مجموع الأصوات: 5
نشر قبل 4 أشهر
القراءات: 330

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الخمس وموارد وجوبه في الاسلام

قال الله تعالى في محكم كتابه﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا ... 1.

تشير هذه الآية بوضوح تام إلى أن ضريبة الخمس واجبة في الغنائم التي يحصل عليها المسلم، والغنيمة هي ما يربحه الإنسان من أي عمل يقوم به، إلا أن فقهاء الإسلام اختلفوا في تحديد مورد الغنيمة الذي يجب فيه الخمس، ففي المذهب الشيعي الإمامي فإن الخمس يجب في كل ربح يحصل عليه الإنسان من كسب ولا يختص بغنائم الحرب مع غير المسلمين فقط، بينما عند المذاهب الإسلامية الأخرى فالخمس عندهم ينحصر فيما يغنمه المسلمون من أموال المشركين في الحروب وغيرها.

والخمس الواجب عند الشيعة هو في سبعة أمور هي التالية:

أولاً: غنائم الحرب مع غير المسلمين فكل ما يغنمه المسلمون من الكفار من غير الأرض يجب إخراج خمسه ودفعه للحاكم الشرعي في زمن الغيبة، أما في زمن المعصوم (عليه السلام) فيكون الخمس له ويقسِّم الباقي للمقاتلين الذين يحصلوا على تلك الغنائم، وقد ورد في الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): (كل شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) رسول الله فإن لنا خمسه، ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثم يقسِّم ما بقي خمسة أقسام ويأخذ خمسه، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه" ، وشرط خمس الغنيمة من غير المسلمين أن يكونوا من المحاربين للإسلام والمسلمين، فأما إذا كانوا تحت وصاية المسلمين وحمايتهم ضمن معاهدة أهل الذمة فلا يجوز أخذ شيء من أموالهم في هذه الحالة، ويدخل في وجوب إخراج الخمس ما يدفعه الكافرون من مال للمسلمين حتى لا يهجموا عليهم ويغزوا بلادهم، ويدخل في الخمس في هذا المجال ما يدفعه المشركون من أجل تخليص أسراهم من أيدي المسلمين.

ثانياً: المعادن: وهو كل ما يستخرج من باطن الأرض أو ما يؤخذ من ظاهرها بعمل أو بغيره، كالذهب والفضة والنحاس والحديد، ومن أمثال الياقوت والفيروز والعقيق وكل ما هو من هذا القبيل، فإذا أخرج المسلم شيئاً من هذه المعادن، يجب الخمس هنا بعد إخراج ما صرفه من مصاريف لإخراج المعدن، ثم تخميس الباقي إن بلغت قيمته عشرين ديناراً ذهبياً أي ما يعادل (مئة غرام من الذهب) في عصرنا الحاضر، فلو فرضنا انه أخرج معدناً يساوي خمسمائة غرام قيمة من الذهب، وكان قد صرف مائة غرام قيمة من الذهب لإخراج المعدن، فتكون قيمة المعدن الصافي بعد أخراج المصاريف أربعماية غرام ذهب، فيجب عليه في هذه الحالة دفع ما قيمته ثمانية غراماً ذهبياً وهو مقدار الخمس في هذا الفرض.

ثالثاً: الكنز: وهو المال أو المعادن الثمينة أو غير ذلك ما تركته الشعوب القديمة في باطن الأرض، فمن استخرج كنزاً وجب عليه دفع خمسه، إذا بلغت قيمة الكنز عشرين ديناراً ذهبياً (مائة غرام من الذهب تقريباً)، فإذا كان قيمة الكنز أقل من ذلك لا يجب فيه الخمس، وهنا أيضاً لا بد من إخراج واستثناء ما صرفه من أخرج الكنز من مصاريف، فإذا بقي بعد إخراج المصاريف ما يقارب قيمته مائة غرام من الذهب وجب الخمس كما قلنا، وقد جاء في وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) للإمام علي (عليه السلام): (يا علي، إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام – إلى أن قال – ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله واعلموا أنما غنمتم...).

رابعاً: الغوص: وهو عبارة عن كل ما يُخرجه المسلم من البحر كاللؤلؤ والمرجان وغير ذلك كالعنبر، فهذا أيضاً يجب فيه الخمس بعد إخراج المصاريف التي دفعها لإخراج الجواهر من البحر، ويشترط أن تبقى قيمة ما أخرجه بعد استثناء المصاريف ديناراً ذهبياً واحداً (أي ما يقارب من خمسة غرامات من الذهب) وفي الرواية عن الإمام الكاظم (عليه السلام) عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت الزبرج وعن معادن الذهب والفضة ما فيه؟ قال: إذا بلغ ثمنه ديناراً ففيه الخمس.

خامساً: الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم: والذمي هنا هو عبارة من غير المسلم، لكنه الذي يعيش بين المسلمين ولديه عهد أمان منهم، وهو غير محارب لهم ولا معين لأعدائهم، ويلتزم بعدم ارتكاب المحرمات الإسلامية علناً في بلاد المسلمين، فمثل هذا الذمي إذا اشترى أرضاً من مسلم كان من الواجب عليه دفع خمس قيمتها لمالية الدولة الإسلامية، ولو أسلم بعد شرائه للأرض يبقى دفع خمس ثمنها واجباً عليه، نعم لو كان الذمي قد أسلم قبل الشراء وثبت إسلامه بين الناس فهو مسلم ولا يجب عليه دفع خمس قيمتها لأن الأرض في هذا المورد قد انتقلت من مسلم إلى مسلم آخر، وهذا لا خمس فيه لمجرد الشراء. وقد جاء في الرواية: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: أيا ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس)، وكذلك عن الإمام الصادق (عليه السلام): (الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس).

سادساً: المال الحلال المخلوط بالمال الحرام: بمعنى أن يكون لدى الإنسان مال من أبواب الحلال، لكن دخل على ماله مال آخر من أبواب الحرام كما لو سرق أو تاجر بالمحرمات أو غير ذلك، ولم يكن مقدار الحرام من المال معروفاً لا قيمة ولا صاحباً ولو في عدد محصور من الناس، أما لو كان مقدار الحرام محدّداً كما لو كان ربع المال أو ثلثه وجب إخراجه ثم تخمين ما يبقى ليصبح خمساً، وإذا كان صاحبه معروفاً أو محصوراً في عدد محدد من الأشخاص وجب الفحص بينهم وإذا لم يستطع التعرف إلى صاحبه بالتحديد من بين هذا العدد المحصور يرجع إلى الحاكم الشرعي ليعرف ما هو حكمه في هذا المورد.

وقد وردت روايات كثيرة تصرّح بوجوب إخراج الخمس من المال الحلال المخلوط بالحرام إذا لم يكن مقدار الحرام معروفاً ولا صاحبه معروفاً أصلاً، ففي الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (جاء إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أصبت مالاً أغمضت فيه أفعليّ توبة؟ قاتل (عليه السلام) إئتني بخمسه، فقال: هو لك: إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه)، وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام): (أتى رجل أمير المؤمنين فقال: إني كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة لا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط عليّ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): تصدّق بخمس مالك فإن الله قد رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك حلال).

سابعاً: ما يفضل عن مؤنة الإنسان السنوية: والمراد من "المؤنة " هنا هو كل ما يحتاجه الإنسان في معيشته من المأكل والمشرب والملبس والمسكن والطبابة وأجهزة التعليم وحجه وزيارته وهداياه ورحلاته الترفيهية بدون إسراف أو تبذير ومصاريف من يقوم بهم كأبنائه وزوجته، ومثل وفاء النذورات أو الكفارات وأجور الخادمة إذا كان محتاجاً إليها في شؤون منزله، و بالجملة فالمؤنة هي كل ما يصرفه الإنسان في حياته من الناحية المعيشية من كل جوانبها التي تحتاجها الناس عادة بحسب شأنهم ومالهم من الغنى والفقر وما شابه ذلك.

فلو فرضنا ان الإنسان كان يكسب مالاً للصرف في كل ذلك، ومع هذا زيد عنده بعد سنة من بدء تاريخ الصرف، فهذا الزائد يجب إخراج خمسه لأنه فاضل عنه ولم يكن محتاجاً إليه، ولو احتاجه خلال سنته لما بقي عنده، فبقاؤه دليل عدم الحاجة إليه فيجب عليه إخراج الخمس منه.

والأصل في هذه المسألة هنا لأنها من أكثر مسائل الخمس ابتلاءً عند الناس أن كل ربح يحصل عليه الإنسان سواء من رأسمال تجاري أو من وظيفة أو مهنة أو حرفة وصنعة يجب عليه إخراج خمس ما يربحه من ذلك، لكن الإسلام ومن باب الرأفة بالمسلم والتسهيل عليه أجاز له أن يصرف كلما يربح لمدة سنة من دون إخراج الخمس، ولكن بشرط انه إذا بقي لديه شيء مما ربحه بعد انتهاء السنة يجب إخراج خمس الباقي، فمثلاً لو كان رأس سنة المكلّف 1/1/1422 هـ، وكان راتبه في الشهر مليون ليرة، وكانت مؤنته الشهرية من هذا الراتب تعادل تسعماية ألاف، بحيث كان يوفر شهرياً ماية ألاف ليرة فعندنا يأتي تاريخ 1/1/1423هـ، يكون قد بقي معه (مليون ومايتا ألف ليرة) وهذا المبلغ المتبقي هو الذي يجب عليه إخراج خمسه، وإذا فرضنا ان مؤنته الشهرية كانت تتطلب صرف كل رابته الشهري، بحيث عندما يأتي رأس سنته وليس معه شيء، فلا يجب عليه الخمس لأن ما يكسبه هو تماماً ما يحتاج إليه لمعيشته وتدبير أمور نفسه وعائلته في احتياجاتها المعيشية.

فالخمس في هذا المورد يتعلق بـ "المبلغ المتبقي بعد الصرف في المؤنة خلال سنة كاملة" ولا يتعلق الخمس بـ "المبلغ المنتج والمكتسب"، لأن الخمس في هذه الحالة قد يكون صعباً وحرجياً على الكثير من الناس.

وقد وردت روايات كثيرة تدل على وجوب الخمس في الفاضل عن المصروف السنوي للإنسان وهو المسمّى شرعاً بـ"المؤنة"، ومنها ما يلي: (كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): أخبرني عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيده الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع وكيف ذلك؟ فكتب (عليه السلام) بخطه الخمس بعد المؤنة)، ومنها صحيح البزنطي قال: (كتبت إلى ابي جعفر (عليه السلام): (الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة؟ فكتب (عليه السلام) بعد المؤنة).

ونورد بعض الإستفتاءات الموجّهة إلى سماحة ولي أمر المسلمين ومرجعهم الأعلى الإمام الخامنئي "دام ظله" في هذا المجال:

س :911- ما هو رأي سماحتكم في الكنز الذي يعثر عليه الأشخاص في أرضهم التي يملكونها؟

ج: (إذا لم يحتمل أن يكون ما وجده لمالك الأرض قبله فهو لواجده، وكان عليه الخمس إذا بلغ عشرين ديناراً في الذهب، ومايتي درهم في الفضة، وقيمة أحدهما في غيرهما، هذا إذا لم يمنعه أحد من تملك ما وجده).

س :913 – لدينا شبهة وهي: أن إخراج خمس المعادن المستخرجة واجب في الوقت الحاضر، لأن وجوب خمس المعادن من الحكام المسلّمة عند الفقهاء العظام ؟

ج : من شروط وجوب الخمس في المعادن أن يستخرجها شخص أو أشخاص بالاشتراك بشرط بلوغ نصيب كل واحد منهم النِّصاب، على أن يكون ما استخرجه منها ملكاً له، و حيث أن المعادن التي تستخرجها الحكومة ليست ملكاً لشخص... بل هي ملك للجهة فيكون شرط وجوب الخمس فيها مفقوداً... نعم في المعادن التي يستخرجها شخص خاص أو أشخاص بالاشتراك يجب عليهم فيها الخمس إذا بلغ ما استخرجه في الأول، أو نصيب كل واحد منهم في الثاني- بعد استثناء مؤنة الإسخراج والتصفية – النصاب وهو عشرون ديناراً أو مئتا درهم عيناً أو قيمة.

س :914- لو دخل مال حرام إلى مال إنسان فما هو حكم ذلك المال وكيف يحلّ؟ وإذا كان هناك علم بحرمته أو لم يكن فماذا يجب عليه أن يفعل؟

ج : إذا تيقن بوجود المال الحرام في أمواله، ولكنه يعلم مقداره بشكل دقيق ولا يعرف صاحبه، فطرق حليته أن يؤدي خمسه، وأما لو شك في اختلاط أمواله بالحرام فليس عليه شيء.

والحمد لله رب العالمين2.