حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
عودة إلى مفهوم المثقف الديني
حاول الأستاذ أحمد عايل فقيهي أن يلفت النظر من جديد لمعنى المثقف الديني, في مقالة نشرها في زاوية الرأي الثقافي في صحيفتنا عكاظ. وذلك في سياق مناقشته لكتاب أصدرته حول هذا الموضوع حمل عنوان (محنة المثقف الديني مع العصر). وقد أخبرني الأستاذ فقيهي أن مقالته هذه تعد واحدة من أكثر مقالاته المنشورة التي لفتت الانتباه والاهتمام, نظراً لطبيعة فكرتها وموضوعها. وتجلى هذا الاهتمام في مقالتين متتاليتين نشرهما الأستاذ محمد صلاح الدين في صحيفة المدينة حول الموضوع ذاته.
ونفس الاهتمام وجدته حينما أصدرت الكتاب المذكور, فهو من أكثر المؤلفات التي نشرتها اهتماماً بمناقشته, والحديث عن فكرته ومقولته وإشكاليته. وفي هذا الكتاب حاولت الدفاع عن مفهوم المثقف الديني, وإبراز قيمة هذا المفهوم, وأهمية الانفتاح عليه, وتجديد النظر فيه, وتكوين المعرفة بطبيعته وملامحه ومكوناته.
ويتصل بهذا الموضوع ولكن بسياق آخر, الملف الذي نشرته مجلة المجلة في وقت سابق, وتحديداً في أبريل 2005م, وكان ملفاً لافتاً للغاية, كنت أتوقع أن يفتح في وقته نقاشاً واسعاً لا يخلو من جدل ساخن, نتيجة الاقتراب من إشكالية حساسة وحرجة تنقسم فيها عادة وجهات النظر, وتتعدد بصورة حادة أحياناً. حمل هذا الملف الذي كان موضوع الغلاف عنوان (الرموز الفكرية في السعودية.. لماذا تقدمت النخب الدينية على النخب الثقافية؟) وفي داخل العدد تغير العنوان إلى (الرموز الفكرية في السعودية.. بين جماهيرية الشيخ وعزلة المثقف). وافتتح هذا الملف بمثال صارخ يقدم صورة محبطة للغاية, المثال هو: شريط كاسيت يحمل خطبة دينية لواعظ مؤثر يتفوق على عشرات الكتب والمؤلفات التي يقدمها المثقف في المجتمع السعودي. شارك في الملف عدد من الكتاب والدعاة والمثقفين السعوديين, وكنت ممن شارك في هذا الملف, واعتبرت أن المشكلة ليست في تضخم الرمز أو عدم وجوده, وحضوره الجماهيري وثقله المعنوي, وإنما في غياب المفكر الديني الذي يجمع بين المعرفة الدينية والمعرفة الحديثة, بين المعارف الدينية والمعارف التي تنتمي إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية, بين علوم النقل وعلوم العقل, بين التراث والحداثة. والحالة السعودية بحاجة إلى دور المفكر الديني الذي ينهض بمهام تجديد الحالة الدينية والثقافية, وتجديد الخطاب الديني والثقافي, الخطاب الذي يستطيع التواصل مع منطق العصر, ومع العالم بثقافاته ومعارفه المتعددة والمتنوعة, ومع الآخر المختلف, بعيدا عن ذهنية الإلغاء والإقصاء, وتحريك التنوير الديني, سعيا وتطلعا للخروج من المأزق الذي وصلنا إليه في علاقتنا مع العالم, ومن المحنة التي أفرزت ذهنية التطرف والعنف والغلو. ولا شك أن المفكر الديني هو الأقدر على إنجاز مثل هذه المهام. وحول إشكالية غياب القاعدة الجماهيرية للرمز الثقافي؟
وهذا وجه آخر للمشكلة, التي تتحدد في صورتين, في صورة رموز دينية غير مفكرة, ورموز مفكرة لكنها غير دينية. في الحالة السعودية هناك حالة دينية تتيح اكبر الفرص,
وأوسع الإمكانيات لبروز وصعود الرمز الديني. وهذه الملاحظة شديدة الوضوح والإدراك. في المقابل لا توجد حالة ثقافية تتيح الفرص والإمكانيات لبروز وصعود الرمز الثقافي.
والمفكرون من طبيعتهم لا يراهنون على التأثيرات السريعة والفورية والعاطفية, وإنما يراهنون على التأثيرات البعيدة والعميقة والعقلية. فالمعيار الحقيقي هو في القدرة على البقاء والوجود والثبات.
ونحن في هذه المرحلة بأمس الحاجة إلى دور وفاعلية الثقافة, وضرورة التخلق بها, وإعادة الاعتبار لها, واكتشاف قيمتها وحكمتها. فالثقافة هي جزء أساسي من التفكير في البحث عن حل لمأزقنا ومحنتنا. وبالتالي فنحن بحاجة إلى كسب المثقف, والتوقف عن الخطاب الذي يقلل من قيمته ومكانته واعتباريته, والتخلي عن منهجية المفاضلة بين الشيخ والمثقف1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء / 22 يونيو 2005م, العدد 14179.