حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
حقوق أم تكاليف
حاولت الكتابات الإسلامية المعاصرة أن تميز موقفها في مجال حقوق الإنسان، عن الموقف الغربي، وترفع من شأن هذا الموقف، بتصوير أن الإسلام ارتقى بهذه الحقوق إلى منزلة التكاليف والواجبات الشرعية والعبادية، حتى يتمسك الإنسان بها، ولا يتنازل أو يتخلى عنها، ولكي يكون جاداً وحريصاً في التقيد والالتزام بها عملاً وسوكاً.
وأشارت إلى هذه الملاحظة، وأكدت عليها العديد من الكتابات الإسلامية المعاصرة، ففي كتابه (الفقه الإسلامي في طريق التجديد) أشار الدكتور محمد سليم العوا بقوله: إن الشريعة الإسلامية تنظر إلى حقوق الإنسان على أنها فرائض إلهية وواجبات شرعية، على حين أن الحضارة الغربية تراها مجرد حقوق.
وهناك من يرى أن مبادئ حقوق الإنسان ليست من الأصالة والرسوخ في مذهب كما هي في الإسلام، وذلك لأن الإسلام اعتبرها تكاليف وعبادات شرعية لا مجرد مصالح كما هي في الغرب، ولكونها تكاليف وعبادات فإن الإنسان يأثم بالتفريط بها، والانتقاص منها.
وحين أجرى الدكتور رضوان السيد في كتابه (سياسيات الإسلام المعاصر.. مراجعات ومتابعات)، الصادر سنة 1997م، مقارنة بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبين اثنين من البيانات الإسلامية حول حقوق الإنسان، هما وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام الصادرة عن منظمة المؤتمر الإسلامي، والبيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن المجلس الإسلامي الأوروبي، متناولاً قضايا حق العمل، وحق العلم، وحقوق الأسرة والطفل، وحق التملك، وجد بعد هذه المقارنة أن التمايز البين بين هذين النمطين من البيانات، يكاد يتحدد في طبيعة اللهجة، حيث تظهر الإعلانات الدولية وكأنها تعبر عن حقوق، بينما الإعلانات الإسلامية تظهر وكأنها تعبر عن تكاليف.
وهذه هي المفارقة! فهل نحن أمام حقوق أم أمام تكاليف، وهل التكاليف تقوم مقام الحقوق؟
والناظر إلى الكتابات الإسلامية يجد أنها بالغت في تصوير الحقوق وكأنها تكاليف، وبطريقة كما لو أنها تريد أن تستبدل مفهوم الحقوق بمفهوم التكاليف، فهل هذا يضيف إلى رصيد مفهوم الحقوق، أم أنه يسلب من رصيده؟ ويحول مفهوم الحقوق إلى مفهوم تابع لغيره، وبشكل قد يفقده التماسك، ويظهره وكأنه مفهوم ناقص غير مكتمل بذاته.
والذي أراه أن الضرورة تقتضي التمسك بمفهوم الحقوق ومنطوقه، بدون تأويلات أو زيادات إضافية تصرفه عن صيغته البيانية، حتى لا يفقد المفهوم تماسكه واستقراره، وعناصر قوته. وإذا كنا بحاجة إلى إغناء مفهوم الحقوق، وهو بحاجة إلى إغناء من طرفنا، فإن هذه الخطوة لا ينبغي ولا يفترض منها أن تغير مسار هذا المفهوم، وتبدل تركيبته البيانية واللسانية1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الجمعة / 4 ديسمبر 2009م، العدد 15805.