حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
سنّة التداول من سنن التطور الإجتماعي في القرآن الكريم
وتعني سنّة التداول أنّ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يُديل من الأمّة الّتي فشلت في الأختيار التأهيليّ للاستخلاف الإلهيّ العامّ، فتنتقل السلطة والمُكنة إلى أمّة غيرها، وهي أيضاً تمرّ بسنّة الابتلاء والاختبار، ثمّ إن فشلت هي الأخرى حلّت محلّها أمّة أخرى، أُديل لها من الأمّة السالفة، وهكذا، يستمرّ التداول إلى أن يصل الدور إلى الأمّة الّتي تختار الإيمان والصبر عليه، فيختارها الله للاستخلاف في الأرض، وتجري بحقّها سنّة الاختيار والاستخلاف. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ 1.
﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ﴾ 2.
﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ 3.
﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ * مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾ 4.
وسنّة التداول سنّة تتوسّط بين الاستخلاف والاستبدال، فحينما تفشل أمّة مستخلفة في الاختبار التأهيليّ لمرحلة الاستخلاف الكبرى، وتنفّذ في حقّها سنّة الاستبدال، لا يأتي دور الاستبدال إلّا بعد تداول السلطة بين أجيال متعدّدة من البشر، وتمكين كلّ منها في الأرض واحدة تلو الأخرى، مطالَبة بأداء مسؤوليّاتها الكبرى إزاء ميثاق الطاعة والنصرة، فأيّة واحدة منهم آمنت بالله، ووفت بميثاق الطاعة والنصرة للقيادة الإلهيّة، أدام الله لها التمكين، واختارها للاستخلاف الكبير، وتمّ تأهيلها لقيادة العالم في دولة عالميّة عادلة تحكم الأرض كلّها، وتمّ استبدال الأمّة المستخلفة السالفة بها، وأوكل إليها أمر قيادة الأمم لإقامة المجتمع العالميّ العادل على الأرض.
إنّ الأمّة الّتي تختارها اليد الإلهيّة، لتقوم بدور الأمّة الطلائعيّة في المجتمع البشريّ، فتقود سائر أمم الأرض لإقامة المجتمع العالميّ العادل هي «الأمّة الشاهدة»، وهي «الأمّة الوسط»، وهي إنّما يتمّ اختيارها من خلال سنّة التداول الّتي تمرّ فيها أمم الأرض كلّها بالمختبر التأهيليّ الّذي يكشف حقائق الأمم وجواهرها، ويُمحَّص فيه المؤمنون ضمن عمليّات اختبار طويلة الأمد، تتبيّن من خلالها صلاحيّة المجموعة المؤمنة المؤهّلة لإمامة الأرض، والقيام بدور الأمّة المستخلفة بالخلافة الكبرى، لإقامة العدل في عامّة مناطق الأرض.
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:
﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ... ﴾ 5.
هؤلاء الشهداء هم أولئك الّذين جاءت الآية الأخرى لتصف دورهم القياديّ لأمم الأرض؛ إذ قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى:
﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ... ﴾ 6.
﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ... ﴾ 7.
هذه الشهادة، هي شهادة المجموعة الطلائعيّة الّتي تقتدي بها الأمم، لإقرار مجتمع العدل على وجه الأرض، والمثل الأعلى لهذه المجموعة الطلائعيّة: القادة الإلهيّون الّذين بطاعتهم ونصرتهم تفوز المجموعة الطلائعيّة في مرحلة الاختبار التأهيليّ، وهم الأئمّة الطاهرون من أوصياء رسول الله (ص) الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وجعل مودّتهم أساساً لدينه، وجعل طاعة الجماعة المؤمنة ونصرتها لهم الأداة الوحيدة لرقيِّها، وكمالها، وتأهلّها، لقيادة أمم الأرض، وتبوّئها موقع الأمّة الوسط الشاهدة على النّاس أجمعين.
والأمّة الوسط هنا، بمعنى الأمّة العادلة الّتي تتميّز عن غيرها من الأمم المرشَّحة لموقع القيادة الكبرى، بأنّها لا تسلك طريق التفريط في طاعة القيادة الإلهيّة ونصرتها، كما انتهى إليه أمر المجموعة الأولى من بني إسرائيل- وهم اليهود-، فحلّ عليهم الغضب الإلهيّ، وأصابتهم الذلّة الكبرى، ولا طريق الإفراط والمغالاة الّتي سلكته المجموعة الثانية من بني إسرائيل- وهم النصارى- الّذين خالفوا بدورهم القيادة الإلهيّة، وعصوها، فضلّوا عن السبيل، وتاهوا. وإلى هذا المصير المشوم لهاتين الجماعتين أشارت الآيتان الكريمتان:
﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ 8.
فالأمّة الطلائعيّة هي الأمّة الّتي لا تسلك أيّاً من هذين الطريقين؛ لا طريق «المغضوب عليهم»، وَلا طريق «الضالّين»:
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ 9.
إنّ الأمّة المصطفاة لتحمُّل أعباء إمامة الأمم نحو تحقيق خلافة الله الكبرى على الأرض، تسلك الطريق الوسط، وتثبت على الصراط المستقيم الّذي هو صراط الإمامة المعصومة من خلفاء محمّد (ص)، وأوصيائه الطيبين الطّاهرين الّذين أنعم الله عليهم، ودلّت عليهم الآيات الكثيرة من القرآن، فقالت:
﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ 10.
﴿ ... أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... ﴾ 11.
﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ 12.
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ... ﴾ 13.
وغير ذلك من الآيات.
ودلّت عليهم سنّة الرسول (ص)، مفسّرة لآيات الكتاب الحكيم، وكاشفة لمعانيها، واضعة فيها النقاط على الحروف؛ إذ قال (ص):
«إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاستَمسِكُوا بِهِ .. وأَهْلُ بَيْتِي»14.
«إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعظَمُ مِن الآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ، حَبْلٌ مَمدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَانظُرُوا كَيفَ تَخلِفُونِي فِيهِمَا»15.
«مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي كَسَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ»16.
«ادعُوا ليْ، ادعُوا ليْ، فَقَالَت صَفِيَّة [زوج الرسول (ص)]: مَن يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَهلَ بَيتِي؛ عَلِيّاً، وَفَاطِمَة، وَالحَسَنَ، وَالحُسَينَ. فَجِيءَ بَهِم، فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ كِسَاءَهُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ آلِىْ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وَأنزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 17 18.
والرواية روتها أمّ المؤمنين عائشة بلفظ آخر، وروتها أمّ المؤمنين أم سلمة أيضاً، فقالت:
«نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي بَيتِي:﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 17، وَفَي البَيْتِ سَبعَةٌ: جِبرَئِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ، وَأَنَا عَلَى بَابِ البَيْتِ، قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ألسْتُ مِن أَهلِ البَيتِ؟ قَالَ: إنَّكِ إلَى خَيرٍ، إنَّكِ مِن أزوَاجِ النَّبِيِّ»19.
وقال رسول الله (ص):
«لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِماً، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً؛ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»20.
ومن هنا جاءت آيات سورة الحمد الّتي هي أمّ القرآن، والّتي لا صلاة إلّا بها، تحمل في طيّها طلب المؤمنين من ربهم في جميع صلواتهم هداية الصراط المستقيم، وجعلت الدليل عليه ﴿ ... فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ... ﴾ 21، وفي مقدّمتهم الطليعة الأولى من عباد الله الصالحين؛ وهم محمّد وآل محمّد صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم أَجمَعِيْن:
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ 9.
ولقد بيَّن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في كتابه أنّ سنّة التداول قد نُفّذت بحقّ الأمم الأخرى؛ كبني إسرائيل الّتي أُديل لها من عدّوها، بعد أن اختارها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى على العالمين، فقال:
﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ 22.
﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ 23.
غير أنّ هذه الأمّة لمّا فشلت في سنّة الاختيار والتأهيل أُديل منها أيضاً، وجيء بأمّة أخرى؛ وهي أمّة محمّد (ص)، فاختارها الله للاستخلاف، وجاء لها الدور؛ لكي تختبر هي الأخرى لدور الاستخلاف العامّ.
ثمّ إنّ سنّة التداول هذه الّتي تتمّ من خلالها أكبر عمليَّة إفراز في التاريخ البشريّ، عمليَّة إفراز المجموعة الطلائعيّة الّتي تثبت كفاءتها وأهليّتها للاضطلاع بمهمّة الأمّة المطيعة الناصرة للقيادة الربانيّة، والشاهدة على سائر الأمم، والمستخلفة بالاستخلاف الأكبر، سنّة التداول هذه قد تطول قروناً من الزّمن، فتأتي أمّة وتروح أخرى إلى أنْ تظهر الأمّة الطلائعيّة الّتي تؤمن بالله ورسوله، وتطيع القيادة الإلهيّة، وتنصرها، وتثبت على ذلك كلّه، مهما كانت المشاكل، وأيّاً كانت العقبات. قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ... ﴾ 24.
﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ... ﴾ 5
ثمّ إنّ هذا التداول إنّما يتمّ ضمن سنّتين إلهيّتين أُخريين؛ هما: «سنّة التبديل والتغيير»، و «سنّة الإمهال والأخذ» 25.
للمزيد راجع كتاب سنن التطور الإجتماعي في القرآن الكريم
- 1. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآيات: 139 - 142، الصفحة: 67.
- 2. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 6، الصفحة: 128.
- 3. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 13 و 14، الصفحة: 209.
- 4. القران الكريم: سورة الحجر (15)، الآيات: 3 - 5، الصفحة: 262.
- 5. a. b. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 140، الصفحة: 67.
- 6. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 143، الصفحة: 22.
- 7. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 78، الصفحة: 341.
- 8. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 13 و 14، الصفحة: 109.
- 9. a. b. القران الكريم: سورة الفاتحة (1)، الآية: 6 و 7، الصفحة: 1.
- 10. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 55 و 56، الصفحة: 117.
- 11. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 59، الصفحة: 87.
- 12. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 115، الصفحة: 97.
- 13. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 16، الصفحة: 189.
- 14. صحيح مسلم، باب فضائل عليّ بن أبي طالب.
- 15. صحيح الترمذيّ، ج 13، ص 201.
- 16. مستدرك الصحيحين، للحاكم النيسابوريّ، ج 2 ص 343.
- 17. a. b. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 33، الصفحة: 422.
- 18. مستدرك الصحيحين، ج 3، ص 147.
- 19. سنن الترمذيّ، ومسند أحمد 306: 6.
- 20. صحيح مسلم، باب الناس تبع قريش من كتاب الإمارة، وفي صحيح البخاريّ، كتاب الأحكام 4: 165.
- 21. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 69، الصفحة: 89.
- 22. القران الكريم: سورة الدخان (44)، الآية: 32، الصفحة: 497.
- 23. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 47، الصفحة: 7.
- 24. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 54، الصفحة: 117.
- 25. مقتبس من کتاب سنن تطور الإجتماعي في القرآن الكريم لآية الله الشيخ محسن الاراكي.