مجموع الأصوات: 1
نشر قبل 3 أسابيع
القراءات: 177

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الرسالات والرساليون وحدة الشعار والبرنامج

سورة الشعراء تتحدث عن تجارب عدد من الأنبياء والرسل، وعن مراحل الدعوة الرسالية مع أقوامهم.
من الأنبياء الذين أشارت اليهم هذه السورة هم: نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب. وقبل هؤلاء بالطبع ذكرت السورة جانباً من قصص النبيين العظيمين: موسى وابراهيم عليهما السلام بتفصيل اكبر من سائر الانبياء المذكورين.
الملفت للنظر عند التدبر في آيات هذه السورة فيما يتعلق بالانبياء الخمسة الذين ذكرناهم هو تكرار عبارة واحدة تلخص رسالتهم ومحتوى دعوتهم الرسالية:
كل هؤلاء الأنبياء (نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب) قالوا لأقوامهم:﴿ ... أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 12.

برنامج موحّد في الدعوة، وشعار واحد، حتى العبارة والكلمات نفسها، ورسالة واحدة.
هؤلاء الأنبياء الخمسة مختلفون فيما بينهم في الأزمنة التي بُعثوا فيها وفي الجغرافيا، وفي المجتمعات، وفي المساحة التي شملتها دعوة كل واحد منهم. مع كل ذلك فإن دعوتهم كانت واحدة، ورسالتهم واحدة، وشعارهم وكلماتهم واحدة.

نحن والانبياء

ماذا يعني هذا بالنسبة لنا حين نقرأ آيات القرآن؟
لا شك إنَّ القرآن الكريم - وهو كلام الله عز وجل - لم يذكر الانبياء كقصص تاريخية للاطلاع أو التسلية، إنما هي دروس وعبر وبرامج عمل علينا الاهتداء بها في الحياة.
ربما تعني هذه الطريقة من العرض بالنسبة لهؤلاء الأنبياء الخمسة:

التغيير على خطى الانبياء

1- أن على كل من يحمل دعوة إصلاحية، ورسالة تغييرية في مجتمعه، بالأخص اولئك الرساليون الذين ينطلقون من قاعدة الدين ويتحركون باسم الله تعالى، عليهم أن يؤكدوا على النقاط المشتركة، والقواسم المشتركة فيما بينهم، حتى ولو اختلفوا في الوسائل والتكتيك.
كل الرساليين، وكل الدعاة الى الله، وكل المصلحين الذين ينشدون الخير لمجتمعاتهم لا بد أن تكون شعاراتهم وبرامجهم واحدة ومتقاربة ومتناغمة ومتجانسة ومتكاملة، حتى يضمنوا التقدم والنجاح.
ولو أمعنّا النظر في تاريخ الحركات الإسلامية المعاصرة لوجدنا أنَّ أخطر تهديد لها هو التحرك من منطلقات اتباع الهوى والأنانيات والذاتيات والمصالح الحزبية، وليس المصالح العامة للأمة.
إن كنا رساليين ودعاة الى الله تعالى فلا بد أن نحذو حذو الأنبياء والرسل في برامج الدعوة والإصلاح والعمل التغييري. وأهم ما في برامج الرسل ومناهجهم هو: وحدة الرسالة، ووحدة الشعار، ووحدة المنهج.

نعم للتقوى.. لا للهوى

2- دعوة الرسل تبدأ بعبارة:﴿ ... أَلَا تَتَّقُونَ 3 إنها دعوة الى التقوى. ثم بعد أن يعرِّف كلُّ نبيٍّ نفسه قائلاً: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) يكمل رسالته بالقول:﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ 4، فيطالب قومه بتقوى الله وإطاعة الرسول المبتعث من قبل الله تعالى.

ومما نستلهمه من عبارة ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ 5:
اولاً:﴿ إِنِّي لَكُمْ ... 5 فليس الرسول لنفسه ومصالحه وذاتياته، إنما هو لمجتمعه وقومه وهو يستمر على هذا الخط الى آخر لحظة من حياته.
ثانياً:﴿ ... رَسُولٌ ... 5 فهو يحمل رسالة من الأعلى، ليست أفكار بشرية قاصرة، إنما هي رسالة مقدّسة.
ثالثاً:﴿ ... أَمِينٌ 5 لا يخون الرسالة، ولا يخون قومه، بل يؤدي الأمانة الالهية بجدارة.

لكي نكون صادقين

3- إذن، فعلينا كاسلاميين ناشطين في الساحة، أن نكون للناس - أولاً - لا أن نريد الناس لأنفسنا. ثم أن نحمل رسالة الله حقاً وليس ادّعاءً، أي لا نتشبَّث بأفكار وبرامج ذاتية نابعة من مصالح شخصية أو حزبية. هذا ثانياً. وأخيراً أن تكون الأمانة هي الصبغة الأساسية لحياتنا ونشاطاتنا وتحركنا. فالناس امانة في أعناقنا. والمال العام أمانة بايدينا. والمبادئ الرسالية أمانة في دعوتنا وعملنا.

وهكذا، نستطيع أن نكون صادقين مع الله، ومع أنفسنا، ومع أمتنا.

كيف ننصر الله؟

وهكذا نستطيع أن نحرز الفوز والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة. فالله تعالى الذي وعد الإسلاميين بالنصر وقال لهم: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) قدّم عطاء العاملين أولاً وذلك بأن ينصروا الله، فاذا فعلوا ذلك نصرهم الله. وأنْ تنصر الله يعني أن تهتدي بنور كتابه، وأن تستلهم شعاراتك وبرامجك ومناهجك من الأنبياء والرسل الذين كانوا أبرز الدعاة الى الله، وأن تكون أمينا في أداء رسالتك الى حد التضحية بنفسك من أجل الأهداف والمجتمع، وليس التضحية بالأهداف والمجتمع من أجل مصالحك.
وبكلمة: إن إخفاقات الإسلاميين في كل مكان وزمان إنما هي بسبب التشتت والتشرذم واتباع الأهواء بدلاً عن التقوى واتباع العلم والهدى.