الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

دور التواضع

يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿ ... فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ... 1، ويقول أيضاً: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ... 2، وعن النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): (من تواضع لله رفعه الله، ...ومن تكبّر وضعه الله...)، ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفة الأنبياء (عليهم السلام): (ولكنه سبحانه كرَّه إليهم التكابر، ورضي لهم التواضع، فألصقوا بالأرض خدودهم، وعفّروا في التراب وجوههم، وخفّضوا أجنحتهم للمؤمنين).
فالتواضع هو الخُلُق الممدوح من الله والناس لأنّه التعبير الصافي عن النفس الإنسانية السمحة البسيطة والبعيدة عن الإنحرافات والتعقيدات النفسية التي تنتج عن العديد من النماذج المستكبرة والمتعجرفة.
ولقد أكّد الإسلام وركّز على هذا الخُلُق المهم، وعلى مستوى كلّ أنواع العلاقات الإنسانية والإجتماعية والسلوكية، فمثلاً (عليك بالتواضع فإنّه من قال (مالي لا أرى عليكم حلاوة العبادة؟ قالوا: وما حلاوة العبادة؟ قال: التواضع).
بل نجد أنّ فلسفة العبادات في الإسلام لكونها نوعاً من التواضع لله عزّ وجل، ولكي نتواضع بعد ذلك للخلق لا لكي نتكبر عليهم (...ولما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً، ولحوق البطون بالمتون من الصيام تذلّلاً)، ونلمس إضافة خاصة لوجوب الحج وعلاقته بالتواضع (وجعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزّته).
وأمّا التواضع فهو كما قال أئمتنا (عليهم السلام): (أن تعطي الناس من نفسك ما تحب أن يعطوك مثله)، وكذلك هو: (التواضع درجات: منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم، لا يحب أن يأتي الى أحدٍ الا مثل ما يؤدي إليه، إن رأى سيئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ، عاف عن الناس، والله يحب المحسنين)، وكذلك هو: (التواضع أن ترضى من المجلس بدون شرفك، وأن تسلّم على من لقيت، وأن تترك المراء وإن كنت محقاً، ورأس الخير التواضع).
وكلّما كان مقام الإنسان عالياً كلّما كان تواضعه ممدوحاً أكثر ودليلاً على صلاح نفسه بدرجةٍ أكبر، ولذا نجد أنّ أفضل الناس من يتواضع عن قدره على أن يكون متكبّراً أو يتصنّعه، لكنّه مع ذلك يتخلّق بالخلق النبوي الكريم والذي هو هبة إلهية، ولذا ورد في الحديث: (التواضع مع الرفعة كالعفو مع القدرة) و (أفضل الناس من تواضع عن رفعه).
ونجد في المقابل أنّ الإسلام ينهى الإنسان عن التذلّل لغير الله، وخاصة إذا كان لأمورٍ دنيوية، والنهي هنا لأنّ التذلّل صادر إلى غير محلّه، فالمتذلّل إليه يحتاج إلى العزّة والقدرة الإلهيتين كالمتذلّل تماماً لا فارق، ولذا يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أتى ذا ميسرة فتخشّع له طلب ما في يديه، ذهب ثلثا دينه) و (من أتى غنياً فتضعضع له لشيء يصيبه منه ذهب ثلثا دينه).
من هذا كله نستفيد أنّ المسار المستقيم في خُلُق التواضع هو أن يسعى القادرون والأغنياء إلى النظر لإخوانهم الذين هم دونهم في توفير الحاجات الدنيوية، وهذا التواضع يساعد على عدم انحراف المحتاجين والضعفاء من أبناء المجتمع، وكذلك فإنّ التعفّف من الفقراء طالما هم قادرون على ذلك والإتكال على الله في تحصيل الرزق هو أمر مرغوب لأنّه تعبير عن الثقة المطلقة بالله عز وجل، ولذا ورد في الحديث: (ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء إتكالاً على الله).
والحمد لله ربّ العالمين3.