حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
الضابطُ فيما يتحقَّقُ به قتلُ العمد
شخصٌ يقود السيارة بسرعة في طرقات القرية وهو يحتمل قويًا أنْ يصطدم بشخصٍ ما بسبب طبيعة المنطقة ويعلم يقينًا بأنَّه لو اصطدم بشخص فسوف يقتلُه، وذلك لأنَّه نادرًا ما ينجو أحد من الموت بهذه الصدمة، ومع ذلك بقي يقودُ سيارته بالسرعة نفسها واتَّفق فعلًا أن اصطدم بأحد الأشخاص وقتله، فهل هذا يُعدُّ من قتل العمد؟
الجواب:
لا يعدُّ ذلك من قتل العمد، فقتلُ العمد هو أنْ يتعمَّد بفعله القتل أي أنَّه يكون قاصدًا للقتل فيتَّفق وقوع القتل سواءً كان ما فعله ممَّا يقتل عادة أو لا، وكذلك يتحقَّق قتلُ العمد بما لو استعمل متعمِّدًا ما يقتل عادةً وإن لم يكن قاصدًا للقتل، وفي كلا الفرضين لا بدَّ من وجود مَن هو مقصودٌ بإيقاع الفعل عليه ولو بنحوٍ عشوائي كما لو كان هناك أشخاص يعلمُ بأنَّه لو أطلق الرصاص في جهتهم فإنّه سيُصيب أحدهم جزمًا فأطلقه فاتَّفق أنْ أصاب أحدَهم فقتله فذلك يُعدُّ من قتل العمد.
وأمَّا في مفروض السؤال فإنَّ القائد للسيارة لا يعلم بأنَّه سوف يصطدم بأحد وإنْ كان يحتمل ذلك قويًّا، فهو وإنْ كان يقطع بأنَّه لو اصطدم بأحدٍ فإنَّه سيقتلُه لكنَّه لم يكن يقطع أنَّ سرعته ستؤدِّي جزمًا للاصطدام بأحد لذلك لا يعدُّ قتله لأحدٍ لو اتَّفق وقوعه مِن قتل العمد. نعم هو من قتل الخطأ الموجب للدية والكفَّارة ولأنَّه كان مستهترًا لذلك يكون مستحقًّا للتعزير من الحاكم.
والذي يدلُّ على أنَّ ضابط قتل العمد هو أحد الفرضين ما ورد في الروايات عن أهل البيت (ع):
فمِن ذلك صحيحة الْحَلَبِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): الْعَمْدُ كُلُّ مَا اعْتَمَدَ شَيْئًا فَأَصَابَه بِحَدِيدَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ بِعَصًا أَوْ بِوَكْزَةٍ فَهَذَا كُلُّه عَمْدٌ، والْخَطَأُ مَنِ اعْتَمَدَ شَيْئًا فَأَصَابَ غَيْرَه". 1
فالمناط في تحقُّق قتل العمد -بمقتضى ظاهر الرواية- هو تعمُّد القتل وقصد إيقاعه على المجني عليه سواءً توسَّل لذلك بما يقتلُ عادةً كالحديدة أو توسَّل لذلك بما لا يقتل عادةً كالوكزة أو الضرب بالعصا وإنْ كان بمقدار ضربةٍ أو ضربتين كما هو مقتضى الإطلاق، فالمناط فيما يتحقَّق به قتلُ العمد هو تعمُّد القتل وقصده بقطع النظر عن الوسيلة المعتمَدة في ذلك أي سواءً كانت قاتلة في العادة أو لا.
وأمَّا الفرض الثاني فتدلُّ عليه مثل صحيحة أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قُلْتُ لَه: أَرْمِي الرَّجُلَ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَا يَقْتُلُ مِثْلُه؟ قَالَ: هَذَا خَطَأٌ ثُمَّ أَخَذَ حَصَاةً صَغِيرَةً فَرَمَى بِهَا قُلْتُ: أَرْمِي بِهَا الشَّاةَ فَأَصَابَتْ رَجُلًا؟ قَالَ: هَذَا الْخَطَأُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيه، والْعَمْدُ الَّذِي يَضْرِبُ بِالشَّيْءِ الَّذِي يُقْتَلُ بِمِثْلِه". 2
فقوله (ع): "والْعَمْدُ الَّذِي يَضْرِبُ بِالشَّيْءِ الَّذِي يُقْتَلُ بِمِثْلِه" يدلُّ على أنَّ مناط تحقُّق العمد هو استعمال ما يقتل عادةً سواءً قصد الفاعل من ذلك إيقاع القتل بالمجني عليه أو قصد الإيذاء فاتَّفق وقوع القتل كما لو ضربه بالسيف على رأسه بقصد الإيذاء فاتفق وقوع القتل، أو رماه من شاهقٍ بقصدٍ إعطابه فقُتل فذلك من قتل العمد.
وكذلك يدلُّ على تحقُّق قتل العمد باستعمال ما يقتلُ عادةً صحيحةُ الفضل بن عبد الملك عنه (عليه السلام) أنَّه قال: "إذا ضرب الرجلُ بالحديدة فذلك العمد، قال: وسألتُه عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة أهو الرجل يضرب الرجل فلا يتعمَّد قتله؟ قال: نعم، قلتُ: فإذا رمى شيئا فأصاب رجلًا؟ قال: ذلك الخطأ الذي لا يُشكُّ فيه، وعليه كفارة ودية". 3
فإنَّ صدر الرواية يدلُّ على أنَّ الضرب بما يقتل عادة "الحديدة" يكون من قتل العمد سواءً قصد الفاعل من ضربه -للمجني عليه بالحديدة- قتله أو لم يقصد قتله وإنَّما قصد إيذاءه فاتَّفق وقوع القتل.
ومفروض السؤال وإن كان يشترك مع الفرض الثاني في كون الوسيلة قاتلة في العادة إلا أنَّ الفرق بينهما هو أنَّه لم يوجِّه فعله لمقصود فهو أشبه بمن ألقى صخرة قاتلة من وراء جداره فأصابت شخصًا فقتلته، فالمجني عليه لم يكن مقصودًا أساسًا وإن كان يُحتمل مروره والمقصود محضًا من قِبل الفاعل هو إلقاء الصخرة إلى خارج الدار، ولذلك لا يُعدُّ قتله لأحد المارة من قتل العمد.
والحمد لله ربِّ العالمين. 4