مجموع الأصوات: 120
نشر قبل 8 سنوات
القراءات: 19093

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

جمع القرآن

ذهب العلماء فيما يراد بجمع القرآن إلى معنيين :

المعنى الأوّل : الجمع بمعنى " الحفظ " 1 ، و جمع القرآن بمعنى حفظ القرآن ، و جمّاع القرآن هم حفّاظه . و ممّا لا خلاف فيه أنّ حفّاظ القرآن كانوا على كثرة في عهد النبي ( صلى الله عليه و آله ) .
هذا المعنى هو الذي ورد في قوله تعالى ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ 2. قال الطبرسي : و في رواية سعيد بن جبير عنه ( ابن عباس ) أنّه ( صلى الله عليه و آله ) كان يعاجل من التنـزيل شدّة و كان يشتدّ عليه حفظه فكان يحرّك لسانه و شفتيه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي فقال سبحانه ﴿ لَا تُحَرِّكْ ... 3 أي : بالوحي أو القرآن ﴿ ... لِسَانَكَ ... 3 يعني بالقراءة ﴿ ... لِتَعْجَلَ بِهِ 3 ، أي : لتأخذه : ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ ... 4 في صدرك حتى تحفظه 5 .
المعنى الثاني : جمع القرآن بمعنى كتابته في مصحف واحد . و إذا أريد بالجمع هذا المعنى ، أي : جمع القرآن كلّه بين دفّتي مصحف واحد ، فاختلف العلماء فيه إلى قولين :

القول الأوّل : إنّ القرآن قد اكتمل جمعه في مصحف واحد منذ عصر النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، و أنّ نفراً من الصحابة ، و هم : علي بن أبي طالب ، و معاذ بن جبل ، و سالم مولى أبي حذيفة ، و أبي بن كعب ، و عبد الله بن مسعود قد جمعوا القرآن كلّه في عهد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
القول الثاني : إنّ القرآن لم يجمع في مصحف واحد في عهده ( صلى الله عليه و آله ) و إنّما بعد وفاته .
هذا ، و ليتّضح الأمر لنا للترجيح بين القولين نذكر بعض الروايات المتعلّقة بجمع القرآن ، ثمّ نحللها لنصل لقول الحق .
الأولى : عن ابن شهاب عن عبيد بن السباق أنّ زيد بن الثابث رضي الله عنه قال : أرسل إليّ أبو بكر ، مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده ، قال أبو بكر رضي الله عنه : إن ّعمر أتاني فقال : إنّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن ، و إنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، و إنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن . قلت لعمر : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ؟ قال عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك ، و رأيت في ذلك الذي رأى عمر ، قال زيد : قال أبو بكر : إنّك رجل شاب عاقل لا نتهمك ، و قد كنت تكتب الوحي لرسول الله ( صلى الله عليه و آله ) فتتبع القرآن فاجمعه ، فو الله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن . قلت : كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله ؟ قال : هو والله خير ، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتّى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب و اللخاف و صدور الرجال حتّى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري ، لم أجدها مع أحد غيره ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ... 6 حتّى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى توفّاه الله ، ثمّ عند عمر ، ثمّ عند حفصة بنت عمر 7 .
الثانية : عن ابن شهاب أنّ أنس بن مالك حدثه أنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، و كان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية و أذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة . فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك الأمّة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود و النصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالمصحف ننسخها في المصاحف ، ثمّ نردّها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت ، و عبد الله بن زبير ، و سعيد بن العاص ، و عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، و قال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنّما نزل بلسانهم ، ففعلوا حتّى إذا نسخوا المصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة ، فأرسل إلى كلّ أفق بمصحف مما نسخوا ، و أمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق . قال ابن شهاب : و أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن ثابت قال : فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا الصحف ، قد كنت أسمع من رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يقرأ بها ، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت لأنصاري ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ... 8فألحقناها في سورتها في المصحف 9 .
الثالثة : عن قتادة قال : سألت أنس بن مالك رضي الله عنه من جمع القرآن على عهد النبي ( لى الله عليه و له ؟ قال : أربعة كلّهم من الأنصار: أُبي بن كعب ، و عاذ بن جبل ، و يد بن ثابت ، و ابو زيد 10 .
الرابعة : عن مسروق ذكر عبد الله بن عمر و بد الله بن مسعود ، فقال : لا أزال أحبه ، سمعت النبي ( صلى الله عليه و له يقول : خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، و سالم ، و معاذ ، و أُبي ابن كعب 11 .
و ما هذا إلا نزر قليل من بين الروايات الكثيرة المتعلّقة بجمع القرآن .
و مع قليل من التعمّق في الروايات السابقة نجد التعارض بين هذه الروايات. فقد دلّت الأولى على أنّ الجمع كان بعد وفاة النبي و في زمان أبي بكر ، و أمّا الثانية فأشارت على أنه كان في عهد عثمان لوجود الاختلاف في القراءة .
و هناك رواية أُخرى في كنز العمال تدلّ على أنّ جمع القرآن كان في زمان عمر بن الخطاب 12 . و عليه فيكون الجمع في ثلاثة عهود ، في عهد أبي بكر و عمر و عثمان .
و إذا لاحظنا قول زيد بن ثابت في الرواية الثانية " فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف ... فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت " ، ثمّ لاحظنا الرواية الأولى و غيرها من الروايات التي ظاهرها ، بل صريحها أنّه لم يبق شيء من الآيات لم يدوّن ، فيكون حينئذٍ المصحف الذي جمع في عهد أبي بكر فيه نقصان لعدم وجود آية من سورة الأحزاب ، و ما هذا إلا تناقض صريح .
و إذا لاحظنا الرواية الثالثة و الرابعة يتّضح أنّ الجمع كان في عهد النبي ( صلى الله عليه و آله ) . و لعلّ قائلاً يقول : إنّ المراد من " الجمع " هنا هو الجمع في الصدور لا في السطور ، و هذا الزعم لا شاهد عليه ، مضافاً إلى أنّه يناقض رواية النسائي عن عبد الله بن عمر حيث قال : " جمعت القرآن فقرأت به في كلّ ليلة ، فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه و آله ) فقال لي : إقرأ به في كلّ شهر " 13 .
مضافاً إلى أنّ الحقائق التاريخية تدلّنا على منافسة الصحابة في حفظ القرآن و كانوا الحافظين للقرآن أكثر من أن يحصون ، فكيف يمكن حصرهم في هؤلاء الأربعة أو الستّة دون غيرهم ؟! و حتّى لو أخذنا بالرواية الأولى مثلاً ، فلماذا دعا أبو بكر زيداً فقط لجمعه من العسب و اللخاف ، ولم يدع أُبي و عبد الله و معاذ ، و هم على قيد الحياة عند الجمع ؟!
و بجانب تعارض الروايات بعضها مع بعض ، أيضاً تتعارض أحاديث الجمع مع ما جاء في الآيات القرآنية ، فقد تحدّى الرسول ( صلى الله عليه و آله ) المشركين و أهل الكتاب على أن يأتوا بعشر سور مثله ، بل بسورة من مثله ، و هذا التحدّي دالّ على أنّ القرآن قد انتشر بين الناس بمن فيهم المشركين .
و القرآن سمي أيضاً بالكتاب ، و هذه التسمية دليل على أنّ القرآن مدوّن بين دفّتين في مصحف واحد ؛ لأنّ الحفظ في الصدور أو الكتابة في الأكتاف و الرقاع لا تسمّى كتاباً .
كما أنّ أحاديث الجمع تتعارض مع إجماع المسلمين ، فمن المجمع عليه عند المسلمين قاطبة أنهّ القرآن لا طريق لإثباته إلا التواتر ، في حين أنّ طريقة إثباته في الروايات المذكورة منحصر بشهادة شاهدين ، أو بشهادة رجل واحد إذا كانت تعدل شهادتين ، و على هذا فاللازم أن يثبت القرآن بالخبر الواحد أيضاً ، و هل يمكن لمسلم أن يلتزم بذلك ؟! و إذا كان الأمر كذلك فلا حرج للمسلم في رفض هذه الأحاديث إذ لا يمكن قبول إثبات القرآن بشهادة شاهدين في حين أجمع المسلمون قاطبة أن لا طريق لإثباته إلا بالتواتر .
و خلاصة ما تقدّم ذكره ، أنّ إسناد جمع القرآن إلى الخلفاء بعد وفاته ( صلى الله عليه و آله ) لا يقوم عليه دليل قطعي ، و مناقض للقرآن و السنة و إجماع الأمّة . إذن ثبت أنّه جمع منذ عهد الرسول ( صلى الله عليه و آله ) ، و بهذا لا سبيل لطعن أصالة القرآن ؛ إذ إنّه قد جمع في عصر النبي ، و وصل إلينا بالتواتر القطعي .
هذا كلّه مضافاً إلى حكم العقل برفض أن يدع رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) الوحي منتشر و متشتّت في عدّة صحف و رقاع مما يجعله في طريق التحريف .
و قد قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي ، لا يسمّى الصحف و الرقاع و الأكتاف كتاباً ، بل الكتاب هو ما بين دفّتي مصحف واحد .
و على هذا رأى السيد المرتضى : " إنّ القرآن كان على عهد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن " 14 .
و أمّا ما فعله عثمان ليس إلا توحيد الأمّة على قراءة واحدة من بين القراءات السبعة و هي القراءة التي كانت متعارفة بين المسلمين ، و التي تلقوها بالتواتر عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) للحيلولة دون وقوع النزاع بين المسلمين .
فهو اليوم في أيدينا كما أنزل على نبينا محمّد ( صلى الله عليه و آله ) ، لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ، و ليس فيه تحريف و لا تبديل و لا تغيير ، هذا هو اعتقاد المسلمين أجمع بما فيهم الشيعة . و نسبة تحريف القرآن إلى الشيعة افتراءٌ عليهم . فقد صرّح علماؤهم بأنّ القرآن هو ما في أيدي الناس لا غير . و عليه فنأسف حقاً على حدّة الحملة على الشيعة ، و إخراجهم من حظيرة الإسلام بدعوى تحريف القرآن بدون أيّ دليل لإثبات الدعوى .
و على هذا أرى أهمية بحث تحريف القرآن بصورة مستفيضة ، و من ثمّ معرفة آراء علماء الشيعة في القرآن لنرى صحّة أو خطأ ما نسب إليهم 15.

تعليق واحد