حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
حجية فاطمة الزهراء في مقام الدفاع عن علي عليهما السلام
شهدت الساعات الاولى من رحيل النبي صلى الله عليه وآله صراعاً عنيفاً بين اجنحة التيارات الطامحة في الحكم، ولم يمر وقت قليل حتى تمت تصفية حسابات توزعت من خلالها مناصب الحكم لتتفق بعد ذلك على اقصاء الشرعية الالهية المتمثلة في الامام علي عليه السلام.
لم تكن هذه المراحل القاسية التي مرّت على الامام علي عليه السلام باليسيرة، بل صاحبتها محاولات ارغام على البيعة عانى منها وأصحابه الابرار شتّى الضغوط النفسية التي حاولت من خلالها مجموعة السقيفة الى أخذ إقرار ولو شكلي على تأييد محاولات البيعة المدّعاة ليكون الامر بعد ذلك ممرراً تحت غطاء الشرعية، هكذا حاولت السقيفة اقناع عامة المسلمين، إلا أن ذلك لم يتم مع وجود فاطمةالزهراء عليها السلام وهي تتصدى لمحاولات الارغام على البيعة التي تُطال علياًعليه السلام وأصحابه وذلك لما تتمتع به فاطمةعليها السلام من مقام الحجية المرتكز في نفوس المسلمين، اذ لازالت ذاكرة المسلمين تسجّل ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يؤكده في فاطمةعليها السلام من مقام شامخ وذكر عظيم.
عن كتاب لأبي اسحاق الثعلبي عن مجاهد قال:» خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أخذبيد فاطمة وقال: من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذىالله « 1.
وعن جابر بن عبدالله قال:» قال رسول الله صلى الله عليه وآله: انّ فاطمة شعرة منّي، فمن آذى شعرة منّي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله لعنه الله ملء السماوات والارض « 1.
وقد فهم المسلمون انّ اقتران اذى فاطمةعليها السلام بأذى رسول الله صلى الله عليه وآله وبالتالي هوأذى الله تعالى الذي يوجب اللعنة والعذاب الأليم، اذ لا يتم ذلك إلا لمن كان له مقام الحجية الالهية، وإلا لا يمكن أن يتم قوله صلى الله عليه وآله أن اذى فاطمة عليها السلام يعني أذاه الذي هو أذى الله تعالى، فانّ ذلك دليل الحجية التي تتمتع بها مقام فاطمة من بين المسلمين، لذا فلا يكون دخولهاعليها السلام وسط الاحداث الملتهبة إلا اخماد لتلك النائرةالتي أججتها طموحات القوم وأمانيهم مما أدى الى إرباك خططهم وتداعي كلمحاولة خارجة عن نطاق الشرعية، فقد روى ابن أبي الحديد عن أستاذه النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري حين تساءل عن كلام أبي بكر بعدخطبة فاطمةعليها السلام وتعريضه لعلي فقال: انّه الملك يا بني قلت: فما مقالة الانصار؟ قال: هتفوا بذكر علي، فخاف من اضطراب الامر عليهم 2.
والرواية التالية ستشهد مدى تأثير الموقف الفاطمي في ارباك محاولات القوم لما ارتكز عند القوم منحجية فاطمةعليها السلام فضلًا عما هو مرتكز لدى المسلمين وقتذاك من النصوص القرآنية على حجّيتها وباقي الأحاديث النبوية حول مقام الزهراء من قبيل أنها سيدةنساء أهل الجنّة والذي قد روي في الصحاح وغير ذلك فكيف بمن تكون سيدةنساء أهل الجنّة لا تبايع إمام زمانها وتموت ميّتة جاهلية مع أنّه سمعوا النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال» من مات ولم يعرف أو لم يبايع إمام زمانه مات ميتة جاهلية «مما يدلل موقف فاطمةعليها السلام لهم أنّ أبي بكر لم يكن صاحب البيعة الشريعة ولا الامام الذي يبايع فقدكانت بيعة الزهراءعليها السلام لعليّ عليه السلام. ويدل على مثل ذلك ما رواه ابن قتيبة في الامامةوالسياسة انّ عمر قال لأبي بكر انطلق بنا الى فاطمة، فانا قد أغضبناها فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها، حولت وجهها الى الحائط، فسلّما عليها، فلم ترد عليهما السلام، فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله والله ان قرابة رسول الله أحب اليّ من قرابتي، وانك لأحب اليّ من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك، وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا إني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه وآله يقول» لا نورث ما تركنا فهو صدقة «فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم، فقالت:» نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقدأرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني «قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله قالت:» فانّي أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما اليه «فقال ابو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة؟ ثم انتحب ابو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول:» والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها «ثم خرج باكياً فاجتمع اليه الناس، فقال لهم: يبيت كلرجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي فيبيعتكم، أقيلوني بيعتي 3.
هذا ما أحدثه موقف فاطمةعليها السلام اذ لو لم يكن لموقف فاطمةعليها السلام الحجية كما هو مرتكز عند المسلمين لما طلب الشيخان الاعتذار منها، وقد ذكّرتهما بحجيتها فأقرّلها ذلك عند قولها:» ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي ... «فشهدا لها بذلك وأقرّا منزلتها وصدّقا حجيتها، لذا فانّ عدمرضاها عنهما دفع ابو بكر الى البكاء مما ضاق منه لعدم رضا فاطمةعليها السلام، ولو لميكن لها ذلك المقام الشامخ عند المسلمين لما كانت حاجة ملحة في الاعتذار والاستشفاع لنيل رضاها لعلمهم انّه رضا الله، ولما ايقنا سخطها تبادر لهما أنسخطها سخط الله، لذا فقد استنجد ابو بكر بالمسلمين لإقالته بيعته واقراره أنسخط فاطمةعليها السلام يلغي شرعية نظامه من الأساس.
لذا فانّ موقف فاطمةعليها السلام ترك أثراً مهماً في مجريات الاحداث، اذ دفع بالقيادةالى الارتداع ولو مؤقتاً عن مواقف الابتزاز التي استعملت مع علي عليه السلام لأخذ البيعة قهراً.
لذا فقد قالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله ان هذا الامر لا يستقيم، وأنت أعلمنابذلك، انّه كان هذا لم يقم لله دين فقال: والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ليلة ولي في عنق مسلم بيعة بعدما سمعت ورأيت من فاطمة، قال ابن قتيبة: فلم يبايع علي كرم الله وجهه حتى ماتت فاطمة رضي الله عنهما 4. مما يعني أنالقيادة كانت متوجسة من اثارة غضب فاطمةعليها السلام بالاصرار على مبايعة علي عليه السلام لهم، فكانت تتحسب لمقام فاطمةعليها السلام حسابها متيقنة مدى خطورة حجيتها في حسم الاحداث وتوجيه المواقف اذا هم تمادوا في مضايقة علي عليه السلام والتشديد عليه لأخذ البيعة بعد ذلك.
ولا ننسى ما اتخذه الخليفة الاول من موقف المهادن طالما فاطمةعليها السلام قد دخلتفي صلب الاحداث وجعل مطالبته لعلي بالبيعة مؤجلة مادامت فاطمةعليها السلام الى جنبه.
قال عمر: ألا تامر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة الىجنبه 5.
والذي نريد التأكيد عليه أن حجية فاطمةعليها السلام كان لها الاثر الكبير في اثبات حق علي عليه السلام والذي يعني من خلال ذلك اثبات مامته التي هي فرع النبوّة وكمال الدعوة، ولما كان الحال كذلك فانّ دعوة النبي صلى الله عليه وآله ورسالته توقفت على موقف فاطمةعليها السلام ودفاعها بما تملكه من حجية الهية بقاءً ودواماً.
كان لهذا الموقف الحاسم للاحداث من قبل فاطمةعليها السلام بياناً لمن يستحق الشرعية الحاكمة، وكشفاً لمحاولات تزييف الحقائق، اذ بموقفها هذا حُفظ للاسلام وجهه الناصع، واحتفظ التاريخ بوقائع هذه الاحداث، وكيف كان لموقفها عليها السلام دوراً في فضح المخالفات الشرعية والقانونية من اجل التوصل الى طموحات شخصية، وبالمقابل كان ذلك تعريفاً لحقوق اهل البيت عليهم السلام المغتصبة، اذ بعد هذا الموقف الفاطمي أمكن تعميم أحكامه على أي وجود حاكمي يخرج عن نطاق شرعية أهل البيت عليهم السلام مما يعني أن موقف الزهراء عليها السلام كان خزيناً من الشرعية الالهية يستخدمه أهل البيت عليهم السلام ضد أعدائهم، أي أن وقفتها هذه بمثابة وثيقة تكشف خروقات أينظام حاكم مستقبلًا حتّى صار موقفها راسماً لمسار شرعية الخلافة وفاصلًا بينهإ؛ وبين أي نظام مدّعى، لذا عمد بعض المؤرخين الى تشويش وقائع الاحداث والغاءالمواقف الفاطمية الفاصلة، بل جرّ بعضهم الى انكار بعض هذه المواقف الفاطميةلكيلا يرضخ لمعطياته ولوازمه الشرعية التي تقضي بالغاء شرعية حكومة الشيخين، وما ذلك إلا لاقرارهم بحجية فاطمة عليها السلام ومقامها الالهي، فكيف تثبت بعد تعريتها لمواقف القوم حجة شرعية أو قانونية مدّعاة؟
وبعبارة أخرى: انّ موقفها من الغاصبين للخلافة واحتجاج علي عليه السلام بها في مواجهتهم يدلل على مدى حجيتها ومقامها في نفوس المسلمين وفي دين الاسلام حيث لم ينفع فيهم ما قد سمعوه من أقوال النبي صلى الله عليه وآله وقرأوه من آيات الكتاب وماشاهدوه من معاجز علي في الحروب، فبقيت محاجتهم بهاعليها السلام مما يدلل على تسليم المسلمين بأنها حجة في الشرع، ومن ثم دأب الاول والثاني وكثير من الصحابة على ثنيها عن السخط عليهم وعن تبريها منهم وعن مقاطعتها لهم، والحوافي استرضائها ولم يفلحوا، ومن ثَم دأب علماء العامّة على انكار مواجهتها لأهل السقيفة ومقاطعتها لهم مما يدلل على تسليمهم لحجية فعلها في الدين ومن ثَميخشون من سلب الشرعية عن خصومها 6.
- 1. a. b. عوالم العلوم للسيد البحراني: 115.
- 2. شرح النهج لابن أبي الحديد 16: 215 .
- 3. الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 17، دار الكتب العلمية- بيروت .
- 4. الامامة والسياسة: 17، دار الكتب العلمية- بيروت .
- 5. المصدر السابق: 16 .
- 6. المصدر: كتاب مقامات فاطمة الزهراء تحرير سماحة السيد محمد علي الحلو رحمه الله.