مجموع الأصوات: 15
نشر قبل 4 أشهر
القراءات: 789

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

الفكر الإسلامي والديمقراطية وأزمة المعرفة

الفكر الإسلامي المعاصر في وجهته العامة، ما زال يعاني اضطراباً في علاقته بمسألة الديمقراطية، ويواجه صعوبة في حسم موقفه الفكري والمعرفي منها، حيث تتعدد في منظومته وجهات النظر بطريقة متباينة، ومتصادمة أحياناً، تكشف عن تفاوت مستويات التطور والتراكم، والانفتاح الفكري والسياسي بين اتجاهات وخطابات الفكر الإسلامي المعاصر.
فهناك من يحدد موقفه على أساس أن الديمقراطية هي جزء لا ينفك أو ينفصل، عن طبيعة مكونات الخطاب الفكري والفلسفي الغربي، بوصف أن الديمقراطية مذهبا فكريا واجتماعيا ينتمي إلى الفكر الغربي، وهناك من يرى إمكانية الفصل والتفكيك بين الديمقراطية كطريقة في إدارة الممارسة السياسية وتنظيم السلطة، وفي بناء وتكوين الاجتماع السياسي، وبين تلك الأبعاد الفكرية والفلسفية التي تتصل بالفكر الغربي. وهناك من يرى أن الشورى في الإسلام هي البديل عن الديمقراطية في الفكر الغربي، وبين من يرى أن هناك ديمقراطية في الإسلام ينبغي الكشف عنها والالتزام بها، وهكذا من يرى إمكانية الجمع بين الديمقراطية والشورى، وأن لا تعارض وتصادم بينهما، بوصف أن الديمقراطية هي آليات محايدة، وأن الشورى هي الفلسفة السياسية للحكم والدولة، إلى جانب من يرى في الديمقراطية كفراً واستلاباً وإتباعا للأجنبي، وخروجاً على التشريع الإسلامي، وعصياناً لأمر الله سبحانه وتعالى.
فهل الإسلام يتعارض مع الديمقراطية؟ وهل أن الديمقراطية ضرب من الكفر أو المنكر؟ أم أن هذا تقول على الإسلام، وهو منه برىء؟ طرح هذا السؤال على الشيخ يوسف القرضاوي فأجاب عنه في كتابه: (فتاوى معاصرة) الجزء الثاني، متقصدا التفصيل والإسهاب، ومن أبرز ما جاء في إجابته: (الغريب أن بعض الناس يحكم على الديمقراطية بأنها منكر صراح، أو كفر بواح، وهو لم يعرفها معرفة جيدة، تنفذ إلى جوهرها، وتخلص إلى لبابها، بغض النظر عن الصورة والعنوان... فهل الديمقراطية تنافي الإسلام؟ ومن أين تأتي هذه المنافاة؟ وأي دليل من محكمات الكتاب والسنة يدل على هذه الدعوى؟
الواقع أن الذي يتأمل جوهر الديمقراطية يجد أنه من صميم الإسلام، فهو ينكر أن يؤم الناس في الصلاة من يكرهونه، ولا يرضون عنه، وإذا كان هذا في الصلاة فكيف في أمور الحياة والسياسة؟) وقبل أن يختم الشيخ القرضاوي كلامه، اعتبر نفسه أنه من المطالبين بالديمقراطية، وحسب قوله: (وأنا من المطالبين بالديمقراطية بوصفها الوسيلة الميسورة والمنضبطة، لتحقيق هدفنا في الحياة الكريمة) والنتيجة التي خرج بها الشيخ القرضاوي، وختم بها كلامه في الأسطر الأخيرة منه هي: (وبهذا تقترب الشورى الإسلامية من روح الديمقراطية، وإن شئت قلت يقترب جوهر الديمقراطية من روح الشورى الإسلامية)
وإلى اليوم لم يتطور مستوى النقاش الفكري والسياسي في داخل الفكر الإسلامي بالقدر الكافي حول مسألة الديمقراطية، رغم الاقتراب منها، وكونها أصبحت من المسائل المبتلى بها حسب التعبير الفقهي، ومع ارتفاع وتيرة الحديث عنها منذ العقد الأخير من القرن العشرين. وما لم يتطور ويتراكم مستوى هذا النقاش، فإن ذلك التضارب والتصادم سوف يبقى على حاله، معبراً عن حالة من الاضطراب في بنية وتكوينات الخطابات الإسلامية المعاصرة.
ولعل من أكثر ما كشفت عنه هذه المسألة، هي تلك الأزمة التي أخذ يوصف بها الفكر السياسي الإسلامي، وذلك الضمور في النمو الفقهي والدستوري الذي ظل يعاني منه هذا الفكر. تلك الأزمة التي يحدد إطارها العام في طبيعة رؤية الفكر السياسي الإسلامي لمفهوم الدولة، والضعف الفقهي والدستوري الذي يمكن وصفه بالخطير، في القدرة على بناء رؤية جديدة لمفهوم الدولة الحديثة1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ، العدد 14578.