الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

حلول العنف تؤجج و لا تعالج

مهما كنت و مهما كان موقعك فبإمكانك استخدام العنف لمعالجة الأمور و القضايا التي تعترض طريقك ، و التي ربما تراها عراقيل حقيقية ، لكن ما تستخدمه من عنف للمعالجة سيفجر الأمور ، و سيخرجها عن السيطرة .
فكر عدة مرات و ضمن موقعك في ردة الفعل للطرف الآخر ، فكر في ما تتخزل حالة الذل و الإهانة في الناس من بارود ينتظر الانفجار ، فكر في الناس الذين سيستفيدون من التعامل العنيف مع هذا أو ذاك ليدفعوا الأمور بعيدا عن سيطرتك .
في بحر الأسبوع المنصرم صدمنا و صدم الجميع و هو يقرأ تفاصيل العنف الذي مارسه أحد الآباء ضد ولده الذي كان عاقا و معاندا و مستهترا بتوجيهات والده ، فحبسه لأكثر من خمس سنوات في إحدى غرف المنزل ، حرمه خلالها من الدراسة ، و من الحياة بشكل طبيعي ، و كان يقدم له الطعام عبر فتحة بباب الغرفة ، كما نقلت ذلك جريدة اليوم 10/3/2009 ، و التي قالت على لسان الناطق الإعلامي لشرطة القطيف ، إن غرفة الشاب لها باب حديدي و بداخلها دورة مياه ، و قد بقي فيها من سن 17 عاما حتى جاوز الآن الـ 22 عاما .
لكن ماذا كانت النتيجة هل صلح الابن ؟ هل عاد لرشده ؟ هل تمكن هذا الأسلوب العنيف أن يعيد الأمور إلى مجاريها ؟
لقد حاول الابن فور خروجه إلى النور إحراق سيارة والده ، و امتلأ قلبه بالحقد عليه ، و تطايرت إلى أسماعنا الكثير من التصرفات الانتقامية التي ينوي القيام بها ، و ربك العالم أين ستصل الأمور بينهما ، أصلحهما الله .
الزوج و الأب و المدرس و المدير و الرئيس و الحاكم و الكل دون استثناء معني بالتفكير الجاد في أي حالة قد يعتبرها خارجة عن القانون ، و في كل حادثة تحكمها روح التمرد و العناد ، و يتساءل لماذا ؟ و كيف يجب أن تصلح الأمور ؟
لقد كان الاعتقاد السائد لدى الكثير من الآباء أن الرجولة في الضرب و العقاب و الإهانة و أحيانا المزيد من الحرمان بداعي الانتقام والتشفي ، لكننا اليوم و أمام هذا الجيل الجديد يجب أن نحسب ألف حساب لردود أفعالهم ، و لاندفاعاتهم التي قد لا تكون محسوبة أو دقيقة .
لقد ولّد العنف في فلسطين المغتصبة إنسانا جديدا يختلف عن إنسان عام 1948 م ، فإنسان ذلك العام هرب و ترك أرضه ، و اشتغل بعض أفراد المجتمع فقط في المقاومة و الدفاع عن أرضهم ، لكنهم اليوم جيل جديد ، كشفت حرب غزة 2009 ، أنهم ولدوا من رحم العنف ، و قرروا أن يتعاملوا معه بعنفوان و حيوية و مقاومة أكبر ، و كانت خسارة عدوهم أنه غفل عن فهم نوعية هذا الجيل .
ولم تعالج عنتريات بوش أيام رئاسته حين قسم العالم إلى فسطاطين ، و أسرف في استخدام البطش و القوة في كل أرجاء المعمورة ، قضية أفغانستان ، فهي إلى الآن رمال متحركة و مقبرة تنتظر المزيد من الجيوش المغتصبة لأرضها لتقبرهم و تنهي أحلام قادتهم .
و إذا تعاملنا بحسن الظن مع ما يروجه الإعلام ، فإن دارفور أصبحت موطئا للتدخل الأجنبي ، جراء ما جرته ويلات العنف و القهر من المآسي و المصائب ، فالتجأ قسم من أهلها إلى خارج السور ، ليلتقي بسوق المصالح المفتوحة و الأجندات المعدة .
و ستبقى البلدان المجاورة لنا كالعراق و لبنان تضجان بالصرخة و الصوت العالي أن العنف لا يولد إلا مزيدا من العنف ، و أنه مصيبة و مشكلة قبل أن يكون حلا مثمرا .
إن العنف الذي لا يولد إلا المزيد من الانفلات و الخراب و التمزق ، لا يقتصر على الضرب و السجن كما حصل لذلك الشاب الذي أشارت له جريدة اليوم ، بل يشمل كل انتقاص من الحقوق ، فالتمييز بين ابن و آخر هو عنف اتجاه أحدهما و هو محرض للمميَز منهما على أخيه ، و إهمال أحدهما أو تهميشه هو عنف في حقه ، و مساعد لجرأة بقية أفراد الأسرة عليه ، و مركزة الإمكانات بيد بعض الأبناء هو استضعاف للبقية .
آن الأوان أن نلتزم حلول العقل و التفهم و نبتعد في كل مواقعنا المسئولة عن حالة التشنج و العنف لنضع لمشاكلنا حلولا تمنع تفجر الأزمات في المستقبل ، و تحول دون تكررها بين الحين و الآخر ، و أن لا ننطلق في معالجاتنا من منطق القوة و القدرة و الشعور بالتفوق و السيطرة ، بل من حالة التفهم للطرف الآخر ، لتعيش الأسر و الأوطان في أمان ، و ليكون الرخاء و الهدوء علامة على نضج أهلها و حكمة أصحاب القرار فيها 1 .

  • 1. الشيخ محمد الصفار ـ « صحيفة اليوم » ـ 14 / 3 / 2009 م ـ 9:39 ص .