الذي لا إله غيره ، لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن لي منكم ناصر ؛ أما إنّي أرجو أن يكون مَنْ يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يرديه الباطل 3.
فقام إليه أحد أعوان الحزب الاُموي ، واسمه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي ، وقال : إنّه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم ، إنّ هذا الذي أنت عليه ، فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين. فأجابه النعمان قائلاً : أن أكون من المستضعفين في طاعة الله ، أحبّ إليّ من أن أكون من الأعزّين في معصية الله.
رجال الحزب الاُموي وخطورة الموقف 4
فكتب عبد الله بن مسلم الحضرمي كتاباً إلى يزيد بن معاوية جاء فيه : أمّا بعد ، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي ، فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قوياً ينفذ أمرك ، ويعمل مثل عملك في عدوّك ؛ فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف 5.
ثمّ كتب آخرون إلى يزيد بن معاوية كتباً أخرى بهذا المضمون ، مثل : عمارة بن عقبة ، وعمر بن سعد ، وغيرهما من أنصار الحزب الأموي.
يزيد يعزل النعمان وينصب عبيد الله 6
وعندما وصلت الكتب إلى يزيد بن معاوية وقرأها وفهم محتواها ، دعا سرجون مولى معاوية وأقرأه الكتب ، وقال : هذا الحسين قد توجّه إلى الكوفة ، وهذا مسلم بن عقيل يبايع للحسين ، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيء ، فما ترى؟ فقال له سرجون : أرأيت لو نشر معاوية لك ، أكنت آخذاً برأيه؟ قال : نعم. [قال : فأخرج سرجون عهد عبيد الله بن زياد على الكوفة وقال : هذا رأي] أبيك ، فأخذ يزيد بهذا الرأي ، وكان عبيد الله والياً على البصرة فضمّ إليه الكوفة ، وبعث إليه بعهده على الكوفة ، مع مسلم بن عمرو الباهلي ، وكتب إليه كتاباً :
أمّا بعد ، فإنّه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجمع لشقّ عصا المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه ، أو تقتله ، أو تفنيه ، والسّلام 7.
فأقبل مسلم بن عمرو الباهلي بالعهد والكتاب إلى عبيد الله بن زياد بالبصرة ، فلمّا قرأ عبيد الله الكتاب ، أمر بالجهاز والتهيؤ ، والمسير إلى الكوفة من الغد 7.
ولمّا كان الغداة ، استخلف أخاه عثمان بن زياد على البصرة ، بعد أن خطبهم بالوعد والوعيد. وأقبل إلى الكوفة مسرعاً لا يلوي على شيء حتّى دخلها ومعه بضعة عشر رجلاً ، متنكّراً بزيّ أهل الحجاز ، فظنّ الناس أنّه الحسين (عليه السّلام) لأنّهم ينتظرون قدومه. فأخذ لا يمرّ على أحد من الناس إلاّ وسلّموا عليه ، وقالوا : مرحباً بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم ، وهو لا يكلّمهم ، حتّى جاء القصر فسمع النعمان بن بشير فأغلق باب القصر عليه ، ولمّا أنتهى إلى القصر أطلّ النعمان بن بشير من بين شرفتي القصر قائلاً : «اُنشدك الله إلاّ تنحيت عنّي ، ما أنا بمسلّم لك أمانتي ، وما لي في قتلك من إرب» ظانّاً أنّه الحسين (عليه السّلام). فأزال عبيد الله اللثام عن وجهه وقال : «افتح لا فتحت ، فقد طال ليلك ، وشيّدت قصرك ، وضيعت مصرك» عندها عرف النعمان والناس أنّه عبيد الله بن زياد ، ففتح النعمان باب القصر ودخل ، ثمّ نودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس ، فخرج إليهم وصعد المنبر.
الخطبة الأولى لابن زياد في الكوفة 8
«فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين أصلحه الله ولاّني مصركم وثغركم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متّبع فيكم أمره ، ومنفّذ فيكم عهده ، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البر ، وسوطي وسيفي على مَنْ ترك أمري وخالف عهدي ، فليبق امرؤ على نفسه الصدق ينبي عنك لا الوعيد». ثمّ نزل ، فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً ، وقال لهم : «اكتبوا إليّ الغرباء ، ومَنْ فيكم من طلبة أمير المؤمنين ، ومَنْ فيكم من الحرورية ، وأهل الريب الذين رأيهم الخلا والشقاق ، فمَنْ كتبهم لنا فبرئ ، ومَنْ لم يكتب لنا أحد فيضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف ، ولا يبغي علينا منهم باغ ، فمَنْ لم يفعل برئت منه الذمة ، وحلال لنا ماله وسفك دمه. وأيّما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا طلب على باب داره ، واُلغيت تلك العرافة من العطاء ، وسيّر إلى موضع بعمان الزارة» 9.
اعتقال هاني بن عروة
ثمّ تطوّر الموقف عندما اعتقل عبيدُ الله هاني بن عروة ، وطلب منه أن يسلّمه مسلم بن عقيل فأبى هاني ، فضربه عبيد الله بالسياط على وجهه فسال الدم على لحيته ، فتناول سيفاً بيد أحد أعوان عبيد الله فأراد أن ينتزعه فلم يستطع ، فعندها أمر عبيد الله به أن يغلّ ، ويحبس في غرفة ، ويوضع عليها الحرس. وإذا بجمع مذحج على باب القصر لأنّهم سمعوا أنّ عبيد الله يروم قتله فجاؤوا لاستنقاذه. فأمر عبيد الله شريح القاضي بأن يخرج للناس ويعلمهم بأنّ صاحبهم حيّ ، فخرج شريح إليهم وقال لهم : إنّي قد رأيت صاحبكم حيّاً ، وإنّ الذي بلغكم من قتله كان باطلاً. فقالوا : إذاً لم يُقتل فالحمد لله. ثمّ تفرّقوا.
الخطبة الثانية لابن زياد 10
ثمّ إنّ عبيد الله جمع بعض زعماء القبائل ، وشرطته وحاشيته ، فخرج بهم وصعد المنبر ، فخطب خطبة موجزة : «أمّا بعد ، أيّها الناس ، فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمّتكم ، ولا تخلفوا ، ولا تفرقوا فتهلكوا ، وتذلّوا وتقتلوا ، وتجفوا وتحرموا ، إنّ أخاك مَنْ صدقك ، وقد أعذر من أنذر» 11.
ثم إنّ الموقف قد تدهور ، وخذل الناس مسلم بن عقيل ؛ وذلك بعد أن اشترى عبيد الله ذمم وضمائر بعض الزعماء ، فأخذوا يخذلون الناس عن مسلم ويمنونهم بالمال ، ويخوّفونهم بجنود أهل الشام.
ثمّ أشرف على الناس بعض رؤساء القبائل ، وتكلّم كثير بن شهاب وقال : «أيّها الناس الحقوا بأهاليكم ، ولا تعجلوا الشرّ ، ولا تعرضوا أنفسكم للقتل ؛ فإنّ هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت ، وقد أعطى الله الأمير عهداً لئن أتممتم على حربه ، ولم تنصرفوا من عشيّتكم أن يحرم ذريّتكم من العطاء ، ويفرّق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام على غير طمع ، وأن يأخذ البريء بالسقيم ، والشاهد بالغائب حتّى لا يبقى له فيكم بقيّة من أهل المعصية إلاّ أذاقها وبال ما جرت أيديها» 12.
وتكلّم بقيّة الرؤساء بنحوه ، فأخذ الناس يتفرّقون أفراداً وجماعات حتّى كانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجيء الرجل إلى ابنه أو أخيه فيقول : غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع؟ فخذل الناس مسلم ، وبقي وحده يسير في الطريق فلا يرى أين يذهب حتّى دخل في دار امرأة يُقال لها : طوعة ، فآوته إلى الصباح.
الخطبة الثالثة لابن زياد 13
وكان عبيد الله قد علم بتفرّق الناس عن مسلم ، فأمر عمرو بن نافع فنادى : ألا برئت الذمّة من رجل من الشرطة والعرفاء ، أو المناكب ، أو المقاتلة صلّى العتمة إلاّ في المسجد. فما كانت إلاّ ساعة وامتلأ المسجد بالناس ، ثمّ أمر عبيد الله الحرس أن يحرسونه من جانب ، فدخل المسجد وصعد المنبر ، وقال : «أمّا بعد ، فإنّ ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت ذمّة الله من رجل وجدناه في داره ، ومَنْ جاء به فله ديّته. اتقوا الله عباد الله ، وألزموا طاعتكم وبيعتكم ، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً» 14 15.
-
للمزيد راجع كتاب الوثائق الرسميّة لثورة الإمام الحسين عليه السلام
- 1. انظر الوثيقة ١٣ من هذا الكتاب.
- 2. الوثيقة رقم ١٣.
- 3. تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٦٤.
- 4. الوثيقة رقم ١٤.
- 5. تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٣٩.
- 6. الوثيقة رقم ١٥.
- 7. a. b. تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٦٥.
- 8. الوثيقة رقم ١٦.
- 9. تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٤٢.
- 10. الوثيقة رقم ١٧.
- 11. تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٥٤.
- 12. تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٥٧.
- 13. الوثيقة رقم ١٨.
- 14. تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٦٠.
- 15. المصدر : الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، لسماحة العلامة السيد عبد الكريم الحسيني القزويني ( حفظه الله ).