مجموع الأصوات: 65
نشر قبل 5 سنوات
القراءات: 7246

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

خطبة المتقين (1-3)

بما أنّنا نعيش في رحاب شهر الله المبارك شهر الصوم والقرآن نوجه الكلام نحو خطبة المتقين لإمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي عاش "التقوى" فكراً وسلوكاً في القول والفعل في المعارضة والحكم مع القريب والبعيد ومع الصديق والعدو.

ولا شكّ أنّ التقوى هي الصفة التي يحبّها الله ويرتضيها لعباده، والمتّصفون بها هم الفئة الأكثر قبولاً وتقديراً عنده طبقاً للآية الكريمة: ﴿ ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ... 1.
ولا ريب أيضاً في أنّ من عاش التقوى بأعلى مراتبها وأصفى معانيها وأدقّ لوازمها هو الأقدر من غيره على توضيح معانيها وأبعادها، وتبيان تفاصيلها ومفرداتها ولهذا كانت خطبة المتقين وستظل دائماً وأبداً المرجع لكلّ من أراد أن يسلك سبيل التقوى ليصل إليها ويهتدي بها في الحياة.
وأول ما يبدأ به الإمام في تلك الخطبة هو توضيح حقيقة أساسية وهي (أنّ الله حين خلق العباد، فهو لم يخلقهم لأنّه بحاجة إليهم، فهو من جهته غير محتاج إلى فعل الطاعة منهم، وغير متضرّر من صدور المعصية عنهم، لأنّ طاعتهم لن تزيد في ملكه شيئاً، ولأنّ معصيتهم لن تنقص من ملكه شيئاً،ولذا يقول: أمّا بعد، فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم، آمناً من معصيتهم، لأنّه لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه).
نفهم من هذا المقطع إذن أنّ فعل الطاعة هو لمصلحة العبد نفسه، كما أنّ فعل المعصية هو مفسدة للعبد أيضاً، والمصلحة نافعة لأنّ الجنة هي الأجر الذي جعله الله لمن أطاعه والمفسدة مضرة لأنّ النارهي العقاب الذي جعله الله لمن عصاه.
ثمّ يوضح الإمام (عليه السلام) أنّ المتقين هم أهل الفضائل والخصال الحميدة والأخلاق الرفيعة، ومن مواصفاتهم الأساسية المنطق الصواب في القول وفي الفعل فلا يتسرّعون ولا يتحاملون ولا يظلمون، بل يضعون الأمور في مواضعها ويزنونها قبل المبادرة إليها،فلا يخطئون ساعتئذٍ لا بحق أنفسهم ولا بحق غيرهم، ثمّ إنّهم الذين لا يسرفون ولا يبذّرون بل يقتصدون لا عن بخل ولا عن شح بل عن القناعة بأنّ الدنيا متاعٌ زائل ولا ضرورة للتزوّد منها بأكثر من مقدار الحاجة الفعلية الكافية ليبقى الإنسان قادراً على العمل وعلى الطاعة، ويرفضون التمتّع بزينة الدنيا ولومن حلالها لا لعدم إمكان تحصيلها بل لعفّة نفس وسمو روح وتفكير منطقي سليم وراقٍ. ثمّ إنّهم عندما يتعاملون مع محيطهم ومجتمعهم ينطلقون في ذلك من احترامهم للإنسان وقيمه ومبادئه، فلا يستكبرون ولا يتجبّرون ولا يترفّعون عن الآخرين، لأنّهم يعلمون بأنّهم بشر كسواهم، فإذا كان المتقون قد تميّزوا عند ربّهم، فهذا لا يعني أن ينظروا إلى الآخرين نظرة حقارة ودونية، بل المتقون هم الذين يتواضعون للآخرين ويعاملونهم بأخلاقية رفيعة ونفس متسامحة لعلّ ذلك يوقظ الضمائر والقلوب والبصائر عند التائهين في هذه الدنيا فهم المصاديق بقوله تعالى:﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ 2،﴿ ... وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... 3 و﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ... 3 ومن مواصفاتهم أنّهم لا ينظرون إلى ما حرّم الله النظر إليه، ولا ينطقون بما لا يرضى الله عنه ولا يليق بمقامهم الروحي الرفيع، ولا ينزلون إلى مستوى الإستماع إلى التفاهات والأمور التي فيها غيبة وكذب وبهتان ونميمة فضلاً عنه أنّها لا تصدر عنهم. ولذا يقول (عليه السلام): (فالمتقون فيها هم أهل الفضائل: منطقهم الصواب، وملبسهم الإفتصاد، ومشيهم التواضع، غضّوا أبصارهم عمّا حرّم الله عليهم،ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم...). والحمد لله ربّ العالمين4.