حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
حي على خير العمل في الأذان
ومن الأمور التي وقع الخلاف فيها بين المسلمين ، بين مثبت وناف ، هو قول : «حي على خير العمل» في الأذان مرتين ، بعد قول : «حي على الفلاح» .
فذهبت طائفة تبعاً لأئمتهم إلى أن هذه الفقرة «حي على خير العمل» لا يصح ذكرها في الأذان ، وهؤلاء هم جمهور أهل السنة والجماعة ، وعبر بعضهم بلفظ : يكره ، معللاً ذلك بأنه لم يثبت ذلك عن النبي ، والزيادة في الأذان مكروهة 1 .
وقال القاسم بن محمد بن علي نقلاً عن توضيح المسائل لعماد الدين يحيى بن محمد بن حسن بن حميد المقري : «قد ذكر الروياني : أن للشافعي قولاً مشهوراً بالقول به .
وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية : أنه كان حي على خير العمل من ألفاظ الأذان .
قال الزركشي في كتابه المسمى بالبحر ما لفظه : ومنها ما الخلاف فيه موجود في المدينة كوجوده في غيرها ، وكان ابن عمر ، وهو عميد أهل المدينة ، يرى إفراد الأذان ، ويقول فيه : «حي على خير العمل» إلى أن قال المقري : «فصح ما رواه الروياني : أن للشافعي قولاً مشهوراً في إثبات حي على خير العمل» 2 .
وذهب أهل البيت وشيعتهم إلى أن هذه الفقرة جزء من الأذان والإقامة ، لا يصحان بدونها ، وهذا الحكم إجماعي عندهم 3 ونسبه الشوكاني إلى «العترة» 4 وقال : «نسبه المهدي في البحر إلى أحد قولي الشافعي» 5 .
قال الشوكاني : «وهو خلاف ما في كتب الشافعية» 6 .
ويستدل شيعة أهل البيت على أن كلمة : حي على خير العمل ثابتة في الأذان بالإجماع ، وبالروايات الكثيرة والمتواترة عن أهل بيت النبوة «عليهم السلام» في ذلك ، كرواية أبي الربيع ، وزرارة ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مهران عن أبي جعفر «عليه السلام» .
ورواية فقه الرضا عن الرضا «عليه السلام» .
ورواية ابن سنان ، ومعلى بن خنيس ، وأبي بكر الحضرمي ، وكليب الأسدي عن أبي عبد الله «عليه السلام» .
ورواية أبي بصير عن أحدهما .
ورواية محمد بن أبي عمير عن أبي الحسن .
ورواية علي ، ومحمد بن الحنفية عن النبي «صلى الله عليه وآله» .
ورواية عكرمة عن ابن عباس 7 .
ونحن إزاء هذا الاختلاف؛ لا نجد مناصاً من الأخذ بمذهب أهل البيت «عليهم السلام» وشيعتهم ، ولا نستند في ذلك فقط إلى الإجماع المذكور ، ولا إلى خصوص ما ورد عن أهل البيت الذين هم أحد الثقلين ، والذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً .
وإنما إلى العديد من الأدلة والشواهد الأخرى التي نجدها عند غيرهم أيضاً .
فقد روي ذلك ـ وبعضه بالأسانيد الصحيحة ـ عن كل من :
1 ـ عبد الله بن عمر .
2 ـ الإمام علي بن الحسين ، زين العابدين «عليه السلام» .
3 ـ سهل بن حنيف .
4 ـ بلال .
5 ـ علي أمير المؤمنين «عليه السلام» .
6 ـ أبي محذورة .
7 ـ ابن أبي محذورة .
8 ـ زيد بن أرقم .
9 ـ الباقر «عليه السلام» .
10 ـ الصادق «عليه السلام» .
11 ـ الإمام الحسن بن علي «عليه السلام» .
12 ـ الإمام الحسين «عليه السلام» .
وغيرهم كثير .
فأما ما روي عن عبد الله بن عمر ، فقد رواه :
1 ـ مالك بن أنس ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر أحياناً إذا قال : حي على الفلاح ، قال على إثرها : حي على خير العمل 8 .
2 ـ عن الليث بن سعد ، عن نافع قال : كان ابن عمر لا يؤذن في سفره ، وكان يقول : حي على الفلاح ، وأحياناً يقول : حي على خير العمل 9 .
3 ـ وعن الليث بن سعد عن نافع ، قال : كان ابن عمر ربما زاد في أذانه : حي على خير العمل .
ورواه أنس بن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر 10 .
ورواه أيضاً : عطاء ، عن ابن عمر 11 .
4 ـ عن محمد بن سيرين عن ابن عمر : أنه كان يقول ذلك في أذانه 12 .
5 ـ وكذلك رواه نسير بن ذعلوق ، عن ابن عمر ، وقال : في السفر 13 .
6 ـ عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان يقيم الصلاة في السفر ، يقولها مرتين أو ثلاثاً ، يقول : حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على خير العمل 14 .
7 ـ عبد الرزاق ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن رجل : أن ابن عمر كان إذا قال في الأذان : حي على الفلاح ، قال : حي على خير العمل ، ثم يقول : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله 15 .
ورواه ابن أبي شيبة 16 من طريق ابن عجلان ، وعبيد الله ، عن نافع ؛ عن ابن عمر .
8 ـ عن زيد بن محمد ، عن نافع ؛ أن ابن عمر كان إذا أذن قال : حي على خير العمل 17 .
وذكر صاحب الاعتصام رواية ابن عون عن نافع ، وابن جريج عن نافع ، وعثمان بن مقسم عن نافع ، و عبد الله بن عمر عن نافع ، وجويرية بن أسماء عن نافع 18 فراجع .
ونقل رواية ذلك عن ابن عمر الحلبي الشافعي وغيره أيضاً ، فراجع 19 .
وقال ابن حزم : «ولقد كان يلزم يقول بمثل هذا عن الصاحب ؛ مثل هذا لا يقال بالرأي : أن يأخذ بقول ابن عمر هذا ؛ فهو عنه ثابت بأصح إسناد» 20 .
وأما ما ورد عن علي بن الحسين «عليه السلام» :
9 ـ فعن حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن علي بن الحسين كان يقول في أذانه ، إذا قال : حي على الفلاح ، قال : حي على خير العمل ، ويقول : هو الأذان الأول 21 .
وليس يجوز أن يحمل قوله هو الأذان الأول إلا على أنه أذان رسول الله «صلى الله عليه وآله» 22 .
10 ـ ونقل ذلك عن علي بن الحسين ، الحلبي الشافعي ، وابن حزم الظاهري وغيرهما كما سيأتي .
وأما سهل بن حنيف فقد :
11 ـ روى البيهقي : أن ذكر حي على خير العمل في الأذان قد روي عن أبي أمامة : سهل بن حنيف 23 .
12 ـ ونقل ابن الوزير ، عن المحب الطبري الشافعي في كتابه إحكام الأحكام ، ما لفظه : «ذكر الحيعلة ، بحي على خير العمل ، عن صدقة بن يسار ، عن أبي أمامة سهل بن حنيف : أنه كان إذا أذن قال : حي على خير العمل . أخرجه سعيد بن منصور» 24 .
وعن بلال أيضاً :
13 ـ عن عبد الله بن محمد بن عمار ، عن عمار وعمر ابني حفص بن عمر ، عن آبائهم ، عن أجدادهم ، عن بلال : أنه كان ينادي بالصبح ، ويقول : حي على خير العمل ، فأمره النبي «صلى الله عليه وآله» أن يجعل مكانها : الصلاة خير من النوم ، وترك حي على خير العمل 25 .
أما ذيل الرواية فالظاهر أنه من زيادات الرواة ؛ لأن عبارة : «الصلاة خير من النوم» قد أضيفت إلى الأذان بعد زمان النبي «صلى الله عليه وآله» ، وبالذات من قبل عمر بن الخطاب ، كما صرحت به العديد من الروايات 26 .
14 ـ كان بلال يؤذن بالصبح ، فيقول : حي على خير العمل 27 . يضاف إلى كل ذلك :
15 ـ قول القوشجي وغيره : إن عمر خطب الناس ، وقال : أيها الناس ، ثلاث كن على عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، أنا أنهى عنهن ، وأحرمهن ، وأعاقب عليهن ، وهي : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحي على خير العمل 28 .
وقد اعتذر القوشجي متكلم الأشاعرة عن ذلك بقوله : «إن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع» 29 .
وهذا اعتذار غير وجيه ، فإن النبي «صلى الله عليه وآله» لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، كما صرحت به الآيات .
ووجه العذر الحق عنه هو : أن الخليفة الثاني قد رأى ـ في نظره ـ : أن الناس إذا سمعوا : أن الصلاة هي خير العمل ، فإنهم سوف يتكلون على الصلاة ويتركون الجهاد ، كما سيصرح به الخليفة نفسه فيما يأتي .
ومعنى ذلك هو : أن هذا كان منه نهياً مصلحياً وقتياً ، ولم يكن نهياً تشريعياً تحريمياً ، حيث إنه كان يعلم : أنه ليس له حق التشريع .
16 ـ وقال الحلبي : «ونقل عن ابن عمر ، وعن علي بن الحسين «رض» : أنهما كانا يقولان في أذانيهما ، بعد حي على الفلاح : حي على خير العمل» 30 .
17 ـ وقال علاء الدين الحنفي ، في كتاب التلويح في شرح الجامع الصحيح : «وأما حي على خير العمل ، فذكر ابن حزم : أنه صح عن ابن عمر ، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف 31 : أنهم كانوا يقولون في أذانهم : حي على خير العمل» 32 .
وأضاف صاحب التلويح على هذا قوله : «وكان علي بن الحسين يفعله» 33 .
18 ـ وقال السيد المرتضى : «وقد روت العامة : أن ذلك مما كان يقال في بعض أيام النبي «صلى الله عليه وآله» ، وإنما ادعي : أن ذلك نسخ ورفع ، وعلى من ادعى النسخ الدلالة ، وما يجدها» 34 .
19 ـ وعن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن حماد ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي «صلى الله عليه وآله» في حديث المعراج ، قال : ثم قام جبرائيل فوضع سبابته اليمنى في أذنه ، فأذن مثنى مثنى يقول في آخرها : حي على خير العمل ، مثنى مثنى 35 .
20 ـ وكان ابن النباح يقول في أذانه : حي على خير العمل 36 .
وقال القاسم بن محمد : «ذكر في كتاب السنام ما لفظه : الصحيح أن الأذان شرع بحي على خير العمل ؛ لأنه اتفق على الأذان به يوم الخندق ؛ ولأنه دعاء إلى الصلاة ، وقد قال «صلى الله عليه وآله» : خير أعمالكم الصلاة ، وقد اتفق أيضاً على أن ابن عمر والحسن والحسين «عليهما السلام» وبلالاً ، وجماعة من الصحابة ، أذنوا به» حكاه في شرح الموطأ وغيره من كتبهم .
قال صاحب فتوح مكة وهو من مشايخ الصوفية : «أجمع أهل المذاهب على التعصب في ترك الأذان بحي على خير العمل ، إنتهى إلى قوله : وقد ذكر السيد العلامة عز الدين أبو إبراهيم ، محمد بن إبراهيم ما لفظه : «بحثت عن هذين الإسنادين في حي على خير العمل ، فوجدتهما صحيحين إلى ابن عمر ، وإلى زين العابدين» 37 .
وروى الإمام السروجي في شرح الهداية للحنفية ؛ أحاديث حي على خير العمل بطرق كثيرة 38 .
21 ـ روي عن علي «عليه السلام» ، أنه قال : سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول : إعلموا : أن خير أعمالكم الصلاة ، وأمر بلالاً أن يؤذن : حي على خير العمل ، حكاه في الشفاء 39 .
22 ـ روى محمد بن منصور في كتابه الجامع ، بإسناده عن رجال مرضيين ، عن أبي محذورة ، أحد مؤذني رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، أنه قال : أمرني رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن أقول في الأذان : حي على خير العمل 40 .
23 ـ روى عن محمد بن منصور : أن «أبا» القاسم «عليه السلام» أمره أن يؤذن ، ويذكر ذلك (يعني : حي على خير العمل) في أذانه قال : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمر به ، هكذا في الشفاء 41 .
24 ـ عن أبي بكر أحمد بن محمد السري : أنه سمع موسى بن هارون ، عن الحماني ، عن أبي بكر بن عياش ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي محذورة ، قال : كنت غلاماً ، فقال لي النبي «صلى الله عليه وآله» : اجعل في آخر أذانك : حي على خير العمل 42 .
25 ـ وفي الشفاء ، عن هذيل بن بلال المدائني ، قال : سمعت ابن أبي محذورة يقول : حي على الفلاح ، حي على خير العمل 43 .
26 ـ عن زيد بن أرقم : أنه أذن في حي على خير العمل 44 .
27 ـ وقال الشوكاني نقلاً عن كتاب الأحكام : وقد صح لنا : أن حي على خير العمل كانت على عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» يؤذن بها ، ولم تطرح إلا في زمن عمر 6 .
28 ـ وهكذا قال الحسن بن يحيى ، روى ذلك عنه في جامع آل محمد 45 .
وبه قال محمد : سألت أحمد بن عيسى ، قلت : تقول إذا أذنت : حي على خير العمل ، حي على خير العمل ؟!
قال : نعم .
قلت : في الأذان والإقامة ؟
قال : نعم ، ولكني أخفيها .
وبه قال : حدثني محمد بن جميل ، عن نصر بن مزاحم ، عن أبي الجارود ، وعن أبي جعفر : أنه كان يقول : حي على خير العمل ، في الأذان والإقامة .
وعن أبي الجارود ، عن حسان ، قال : أذنت ليحيى بن زيد بخراسان ، فأمرني أن أقول : حي على خير العمل ، حي على خير العمل 46 .
29 ـ روينا عن علي بن الحسين «عليه السلام» : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان إذا سمع المؤذن قال كما يقول ، فإذا قال : حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله الخ . . 47 .
30 ـ عن محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين «عليهما السلام» : أنه كان إذا قال : حي على الفلاح ، قال : حي على خير العمل 48 .
31 ـ قال الزركشي في البحر المحيط : ومنها ما الخلاف فيه موجود ، كوجوده في غيرها ، وكان ابن عمر ، وهو عميد أهل المدينة ، يرى إفراد الأذان والقول فيه : حي على خير العمل 49 .
32 ـ وفي كتاب السنام ما لفظه : الصحيح أن الأذان شرع بحي على خير العمل 50 .
33 ـ وروي عن علي «عليه السلام» ، أنه كان يقول : حي على خير العمل ، وبه أخذت الشيعة 51 .
34 ـ وفي الروض النضير : وقد قال كثير من علماء المالكية ، وغيرهم من الحنفية والشافعية : أنه كان «حي على خير العمل» من ألفاظ الأذان 52 .
إشكالات غير واردة
1ـ وأما دعوى : أن عدم ورود ذلك في الصحيحين وغيرهما من دواوين الحديث يدل على عدم اعتباره في الأذان ، وحتى لو صح ما روي من أنه الأذان الأول ، فهو منسوخ بأحاديث الأذان لعدم ذكره منها 53 ، فلا تصح :
أولاً : لأن الصحيحين لم يجمعا جميع الأحاديث التي تدل على الأحكام .
ثانياً : لو كان منسوخاً لعلم بذلك ابن عمر ، وزين العابدين ، وزيد بن أرقم ، وغيرهم ، فلماذا استمروا على ذلك حتى بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؟ .
ثالثاً : قد صرحت بعض الروايات التي ذكرناها في هذا البحث ، أن أول من ألغى هذه العبارة من الأذان هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لمصلحة تخيل أنها تقتضي ذلك ، فبعد انتفاء تلك المصلحة ـ لو سلم صحة الاستناد إليها والاعتماد عليها ـ لا يبقى مبرر للاستمرار على ترك ما شرعه رسول الله «صلى الله عليه وآله» قبل ذلك .
ولعل التزام عدد من الصحابة والتابعين وغيرهم وأهل البيت وشيعتهم بهذه الفقرة ، يشير إلى أنهم لم يوافقوا عمر على ما ذهب إليه من الاجتهاد ولم يقبلوه منه .
2ـ وبعد هذا ، فلا يصح قول البعض : إن ذلك مكروه ؛ لأنه لم يثبت عن النبي 54 .
فقد عرفت أنه قد وردت الروايات الصحيحة عمن ذكرنا ، أنهم كانوا يقولونها ، وأنه مذهب أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، الذين هم أحد الثقلين .
وقد بقي قول حي على خير العمل شعار العلويين ، وأهل البيت وشيعتهم على مدى الأعصار ، حتى إن ابتداء ثورة الحسين بن علي صاحب فخ ، كان لأجل ذلك ، ولتلاحظ النصوص التالية :
حي على خير العمل موقف وشعار
أ ـ صعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي «صلى الله عليه وآله» ، عند موضع الجنائز ، فقال للمؤذن :
«أذن بحي على خير العمل ، فلما نظر إلى السيف بيده أذن بها ، وسمع العمري (يعني والي المدينة من قبل المنصور) فأحس بالشر ، ودهش ، وصاح : أغلقوا البغلة ـ الباب ـ وأطعموني حبتي ـ ماء» 55 .
ب ـ وذكر التنوخي : أن أبا الفرج أخبره : أنه سمعهم في زمانه يقولون في أذانهم بالقطيعة : حي على خير العمل 56 .
ج ـ وقال ابن كثير في حوادث سنة 443 عن الروافض : «وأذنوا بحي على خير العمل» 57 .
د ـ وقال الحلبي : «وذكر بعضهم : أن في دولة بني بويه كانت الرافضة تقول ، بعد الحيعلتين : حي على خير العمل ، فلما كانت السلجوقية ، منعوا المؤذنين من ذلك ، وأمروا أن يقولوا في أذان الصبح بدل ذلك : الصلاة خير من النوم ، مرتين ، وذلك في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة» 58 .
هـ ـ وتحدث ابن فرحون : أنه كان ثمة مقصورة قد زيدت على الحجرة النبوية الشريفة ، عملت وقاية من الشمس إذا غربت قال : «وكانت بدعة وضلالة تصلي فيها الشيعة» . .
إلى أن قال : «ولقد كنت أسمع بعض من يقف على بابها ، ويؤذن بأعلى صوته : حي على خير العمل ، وكانت مواطن تدريسهم ، وخلوة علمائهم ، حتى قيض الله لها من سعى فيها ، فأصبحت ليلة منخلعة أبوابها الخ . .» 59 .
و ـ وقال ابن قاسم النويري الإسكندراني : «فحين وصل المعز إلى مصر ، أمر بأن يؤذن على جامع عمرو بن العاص ، وجامع ابن طولون بحي على خير العمل ؛ فاستدام ذلك في الأذان ، إلى حين انقضاء دولة العبيديين في سنة سبع وستين وخمسمائة ، فانقرض حينئذٍ ذكر حي على خير العمل بانقراض دولتهم . أبطل ذلك السلطان صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب» 60 .
ز ـ وفي سنة 350 ه أعلن المؤذنون بحي على خير العمل بأمر جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعز 61 ، وفي نفس السنة أيضاً قدم البساسيري إلى بغداد ، وزيد في الأذان حي على خير العمل 62 .
ح ـ وقال : «إن العبيديين الزاعمين أنهم فاطميون ، كانوا شيعة ، يقولون في أذانهم بعد الحيعلتين : حي على خير العمل ، يقولونها مرتين كما تقولها الزيدية في أذانهم بمكة والمدينة في غير أيام الحج ، وكذلك بصعدة أيضاً وغيرها من أرض اليمن» 63 .
ط ـ وقال ابن كثير ، وهو يتحدث عن شروط الشيعة على والي حلب لإعانتهم إياه على صلاح الدين :
«إن الروافض شرطوا عليه إعادة حي على خير العمل في الأذان ، وأن ينادى في جميع الجوامع والأسواق ، ويستخلص لهم الجامع وحدهم ، وينادى بأسامي الأئمة الاثني عشر سلام الله عليهم ، ويكبر على الجنائز خمس تكبيرات ، وأن يفوض أمر العقود والأنكحة إلى الشريف الطاهر أبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني ، مقتدى شيعة حلب ، فقبل الوالي ذلك كله» 64 .
سبب حذف هذه العبارة
وأما لماذا حذفت هذه العبارة من الأذان ؟! فقد صرح الخليفة الثاني نفسه بسر ذلك ، فقد قال ابن شاذان ، مخاطباً أهل السنة والجماعة :
35 ـ «ورويتم عن أبي يوسف القاضي ، رواه محمد بن الحسن ، وأصحابه ، وعن أبي حنيفة ، قالوا : كان الأذان على عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وعلى عهد أبي بكر ، وصدراً من خلافة عمر ينادى فيه : حي على خير العمل .
فقال عمر بن الخطاب : إني أخاف أن يتكل الناس على الصلاة ، إذا قيل : حي على خير العمل ، ويدعوا الجهاد ، فأمر أن يطرح من الأذان : حي على خير العمل» 65 .
وروي مثل ذلك عن :
36 ـ أبي عبد الله الصادق .
37 ـ وأبي جعفر الباقر .
38 ـ وابن عباس 66 .
كلمة حول هذا الرأي
ونحن وإن كنا نرى : أن أمر الجهاد في زمن الرسول «صلى الله عليه وآله» كان أعظم وأشد ، والناس إليه أحوج منهم على عهد عمر ، ولم يحذف النبي «صلى الله عليه وآله» هذه العبارة من الأذان مما يعني : أننا نستطيع أن نجزم بأن اجتهاد الخليفة الثاني لم يكن على درجة مقبولة من القوة والكفاية ، حيث لم تلحظ فيه جميع جوانب وخلفيات هذه القضية بالشكل الكافي والمقبول .
إلا أن تعليل عمر الآنف الذكر ، يدل على أن ترك هذه الفقرة من الأذان إنما كان لأسباب وقتية وآنية اقتضت ذلك بنظره ، وربما لم يكن يفكر في استبعاد هذه الفقرة من الأذان إلى الا بد ، وإنما فقط إلى فترة محدودة ، رآها تتطلب هذا الإجراء .
وإذا كان ذلك هو ما حدث بالفعل ، فإننا لا نستطيع أن نفهم المبرر للاستمرار على ترك هذه الفقرة في هذا الزمان الذي لم يعد فيه ذلك المبرر قائماً .
ولماذا لا نعود جميعاً إلى سنة الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، وأهل بيته الطاهرين ؟! .
وحتى لو كان عمر قد أراد ـ كما فعله في موارد مشابهة ـ أن يستبعد ذلك من الأذان مطلقاً وأن يسقطه من التشريع الإسلامي ، فإن المعيار هو قول الله ورسوله لا قول عمر ، وذلك أمر واضح ولا يحتاج إلى مزيد بيان 67 .
- 1. سنن البيهقي ج1 ص425 ، والبحر الرائق ج1 ص275 عن شرح المهذب .
- 2. الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص307 .
- 3. الانتصار للسيد المرتضى ص39 .
- 4. نيل الأوطار ج2 ص18 .
- 5. نيل الأوطار ج2 ص18 و19 ، والبحر الزخار ج2 ص191 وفيه : أخير بدل أحد ، وكذا في الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص307 و308 .
- 6. a. b. نيل الأوطار ج2 ص19 .
- 7. راجع : الوسائل وجامع أحاديث الشيعة والبحار ، ومستدرك الوسائل أبواب الأذان .
- 8. سنن البيهقي ج1 ص424 ، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص297 و308 و312 .
- 9. سنن البيهقي ج1 ص424 ، وراجع : نيل الأوطار ج2 ص19 .
- 10. راجع : سنن البيهقي ج1 ص424 ، وراجع : دلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي للعرفي ص38 عن شرح التجريد . وقد رواه ابن أبي شيبة ونقله في الشفاء كما ورد في جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار للصعدي ج2 ص192 ، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص308 .
- 11. الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص299 وراجع ص310 .
- 12. سنن البيهقي ج1 ص425 ، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص308 عنه .
- 13. المصدران السابقان .
- 14. مصنف عبد الرزاق ج1 ص464 .
- 15. سنن البيهقي ج1 ص465 ، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص299 .
- 16. عن مصنف ابن أبي شيبة ج1 ص145 ، وهامش مصنف عبد الرزاق ج1 ص460 عنه ، وراجع : الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص296 .
- 17. الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص295 .
- 18. الإعتصام ج1 ص296 ـ 299 .
- 19. السيرة الحلبية ج2 ص98 ، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص311 و312 عن ابن حزم في كتاب الإجماع .
- 20. المحلى ج3 ص160 و 161 .
- 21. سنن البيهقي ج1 ص425 ، ودلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي ص38 عن مصنف ابن أبي شيبة ؛ وجواهر الأخبار والآثار ج2 ص192 ، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص299 و308 و310 ، ونيل الأوطار ج2 ص19 ، وراجع : كتاب العلوم ج1 ص92 .
- 22. دلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي ص38 .
- 23. سنن البيهقي ج1 ص425 .
- 24. دلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي ص38 . وراجع : الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص309 ، وراجع : ص311 .
- 25. مجمع الزوائد ج1 ص330 عن الطبراني في الكبير ، ومصنف عبد الرزاق ج1 ص460 ، وسنن البيهقي ج1 ص425 ، وكنز العمال ج4 رقم5504 ، ومنتخب الكنز هامش المسند ج3 ص276 عن أبي الشيخ في كتاب الأذان ، ودلائل الصدق ج3 قسم2 ص99 .
- 26. راجع : موطأ مالك ج1 ص93 ، وسنن الدارقطني ، ومصنف عبد الرزاق ج1 رقم1827 و1829 و1832 ص474 و475 ، وكنز العمال ج4 رقم5567 و5568 ، ومنتخبه هامش المسند ج3 ص278 ، وفيه : أنه قال إنها بدعة ، والترمذي وأبي داود ، وغير ذلك .
- 27. منتخب كنز العمال هامش المسند ج3 ص276 ، ودلائل الصدق ج3 قسم2 ص99 عن كنز العمال ج4 ص266 .
- 28. شرح التجريد للقوشجي مبحث الإمامة ص484 ، وكنز العرفان ج2 ص158 عن الطبري في المستنير ، والغدير ج6 ص213 وقال : أخرجه الطبري في المستبين عن عمر ، وحكاه عن الطبري الشيخ علي البياضي في كتابه : الصراط المستقيم وجواهر الأخبار والآثار ج2 ص192 عن التفتازاني في حاشيته على شرح العضد .
- 29. شرح التجريد للقوشجي ص484 .
- 30. السيرة الحلبية ط سنة1382 ، باب الأذان ج2 ص98 .
- 31. كذا في الأصل والصحيح : أبو أمامة ، سهل بن حنيف .
- 32. المحلى ج3 ص160 ، وراجع : دلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي للعرفي ص38 ، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص311 .
- 33. دلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي للعرفي ص38 والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص311 .
- 34. الانتصار ص39 .
- 35. سعد السعود ص100 ، والبحار ج4 ص107 ، وجامع أحاديث الشيعة ج2 ص221 .
- 36. راجع : الوسائل ، وجامع أحاديث الشيعة ، وقاموس الرجال .
- 37. الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص310 ، وراجع ص312 .
- 38. المصدر السابق ج1 ص311 .
- 39. جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار ج2 ص191 ، والإمام الصادق (عليه السلام) والمذاهب الأربعة ج5 ص284 ، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص309 .
- 40. البحر الزخار ج2 ص192 ، وجواهر الأخبار والآثار هامش نفس الصفحة ، وكتاب العلوم ج1 ص92 .
- 41. جواهر الأخبار والآثار ج2 ص191 .
- 42. ميزان الإعتدال للذهبي ج1 ص139 ، ولسان الميزان للعسقلاني ج1 ص268 .
- 43. المصدران السابقان ص192 ، وجواهر الأخبار والبحر الزخار .
- 44. الإمام الصادق (عليه السلام) والمذاهب الأربعة ج5 ص283 . وراجع : نيل الأوطار ج2 ص19 عن المحب الطبري في أحكامه .
- 45. المصدر السابق .
- 46. كتاب العلوم المعروف بأمالي أحمد بن عيسى ج1 ص92 .
- 47. دعائم الإسلام ج1 ص145 ، والبحار ج84 ص179 عنه .
- 48. جواهر الأخبار والآثار للصعدي ج2 ص192 .
- 49. الروض النضير ج1 ص542 . والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص357 .
- 50. نفس المصدر .
- 51. الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص308 .
- 52. الروض النضير ج1 ص542 .
- 53. راجع : نيل الأوطار ج2 ص19 .
- 54. البحر الرائق ج1 ص275 عن شرح المهذب ، وسنن البيهقي ج1 ص425 .
- 55. مقاتل الطالبيين ص446 .
- 56. نشوار المحاضرات ج2 ص133 .
- 57. راجع : البداية والنهاية ج12 ص63 .
- 58. السيرة الحلبية ط سنة1382 باب الأذان ج2 ص105 ، وراجع : البداية والنهاية ج12 ص68 ، حوادث سنة448 ه .
- 59. وفاء الوفاء ج2 ص612 .
- 60. الإلمام بالإعلام فيما جرت به الأحكام ج4 ص24 وراجع : تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة381 ه . ص32 ، وتاريخ الخلفاء ص402 .
- 61. تاريخ الإسلام حوادث سنة350 ص48 ، والبداية والنهاية ج11 ص270 وراجع : تاريخ ابن الوردي ج1 ص408 ومآثر الإنافة ج1 ص307 .
- 62. تاريخ الخلفاء ص418 .
- 63. الإلمام ج4 ص32 ، وليراجع ص40 و41 منه .
- 64. الكنى والألقاب ج2 ص189 والبداية والنهاية ج12 ص289 .
- 65. الإيضاح لابن شاذان ص201 و202 ، وراجع : الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص296 و299 و304 و305 و306 و307 ، وكتاب العلوم ج1 ص92 .
- 66. راجع : دعائم الإسلام ج1 ص142 ، والبحار ج84 ص156 و130 ، وعلل الشرايع ج2 ص56 ، والبحر الزخار ، وجواهر الأخبار والآثار بهامشه كلاهما ج2 ص192 ، ودلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي لمحمد سعيد العرفي ص38 عن سعد الدين التفتازاني في حاشيته على شرح العضد ، على مختصر الأصول لابن الحاجب ، وعن : الروض النضير ج2 ص42 ، ونقله في الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص310 عن التفتازاني في حاشيته على شرح العضد أيضاً .
- 67. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله) ، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، 2005 م . ـ 1425 هـ . ق ، الجزء الخامس .