الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

موارد بيت مال المسلمين ومصاريفه

من الواضح أن بيت مال المسلمين كان من المعتبر أنه بمثابة وزارة المالية في العصر الحاضر وفق التنظيم العام للدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، فقد كانت تُجبى إليه الأموال من المصادر كافة التي كان من المتعارف أنها تزود بيت المال كالزكاة وغنائم الحروب وأراضي الأنفال وغير ذلك، ونحن في هذه المقالة سنلقي الضوء على مصادر بيت مال المسلمين المالية، وعلى المصاريف التي كان بيت المال ينفقها في أمور ومصالح المسلمين والأمة.

أولاً : مصادر بيت المال :

أ – الخمس : وهو ضريبة على الأرباح التي يجنيها المسلمون وتتوزع ضريبة الخمس على سبعة عناوين هي:

1 – ما يفضل عن مؤونة معيشة الإنسان السنوية : فلو فرضنا أن المسلم يكسب سنوياً خمسة ملايين ليرة ويصرف منها لشؤون معاشه وأمور عائلته أربعة ملايين، فالزائد عنده هو مليون ليرة وهو الذي يتم أخذ خمسه لبيت المال.

2- غنائم الحرب : وهو المال المأخوذ ممن يجوز قتالهم بسبب حربهم للمسلمين أو بسبب وقوفهم إلى جانب أعداء المسلمين ومساعدتهم وغالباً ما يكون هؤلاء من الكفار والملحقين بهم، والمال هنا أعم من الأموال النقدية أو البناء أو الأرض المزروعة أو غيرها.

3- المعادن : وهي عبارة عن الثروات الطبيعية الموجودة في الأرض والتي كان الناس يستخرجونها في تلك العصور من باطن الأرض، وإن كان قد صار من المتعارف عليه في أيامنا هذه أن المعادن تعتبر من مصادر الدولة المالية غير المملوكة لفرد أو أفراد من المسلمين، باعتبار أن غالبية هذه المعادن كانت توجد في الأماكن البعيدة عن السكن أي عن المدن والقرى والعمران.

4- الغوص : وهو عبارة عن الجواهر التي يستخرجها الناس من البحر كاللؤلؤ والمرجان وما شابه ذلك.

5- الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم : فأي أرض يشتريها الذمي وهو الذي يكون من غير المسلمين ويعيش ضمن إطار الدولة الإسلامية فإذا إشترى أرضاً أو بيتاً أو مصنعاً أو بستاناً أو غير ذلك من مسلم يجب عليه دفع خمسه إلى بيت مال المسلمين.

6- المال الحلال المخلوط بالحرام : وهو عبارة عن الإنسان الذي يجمع المال من طرق الحرام والحلال معاً من دون معرفة مقدار الحرام ولا أصحاب هذا المال الحرام فيجب تخميسه لتحليل ما يتبقى معه ويكون الخمس لبيت المال.

7- الكنز : وهو المال المدفون عادة في الأرض أو يكون في أعماق البحار ويستخرجه الناس ولم يكن له علامات تدل على مالك معلوم من زمن قريب وهذا يجب فيه الخمس أيضاً.

ب – الزكاة : وهي من نوع المصادر المهمة للدخل ولبيت مال المسلمين، وكان من المعوّل عليه أكثر من غيرها في السابق بسبب أن الزراعة كانت المورد الأساس لمعيشة الناس وكذلك الأنعام كالبقر والجمال والغنم.

والزكاة عندنا تجب في تسعة موارد لا غير هي:

1- الغلات الأربع : وهي – القمح – الشعير – التمر – والزبيب- ولا تجب في غير ذلك ويعتبر في وجوب الزكاة هنا بلوغ "النصاب" وهو الحد الأدنى ومقداره بزمن اليوم (847.207 كلغ) أي "ثمانماية وسبعة وأربعون كلغ ونصف تقريباً".

2- الأنعام الثلاثة : وهي – البقر – الجمال – والغنم – وفي كل منها يشترط "النصاب" الشرعي لإخراج الزكاة، ففي البقر النصاب هو اثنان "ثلاثون" و "أربعون"، وفي الغنم خمسة أنصبة "أربعون" و "مئة وإحدى وعشرون" و "مئتان وواحدة" و "ثلاثماية وواحدة" و "أربعماية" فما فوق حيث تجب شاة عن كل مئة ولو بلغ القطيع الآلاف، والجمال وفيها إثنا عشر نصاباً تُراجع في كتب الفقه.

3- النقدان : والمراد بهما الذهب والفضة وشرط الزكاة فيهما أن يكونا من العملة المتداولة كما كان الأمر في القرن التاسع عشر الميلادي وما قبله حيث كانت الناس في الدولة الإسلامية وغيرها تتعامل بعملتي الذهب والفضة لما لهما من القيمة الذاتية، وأما العملة الورقية المتعامل بها حالياً فلا زكاة فيها لأنها ليست عرفاً من النقدين.

ج‌- الخراج : وهي الضريبة التي كانت تفرض على الأراضي التي كان يستثمرها المسلمون من الدولة الإسلامية في الأراضي الزراعية التي هي ملك للدولة وهي التي يتم الإستيلاء عليها بالحرب والقوة، فهي ملك لجميع المسلمين ولا يصح تملُّكها وهي تحت إدارة الدولة الإسلامية، فإما أن تستثمرها بشكل مباشر أو تؤجرها للمسلمين ليستفيدوا منها ويخرجوا منها الحصة المتفق عليها مع الدولة ،ومن هنا جاءت تسمية "الخراج". وأراضي الخراج تشمل بلاد الشام والعراق وكثيراً من بلاد إيران من الدول التي حارب أهلها المسلمين، وقد كانت الأراضي الخراجية تشكل مورداً مهماً أيضاً من موارد الدولة المالية نتيجة المقاسمة بين الدولة والمزارعين في تلك الأراضي بالنسبة كالربع أو الثلث أو النصف وما شابه.

د – الجزية : وهي الضريبة التي كانت تُفرض على الأرض التي صالح أهلها المسلمين حتى لا يكون هناك حرب بينهما كما حدث مع أهل نجران في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حيث أقرهم على ديانتهم المسيحية وأخذ منهم الجزية على أن يمارسوا عباداتهم وطقوسهم الدينية بشرط عدم التجاهر بما هو حرام عند المسلمين كالخمر والخنزير وما شابه ذلك، وهذه الأرض هي المسماة بأرض "الجزية" حيث كانت تُفرض ضريبة معينة على كل من الرجل والمرأة والطفل على أن يكون هؤلاء تحت ذمة المسلمين وحمايتهم ممن يحمون منه أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.

ه – الأنفال : وهي عبارة عن كل أرض انجلى أهلها عنها وتركوها، أو كانت أرضاً مواتاً فتم إحياؤها، أو كانت أراضي مستنقعات مثلاً فتم استصلاحها وزرعها، وبالعموم فالأنفال هي الأرض التي فًتحت بعد الغزو العسكري، أو مطلق الأرض التي لا صاحب لها كشواطئ البحار والأنهار وقمم الجبال والمشاعات وكل ما لم تكن عليه يد من الأرض، وهذه كلها يجوز للدولة بيعها أو إستثمارها مباشرة أو تأجيرها أو مقاسمة أرباحها مع مستثمرين وما شابه بحيث تشكل دخلاً إضافياً وفيراً لبيت مال المسلمين.

د – الضرائب : وهي الأموال التي تفرضها الدولة على المنتجات المستوردة من البلاد البعيدة أو على مواطني نفس الدولة في الحالات التي تكون الدولة عاجزة عن تأمين كل إحتياجاتها من المصادر التي ذكرناها سابقاً، وقد اتسع هذا المصدر في الدول الحديثة حتى صار المورد الأساس لمداخيل الدول نظراً لاتساع أنظمتها الإدارية وأجهزتها العسكرية، وأما في العصر الإسلامي السابق كانت تُفرض الضريبة على الأغنياء عموماً، وخصوصاً عند تجهيز الجيوش والقيام بالمشاريع الكبيرة للصالح العام، ومورد الضريبة يتحدد وفق الحاجة ووفق قدرة الناس على التحمل ، ليتحقق التوازن بين الأموال التي ترغب الدولة بجمعها وبين معيشة الناس التي يجب أن تبقى ضمن حدود المعقول.

هذه هي بنحو الإجمال العناوين التي كانت تغذي موارد بيت المال في الدولة الإسلامية قبل ظهور الدولة بمفهومها الحديث القائم على التنوع والتوزيع في الوظائف والمهام وجمع الأموال وصرفها.

ثانياً : موارد صرف المال :

إن موارد صرف المال في الدولة الإسلامية لا يختص بمورد دون آخر، بل يشمل كل ما يؤدي إلى أن يعيش المسلمون حياة الكفاف ولو في الحد الأدنى مما يحتاجه من المأكل والمشرب والملبس والمسكن والتعليم والطبابة وغير ذلك، وإذا أردنا أن نضع عناوين للصرف سوف لن نستطيع استيفاءها جميعاً، لذا سنذكر موارد الصرف الأساسية التي يندرج تحتها الكثير من العناوين الفرعية للصرف.

أ - سد ثغرات المعوزين : بمعنى أن من أوائل وجوب الصرف للمال في الدولة الإسلامية ومن بيت المال بالتحديد هو على الفقراء والمعوزين من مواطني الدولة الإسلامية، وقد ورد العديد من الأحاديث المتضمنة صراحة هذا النوع من الصرف كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما بعث إلى عامله على مكة "قتم بن العباس" :( وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله، فاصرفه إلى من قِبَلك من ذوي العيال والمجاعة، مصيباً به مواضع الفاقة والخلات، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قِبَلِنا)، ويشمل هذا النوع من الصرف المساعدة على سد العوز من الجوع والمسكن والتزويج كما في الرواية عن أمير المؤمنين(عليه السلام) ( إن أمير المؤمنين(عليه السلام) أُتي برجل عبث بذكره، فضرب يده حتى احمرت، ثم زوّجه من بيت المال). وسبب الصرف على هؤلاء أن فقرهم قد يدفع بهم إلى ارتكاب ما لا يجوز كالسرقة والقتل وما شابه ذلك مما يتنافى مع عدالة الإسلام أولاً، وما قد ينتج عنه من تدمير لأمن وسلام المجتمع الإسلامي الذي يجب أن يبقى متوازناً في سيره بين الدنيا والآخرة ثانياً، وقد ورد أن أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يساوي في العطاء بين المسلمين فلا يزيد لبعض دون بعض بل الكل عنده سواسية يستحق كل واحد منهم ما يستحقه الآخر كما ورد في الحديث التالي (إن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام) مشوا إليه عندما تفرُّق الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية طلباً لما في يديه من الدنيا فقالوا: يا أمير المؤمنين أعطِ هذه الأموال، وفضِّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ومن تخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية. فقال لهم "ع" (عليه السلام) :( أتأمروني أن أطلب النصر بالجور لا والله لا أفعل ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم، والله لو كان ما لهم لي لواسيت بينهم وكيف إنما هي أموالهم... ).

فالإمام (عليه السلام) يعتبر أن أموال بيت المال هي للمسلمين والولي لهم مؤتمن على ذلك المال ليصرفه في شؤون المسلمين الخاصة والعامة لا ليصرفه كما يشاء ويهوى ليفرق بين الناس عن بعضهم البعض وليرشي القادة والزعماء لتقوية ملكه وسلطانه على حساب مال الله وعباد الله عز وجل.

ويشمل هذا المورد من الصرف الكثير من التفاصيل كوفاء ديون المعوزين مع ثبوت عدم قدرتهم على وفاء الديون ويشمل الصرف على طبابتهم وتعليمهم وبناء المساكن لهم وكل ما تحتاج اليه حياتهم. طبعاً هذا كله مع وفرة مداخيل الدولة للوفاء بذلك، وإلا بحسب الطاقة والأموال الموجودة عندها بنحو من التوازن والإعتدال.

ويشمل هذا المورد أيضاً غير المسلمين من مواطني الدولة الإسلامية كالمسيحيين أو اليهود أو كل من هو تحت ذمة المسلمين وفي حمايتهم داخل حدود دولة الإسلام، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) (الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

ب – عمارة الأرض : ويشمل هذا العنوان الإعتناء بالمشاريع العامة الراجعة منفعتها إلى عموم الناس كبناء المدارس والمستشفيات والخانات قديماً، ومشاريع الري ،وتعبيد الطرقات، وإقامة أماكن الترفيه واللعب، وبناء الحدائق ،وإنارة الطرقات ،وتوفير المياه للمواطنين عموماً من مسلمين وغير مسلمين، ولذا نرى أن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول (... ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً...).

ج – إيواء المشردين والأيتام : وهذا مورد من موارد الصرف أيضاً إذ كثيراً ما يحدث أن يكون هناك أيتام ولا معيل لهم، أو يوجد مشردون ولا كفيل لهم، فهنا تكون الدولة الإسلامية مطالبة بإيواء هؤلاء جميعاً وتوفير سبل العيش الكريم لهم حتى لا يكون هناك ضغينة في صدورهم ضد المجتمع فيمكن أن يصبحوا لاحقاً عناصر مفسدة في الأرض بسبب تشردهم أو يتمهم وعدم إحتضان المجتمع لهم.

د – حماية دولة الإسلام : وهي عبارة عن تجنيد أفراد من أبناء الأمة الإسلامية للدفاع عن حدود والدولة الإسلامية في مواجهة الأعداء لحمايتهم من أي عدوان محتمل، وكذلك نشر قوى الأمن "الشرطة" في داخل البلد لحماية الأمن الداخلي للناس من السرقات أو الجرائم وما شابه، وهذا مورد كبير من موارد الصرف نظراً للموازنات الضخمة التي يحتاجها هذا المورد الحيوي والمهم، حتى لا تكون الدولة الإسلامية معرضة لخطر الإعتداء والإجتياح إذا لم تحمِ حدودها الخارجية ولم تصن أمنها الداخلي من العابثين بالأمن والسلم.

ه – تقوية مجالات الإنتاج : كالصناعة والزراعة والتجارة وتوفير السبل التي تؤمن موارد العيش الكريم للناس، فتبني الدولة المصانع ليعمل الناس فيها أو تقرض الناس لبناء المشاريع الصناعية والزراعية والتجارية وكل ما يمكن أن يكون مورداً لحاجات الناس، وما شابه ذلك لتحقيق الكفاية لكل أفراد المجتمع. ومثل هذه المشاريع يمكن أن تكون بيد الدولة ولها حق التصرف، أو يمكن أن تكون مشتركة بين الدولة والناس، ويمكن أن تكون للناس لكن للدولة حق الإشراف حتى لا تضيع الموازين أو الحقوق وما شابه ذلك.

و – التكافل الإجتماعي : وهو عبارة عن سعي الدولة الإسلامية إلى تقريب مستوى عيش الناس عندما تجد تفاوتاً في نمط العيش بين فئة مترفة واجدة لكل ما تريده، وبين فئة مستضعفة لا تجد ما تسد به رمقها، فهنا تكون الدولة الإسلامية مطالبة بالعدل والإنصاف بين مواطنيها حتى لا يحصل خلل إجتماعي يهدد السلم الأهلي والأمن القومي الإجتماعي للناس، من خلال الحث على التبرع أو عبر اللجوء إلى نوع من الضريبة على الأغنياء لتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم لمن هم دون هذا المستوى، وفي هذا تطبيق للمبدأ الإلهي القرآني ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ... 1.

هذا أيضاً بنحو الإجمال موارد الصرف في الدولة الإسلامية التي تشمل تقريباً كل وظائف الدولة، وإن إختلفت التسميات وتفرعت العناوين إلا أنها جميعاً مندرجة بأكثرها تحت العناوين الرئيسية التي ذكرناها.

والحمد لله رب العالمين.2

  • 1. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 90، الصفحة: 277.
  • 2. نُشرت هذه المقالة على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد بتاريخ:السبت, 15 شباط/فبراير 2014.