مجموع الأصوات: 92
نشر قبل 5 سنوات
القراءات: 5039

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

تبسيط وحل الازمات

خلقنا ضمن المعادلة العادلة لله سبحانه وتعالى ﴿ ... لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ... 1، فضمن معادلة البلاء والمصائب والمشكلات خلقنا، والهدف من هذا أن يرى الله سبحانه أيّنا أحسن عملا أمام تلك المصائب والمشكلات.
كثيرون هم الذين يتمنون حياتهم دون مصاعب ومشاكل وتحديات، لكنها أمنيات خارج سياق الامتحان للخلق، وخارج سياق البلاء الذي أعده الله للإنسان كي تكون دار الدنيا بالنسبة لهم مزرعة للآخرة.
إن جزءا كبيرا من التوترات التي تظهر في العمل، أو في الاستثمار وعالم المال، وكذلك التضجر الذي يبديه بعض الأزواج من شريك الحياة، والتذمر الذي يلحظ من بعض الأسر حول بعض تصرفات أولادهم، والتوترات التي تشهدها مراكز الاستشارات الأسرية في كل مكان، والهموم التي تعلو صدور الناس وتقلق راحتهم في قضايا حياتية مختلفة، كل ذلك ناشئ من تصوّر الناس أن الحياة يمكن أن تكون صافية من المشكلات والمصائب والابتلاء.
إنهم يلحظون السعادة مرتسمة على بعض الناس وبعض الوجوه، فيعتقدونها وجوهاً لا تحمل قلوبها آلاماً، ولا يعيش أصحابها تحديات ومشاكل، ولا يفقه أهلها معنى الأزمات، وهذه اعتقادات محض خاطئة وبعيدة كل البعد عن طبيعة الحياة التي يعبّر عنها الشاعر بقوله:
طبعت على كدر وأنت تريدها=صفوا من الأقذاء والأكدار
فإذا كان لكلٍّ مصيبته وبلاؤه ومشكلاته وأزماته، فلماذا ترفرف السعادة على بعض الوجوه، وتعمر الفرحة دائماً بعض القلوب، في حين تبقى أفئدة أخرى منكسرة مريضة سليبة؟
لماذا نلحظ أناساً تغمرهم الفرحة، وترتسم على وجوههم البسمة في حين نشاهد آخرين يعيشون النكد والقلق والألم والأمراض النفسية مع أن لكل مشاكله ومصائبه؟
أعتقد أن الأمر يعود لتعامل الإنسان مع المشكلات التي تصيبه، وهنا أشير إلى ثلاثة أساليب يتعامل بها الناس مع مشاكلهم، وهي ذات أثر بالغ في بقاء السعادة هنا وارتحالها هناك.
الأسلوب الأول: تضخيم المشكلة، إن الكثير من مساحات العلاقة بين الناس سوية ومنتظمة، ومناطق التوتر محدودة، لكن الخطأ هو في سيطرة مناطق التوتر على تفكير الإنسان، لأننا لا نقبل ببقائها دون أن تزحف على كامل علاقاتنا.
لقد اطلعت على بعض التفاصيل في قضية انفصال بين رجل وامرأة تمتلك الكثير من القدرات والكفاءات، وكادت هذه القضية تحرمها كل إمكاناتها التي تتميز بها، لولا عودة التفكير الواعي لديها والذي سيطر بقوة على عملية التضخيم التي كادت تفتك بها.
الأسلوب الثاني: تجاهل المشكلة، تماما كما يتجاهل بعض الناس أمراضهم الجسدية، كبعض المصابين بارتفاع السكر أو الضغط، فيتعاملون مع غذائهم دون احتراز أو حمية.
إن هؤلاء يقعون في مشاكل صحية عديدة فتتكاثر عليهم الأمراض، وينتقلون دائما من السيئ إلى الأكثر سوءاً، وهم يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً. إن الفرق بين هذا الأسلوب والأسلوب الأول، أن الأسلوب الأول يفاقم صاحبه المشاكل ويعددها، بينما في الثاني تتفاقم المشكلة بذاتها مولدة بعض المضاعفات بسبب تجاهلها.
الأسلوب الثالث: مصادقة المشكلة، ولا أقصد بالمصادقة هنا القبول بالمشكلة والاستسلام لها، فهذا غير مقبول أبداً، لكني عنيت بمصادقتها عزيزي القارئ ثلاث نقاط سأدرجها لك مختصرة:
1- الحجم الحقيقي: فلكل مشكلة حجم معين، والتضخيم لهذا الحجم يشعرنا بالعجز عن حلها والتعامل معها، كما أن تجاهلها لا يوجد في أنفسنا الدافع لحلها وعلاجها.
الحجم الحقيقي للمشكلة هو الذي يمنحنا المقدرة على الوقوف منها على مساحة معينة مع الثقة التامة والحافز المتفائل في أنفسنا أننا قادرون على حلها وتجاوزها.
كما أن حجم المشكلة الحقيقي يجعلنا مستمتعين ببقية المساحات التي جزمنا في أنفسنا بخلوها من تلك المشكلة، وبذلك نعيش السعادة والتفاؤل، خصوصا حين نعلم أن حجم المشكلة بات بسيطاً ومحصوراً.
2- الحكمة في التعامل، في مقابل العنف والتهور، فأعقد القضايا لا يرجع سببها لمشكلة ما فقط، بل للتصرفات التي تعقب تلك المشكلة، تصرفات ملؤها الجهل والحمق والعصبية والتهور.
بينما تعني الحكمة أن يحل العقل بديلاً عن كل المعزوفة السابقة لتصطبغ أفعال الإنسان بالهدوء والتأني والنظر لعواقب الأمور.
3- الإصلاح والمعالجة دون أن نرفق ذلك بضغط نفسي داخلي يرهقنا ويتلف أعصابنا.
فما من مشكل إلا والأمل في إصلاحه قائم وممكن، وما علينا سوى السعي فقط.
أما أن نوتر أنفسنا ونضغط أعصابنا، ونربك أوضاعنا فذلك لا يمت للحل بصلة، كما أنه بعيد عن أجواء الصداقة التي افترضناها مع المشكلة. 2