الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

على طريق بناء حداثة في المجال الإسلامي

قد تكون حتى هذه اللحظة، محاولة الدكتور طه عبد الرحمن في كتابه (روح الحداثة.. المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية) الصادر سنة 2006م، تمثل أهم محاولة اجتهادية على مستوى الخطاب الإسلامي المعاصر في بلورة نظرية جادة حول الحداثة الإسلامية.
كما تعد هذه المحاولة أيضاً، أهم محاولة يمكن الانطلاق منها، والبناء عليها في هذا الشأن، وذلك لطبيعة الجهد المعرفي والتأسيسي الذي تميزت وانفردت به عن غيرها من المحاولات الأخرى السابقة عليها، والتي غلب على الكثير منها الضعف والنقص المنهجي والمعرفي، ولم تحرز هذه المحاولات تقدماً جاداً في هذا السبيل.
ولعل الخطاب الإسلامي قد تأخر كثيراً في إنجاز مثل هذه المهمة، وفي قطع الشوط المعرفي الذي وصلت إليه محاولة الدكتور طه عبد الرحمن، وبهذه المحاولة يكون الخطاب الإسلامي قد تلمس الطريق نحو بناء حداثة إسلامية.
وسوف يرى الباحثون من داخل الخطاب الإسلامي ومن خارجه، في هذه المحاولة أنها من أكثر المحاولات التي تلفت النظر إلى فكرة الحداثة الإسلامية، والتي يمكن الرجوع إليها عند التأمل والبحث حول هذه الفكرة في المجال الإسلامي.
وقيمة هذه المحاولة، أنها برهنت على إمكانية تأسيس حداثة إسلامية، أو بناء نظرية في الحداثة الإسلامية، وهذا ما كان ينقص الخطاب الإسلامي من جهة، وما كان يحتاج إليه بالفعل من جهة أخرى، لكي ينظر إلى ذاته بثقة، ويجتهد من داخله، ويحرك طاقاته وإمكاناته، ويتخلص من تلك النظرات والمواقف التي تجعله منبهراً ومفتوناً ومنهزماً تجاه حداثات الآخرين، وكأن لا حداثة لنا، ولا شأن لنا بالحداثة.
والتعلق بحداثات الآخرين، وبالذات الحداثة الغربية هو الذي أعاق، وظل يعيق إمكانية تلمس الطريق إلى اكتشاف وبناء حداثة إسلامية، أو حداثة تنتمي إلى المجال الإسلامي، وهي الفكرة التي كانت بعيدة عن الخيال والإدراك، بسبب ذلك التعلق الحاجب عن التجديد والإبداع، والمكرس لذهنية التبعية والتقليد.
وهذا ما انتقده الدكتور طه عبد الرحمن في مفتتح كتابه، لكي يبرهن على أن الوصول إلى بناء حداثة إسلامية لا يمكن أن يمر عن طريق التبعية والتقليد، وإنما عن طريق التجديد والإبداع، وحسب قوله: (إن المجتمع المسلم ما لم يهتد إلى إبداع مفاهيمه، أو إعادة إبداع مفاهيم غيره، حتى كأنها من إبداعه ابتداء، فلا مطمع في أن يخرج من هذا التيه الفكري الذي أصاب العقول).
وفئة المقلدين في نظر الدكتور طه عبد الرحمن، ليس لها القدرة على الخروج من هذا التيه الفكري حتى لو ادعت ذلك، وهذه الفئة عنده على قسمين، قسم يضم الذين يقلدون المتقدمين من المسلمين، ويطلق عليهم تسمية مقلدة المتقدمين الذين يحاولون حسب رأيه إسقاط المفاهيم الإسلامية التقليدية على المفاهيم الغربية الحديثة، كإسقاط مفهوم الشورى على مفهوم الديموقراطية.
وقسم آخر يضم الذين يقلدون المتأخرين من غير المسلمين، ويطلق عليهم تسمية مقلدة المتأخرين الذين يحاولون إسقاط المفاهيم الغربية المنقولة، على المفاهيم الإسلامية المأصولة حسب اصطلاحه، كإسقاط مفهوم العلمانية على مفهوم العلم بالدنيا.
وكلا القسمين في نظر الدكتور طه لا إبداع عنده، فمقلدو المتقدمين يتبعون ما أبدعه السلف من غير تحصيل الأسباب التي جعلتهم يبدعون ما أبدعوه، ومقلدو المتأخرين يتبعون ما أبدعه الغرب من غير تحصيل الأسباب التي جعلتهم يبدعون ما أبدعوه1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ العدد 15629.