مجموع الأصوات: 32
نشر قبل سنة واحدة
القراءات: 1752

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

كربلاء ينبوع الثورات

لقد شحنت كربلاء إردة الامة بالعزيمة الراسخة، بما بلورت الاحاسيس الخيرة في الانسان، ذلك لان للانسان مخزوناً كبيراً من العقل والارادة والعاطفة، وغالباً ما يموت الانسان قبل أن يستفيد من هذا المخزون الضخم إلا شيئاً قليلًا، وان من أهداف رسالات السماء ومصلحي البشر اثارة دفائن العقول، وشحذ وتحريك الارادة والعاطفة، واستخراجها من باطن الانسان الى واقعه، وهذا ما فعلته ملحمة كربلاء تماماً، فقد كانت هي الطليعة والقدوة لجهد الانسان في تفجير مخزونه الارادي والعقلي والعاطفي. ففي بعض الاحاديث نقرأ عن الامام الحسين (ع).

«السلام عليك يا قتيل العبرات، وأسير الكربات».

فملحمة كربلاء لا زالت عبر التاريخ تستدر دموع الناس عامة، وخاصة الموالين، ومجالس العزاء كانت ولا تزال تقام على مدار أيام السنة لا سيما في شهر محرم الحرام، وكذلك فان ذكر الامام الحسين أصبح على كل لسان وفي كل مكان بل في كل مناسبة، ويحق لنا أن نتساءل: لماذا كان الامام الحسين (ع) كذلك؟

لقد قام الامام الحسين (ع) بثورة وتحول مع مرور الزمن الى ثورة، بل الى مفجر للثورات في ضمير الانسان، ولم يعد الامام الحسين (ع) ذلك القتيل على رمضاء كربلاء، ولم تعد عاشوراء تلك الفترة المحدودة من الزمن فقد أصبح الامام رمزاً للثورة، وحينما نذكر الامام الحسين (ع) تجري دموعنا وتلتهب مشاعرنا وعواطفنا بصورة ارادية وغير ارادية، ويعبر عن هذه الحقيقة حديث شريف جاء على لسان النبي آدم (ع) يخبره فيها بالحوادث التي ستقع في الارض من بعده، ومن جملة ما أوحى اليه قصة رسالة خاتم الانبياء والرسل أجمعين عليهم السلام وبين له بأن الائمة والاوصياء من بعده منه، فلما انتهى الى ذكر الامام الحسين (ع) قال آدم:

«اني استبشر كلما مر عليّ اسم من أسمائهم إلا عند ذكر الامام الحسين (ع) فإني أشعر بالحزن والكآبة، فلماذا؟، فأوحى اليه الله سبحانه وتعالى بقصة كربلاء بصورة مفصلة».

هكذا تصور لنا الاحاديث المأثورة تحوّل الامام الحسين (ع) من شخص الى رمز، ومن رمز الى مسيرة، ومن مسيرة الى حقيقة ثورية، وعندما نقول بأن الامام الحسين (ع) كان ثورة فهذا يعني ان كل قلب يتفجر ثورة حينما يرتبط بينبوع الامام (ع) وحينما يذكر الامام الحسين (ع) تقفز الى الاذهان فكرة الشهادة والبطولة والفداء، وكل معاني العمل من أجل الله والمستضعفين والمحرومين في الارض، وكلما تجددت ذكرى عاشوراء

تفتحت أبصارنا لمآسي أكثر بكثير مما جرى في صحراء كربلاء من الاثارة، وتفجير الطاقات، حيث ان ملايين البشر على امتداد الارض يتحولون في يوم عاشوارء تحولًا ثورياً. يغذيهم بمعاني الثورة خلال السنة كلها.

ويتجدد ذلك في كل عام في أكثر من بلد وقطر، في الولايات المتحدة الامريكية مثلًا وفي مبنى هيئة الامم المتحدة بالذات تقام ذكرى الامام الحسين (ع) الشهيد في محرم الحرام، وكذلك في افريقا وروسيا والصين تجد مثل هذه المناسبات حيث تتجدد ملحمة كربلاء في النفوس بل في الحياة الاجتماعية لملايين من البشر ليتزودوا منها في عامهم الى العاشوارء المقبل.

الامام الحسين (ع) ثورة الذات.

أربعة عشر قرناً من الزمان ولا نزال نجد الناس يستمدون من ثورة الامام الحسين (ع) معاني الثورة والاندفاع والتضحية مما يدل على ان هذه الملحمة قد تحولت الى مسيرة، والامام الحسين (ع) الى ثورة، وهذا حدث هام في حياة البشر ولكن السؤال الآن هو:

أي ثورة أصبح الامام الحسين (ع)؟

وكيف أصبح ثورة؟

وفي أي مجال؟

لقد كان الامام الحسين (ع) في البدء ثورة على الذات، لان أي انسان لا يستطيع الانتصار للرسالة دون أن يحقق انتصاراً على ذاته، ونحن لا نريد أن ننتصر لا نفسنا لان هذه فكرة خاطئة، بل نريد أن ننصر دين الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الهدف الاسمى، فاذا نصرنا دين الله تعالى شاء الله أن ينصرنا، وينصر بنا الآخرين ويجعل منا جسراً لسعادة الآخرين وفلاحهم.

وهناك حقيقة لابد للثائر أن يزرعها في نفسه، وهي انه لا يبنغي للثائر الحقيقي أن يستهدف الوصول الى الكراسي أو البلوغ الى المراكز، كلا. إنما ينبغي عليه أن يعمل للناس للآخرين، ونتيجة العمل من أجل الناس هو العمل لله سبحانه وتعالى، وفي هذا الجانب يحدثنا القرآن الكريم حيث يقول:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ 1

فان الدرس الاول الذي يمكن أن نستوحيه من كربلاء الحسين (ع) هو النصر لله وحده، لا النصر المؤدي الى الكراسي، وفي يوم عاشوراء رفرف النصر على رأس الامام الحسين (ع) وخير بين النصر أو الشهادة، كما جاء في بعض الاحاديث، فرفض النصر واختار الشهادة لعلمه بأن شهادته انتصار حقيقي للرسالة حيث قيل عنه: «فلتروى ظامية الضب بدمي».

واذا كان ثمن استقامة الدين الاسلامي دم الامام الحسين (ع)، فانه لن يبالي بل سيدفع الثمن راضياً مرضياً، ولقد جاء عنه (ع): «ان كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي، يا سيوف خذيني».

بأمكان الامام الحسين (ع) أن يختار طريقاً للخلاص من الموت بل والانتصار على يزيد، ولن صمم على مواصلة مسيرته الرسالية من أجل نصرة الله والحق.

الامام الحسين (ع) وتكاملية العطاء.

نستلهم من هذه الذكرى التي تتجدد كل عام انه حينما يريد الانسان أن يهب نفسه لله فلا يجب أن يطلب لنفسه شيئاً مما وهب، لان الافضل أن يهب الكل وإلا فلا يجب عليه أن يسقط من فكره الذاتية، واسقاط الاعتبارات الذاتية هو الهدف الذي من أجله قام الامام الحسين (ع) في كربلاء، فلقد أعطى الامام الحسين (ع) جميع من حوله الاذن بالبراز، وأول من بارز أمام الامام الحسين (ع) ابنه على الاكبر (ع) وهو أحب أبنائه الى قلبه، فكم كان الامام الحسين (ع) يحبه، لانه بقدر التصاق الائمة والمصلحين بمبادئهم ورسالاتهم يلتصقون بالمعاني الانسانية فهم يبلغون القمة في شفقتهم على أبنائهم، لاسيما اذا كان الابن يمثل في ذاته رسالتهم مثل [علي الاكبر «ع»] الذي هو أشبه الناس خلقاً وخلقاً برسول الله الذي يقول عنه الله عز وجل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ 2.

فتتجدد محبة الامام الحسين (ع) لابنه الاكبر لانه رمز لرسول الله الذي هو بدوره رمز للاخلاق الفاضلة، ولكن مع كل ذلك يأذن لابنه بالبراز ويقدمه في طليعة أهل بيته وأنصاره (ع)، ومعنى ذلك ان الامام الحسين (ع) وهب كل ما يملك مثالًا آخر على ثورته، انه ضحى بابنه الطفل البالغ من العمر ستة أشهر فلقد رآه يصارع الموت، وهذا الطفل الذي كان يمثل بالنسبة لمثل عمر الامام الحسين (ع) أملًا كبيراً، لان الطفل امتداد للانسان، وحب الانسان لطفله إنما هو لابراز شخصيته في المستقبل وتنشئته نشأة صالحة، هذا هو الحب الذي ينبعث ويشتد كلما شعر الانسان بالخطر.

والامام الحسينعليه الصلاة والسلاملم يشعر بالخطر فقط وإنما كان عنده علم اليقين بأنه سوف يموت ومع ذلك أخذ ابنه معه وهو يعلم طبيعة نيات القوم، وما ذا سيفعلون به، ولكنه برغم ذلك يذهب به ليطلب له شربة من الماء، فيذبح على يدي والده (ع)، وينقل التاريخ بأن للامام الحسين (ع) طفلين رضيعين قتلا في كربلاء، الاول كان عمره ستة أشهر، والآخر كان عمره ساعات، هذا عن الجانب المادي بالنسبة لتضحية الامام الحسين (ع).

وفي الجانب المعنوي أيضاً قدم (ع) شيء، فبقدر ما كانت كربلاء أليمة ومفجعة ماوراء ها من اتهامات كبيرة نجد أثرها حتى هذا اليوم، وهي كذلك أليمة ومفجعة، فشريح القاضي وما أكثر من أمثاله في واقعنا المعاصر يفتي بوجوب قتل الامام الحسين (ع) حتى بلغ الامر أن يقول الامام الصادق (ع) عنه: «ازدلف إليه ثلاثون ألفاً كلهم يتقربون الى الله سبحانه وتعالى بسفك دمه».

هكذا عملت الدعايات المظللة بأدمغة الناس، وبعد أن قتل الامام الحسين (ع) وسبي أهل بيته، كان يعتقد الناس بأنهم سبايا الترك أو الديلم، وهذا سرعظمة الامام الحسينعليه السلامإذ أنه قدم نفسه وأهل بيت فداء لدين الله مختاراً.

ان الانسان ربما يختار الثورة لنفسه لكنه لن يكون مستعداً للتضحية بأهله وأقاربه، فيرضى لنفسه الشهادة ولا يرضى للاقرباء والاولاد خوفاً عليهم، وهناك الكثير من الناس يحجم عن الاعمال الثورية، والعمل في سبيل الله بالخوف من التضحية أساساً.

انه من الخطأ أن يخشى الانسان على أقربائه من أن يقتحموا الثورة، لأن الواجب أن يثور ويسمح لغيره بالثورة، لانه ليس الذي يبتليهم، وإنما الطاغوت هو الذي يضغط عليهم، فاذا ثار المجاهد مثلًا واعتقلت السلطة الطاغوتية زوجته وأولاده ووالديه، فاعلم علم اليقين انهم دخلوا ساحة النضال من أوسع أبوابها، أما هو فله الثواب أن ادخل الآخرين في ساحة النضال كون ساحة النضال مباركةً فليدخلها الجميع.

اننا نجد الامام الحسين (ع) مثلًا يأتي بكل اهل بيته (ع) الى صحراء كربلاء، وهو يعلم ماذا سيحدث فقد قال الامام الحسين (ع) عندما سأله ابن عباس عن سبب خروج النسوة معه قال: «لقد شاء الله أن يراهن سبايا».

ومع علمه بذلك إلا أنه يذهب بهن مطمئناً لعلمه ان هذا درس عظيم من دروس الثورة الاسلامية، إذن تقدم ولا تفكر فيما يصنع من خلفك فان الله سبحانه حاميهم وحافظهم.

الامام الحسين (ع) ثورة ضد العسكر.

وهناك درس آخر تجب الاشارة اليه في سياق الحديث عن الثورة الحسينية، فنحن عندما نقول بأن الامام الحسين (ع) تحول الى ثورة فاننا نعني انه (ع) ثار ضد حالة الانهيار ومسيرة التراجع التي بدأت تدب في الامة الاسلامية بشكل سريع خاصة في عصره (ع).

وقبل الخوض في هذا الحديث لابد الحديث عن الفتوحات الاسلامية التي أذهل المراقبين عبر التاريخ، لانها كانت حركة سريعة ومفاجئة وسهلة، والمسلمون حينما عبروا السهول والهضاب والجبال والبحار من كل جهة وفي كل الابعاد. انسياب الماء النازل من الجبل، بدءاً بفتح اليرموك والحيرة في جانبي الجزيرة وانتهاءاً بسقوط الامبراطورية الفارسية، وكذلك اقتطاع أجزاء كبيرة من الامبراطورية البيزنطية في آسيا وافريقيا، أما في زمن الامام الحسين (ع) فكانت الفتوحات الاسلامية تتجه الى هند.

من الطبيعي ان الذي يقوم بهذه الفتوحات هو الجيش فان القوة المسلحة، والقوة الغازية، والقوة الفاتحة هي التي تكتب أكثر الانتصارات للامة التي مازالت تحمل في قلبها ذكريات ايام الجوع والعطش داخل الجزيرة العربية، بيد ان هذه القوى لابد أن تغتر بنفسها وتفتش عن دور لها

في ادارة البلاد وسياسته، مع العلم بأن القوة العسكرية اذا دخلت البلاد أفسدتها لانها تريد أن تحكم فيها بمنطق حكمها (أي منطق السيف والحرب والمعارك الدامية) وهكذا جرت الامور في الامة الاسلامية، وكل حضارة في العالم تمر بهذا الدور، أو هذا المنعطف الحساس، فالحضارة لابد أن تدعم القوات المسلحة باعتبارها الدرع الواقي ضد الاعداء، ولكن ما أن تدعم هذه القوات حتى تتعرض لخطر داهم عليها.

ان هذه المعضلة الحضارة كانت موجودة عند كل الحضارات فاذا كانت في الامة بقية ارادة تتجلى في نهضة .. تتجلى في سلطة قوية أو في جماهير أقوياء، اذا كان ذلك موجوداً (النهضة والقيادة والجماهير الاقوياء) فان القوة العسكرية الموجودة على الحدود لا تستطيع أن تنكفأ الى الداخل وتحطم ما حققته في الخارج، وإلا فان هذه القوة التي اكتسبت الانتصارات لهذه الامة هي التي ستهدم كل ما بنته بيدها، والله سبحانه وتعالى يوضح لنا جانباً منها في قصة عاد قال تعالى: ﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ 3.

ان هوداًعليه السلامأراد أن ينبههم قائلًا: ان هذه القوة التي تملكونها من الله تعالى وان استخدامكم لهذه القوة في طريق البطش والارهاب والاحساس بالخلود سوف يضركم، وسوف يأخذكم الله بعذاب عظيم بسببها.

ان ثورة الامام الحسين (ع) لم تكن بعيدة كل البعد عن هذا المضمون، فلم يرد الامام الحسين (ع) أن يخضع للارهاب أو لسلطة القوة، ولم يرد أن يأتي العسكر الذين فتحوا أطراف البلاد للحكم.

وبدراسة التاريخ نجد ان النظام الاسلامي (مع قطع النظر عمن كان يسود النظام) أي المؤسسة السياسية في الدولة الاسلامية كانت منتبهة لهذا الخطر فكان كل قائد عسكري يحرز الانتصار يعزل لكي لا يفتتن الناس به، وها نحن أمام ظاهرة جديد من هذا النوع.

ان يزيد لكي يعمل على تركيز سلطته اعتمد على القادة العسكريين الذي فتحوا البلاد، فوزع عليهم الاراضي، وأمّا عمر بن سعد فمناه بملك الري ان انتصر على الامام الحسين (ع) كما ان معاوية بن أبي سفيان بعث الى مصر عمر بن العاص الذي كان يوماً ما قائداً فاتحاً لمصر، أي حكم القيادة العسكرية ضد إرادة الجماهير، هكذا كان يزيد امتداداً لمعاوية، وابن زياد كان امتداداً لزياد بن أبيه وكان عمر بن سعد امتداداً لسعد بن أبي وقاص الذي كان أحد القادة الذين فتحوا العراق، وعمر بن سعد ابنه، وهو حاكم باسم أبيه.

وهناك نتيجة وهي ان الاستقراطية الاجتماعية في النظام الاموي كانت تورث الرتب العسكرية، فمن كان أبوه قائداً فانه يرثه من بعده، وهذا أغرب نوع من الارث، لان هذا ابن القائد الفلاني فينبغي أن يصبح هذا قائداً، وها هو عمر بن سعد ورث أباه قيادة الجيش المعد للغزو والفتح وها هو ابن زياد يهدد أهل الكوفة بجيش الشام، وقد قام قبل شهر واحد من واقعة كربلاء بالضبط بانقلاب عسكري في الكوفة التي هدّدها بحاميات من الجيش الشامي حيث كان يخوفهم به للقضاء على إرادة الجماهير وهذا انقلاب عسكري بكل معانيه، وهذا الانقلاب حوّل القوة العسكرية التي بنيت لفتح البلاد الاخرى الى قوة لقهر إرادة الجماهير، والامام الحسين (ع) قاوم هذا التحول من أجل مصلحة الامة الاسلامية ومصلحة تاريخها ونجح في ذلك وأعاد القيادات العسكرية الى ثكناتها، وهذا وجه من العلاقة بين قيام الامام الحسين (ع) وبين قيام الانبياء (ع) كهود وصالح الذين قاوموا الجبارين، ومن الغريب أن أصحاب الامام الحسين (ع) يعلمون ان عظمة حركتهم وانها امتداد لحركة الأنبياء (ع) وان البطش وغرور القوة والعسكرتارية يجب ان تحطم في كربلاء والدليل على معرفتهم بذلك هي بعض أقوال الامام الحسينعليه الصلاة والسلاموأصحابه. جاء حنظلة بن سعد الشامي فوقف بين يدي الامام الحسين (ع) يقيه السهام والرماح والسيوف ويتلقاها بوجهه ونحره، وأخذ ينادي ياقوم اني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب .. ويا قوم اني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم .. يا قوم اني أخاف مثل يوم الاحزاب، مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلماً للعباد يا قوم لا تقتلوا حسيناً فسيحكم الله بعذاب وقد خاب من افترى.

هكذا ينصحهم ويذكرهم بمصير الاقوام السابقة الذين كانوا في ذات الخط .. وهكذا نجد مثل هذه الكلمة تتكرر عند الآخرين من أصحاب الامام الحسين (ع) فمثلًا جاء سعيد بن عبد الله الحنفي وتقدم أمام الحسين (ع) فصار هدفاً لنبالهم حتى سقط على الارض وهو يقول (اللهم العنهم لعن عاد وثمود .. اللهم أبلغ نبيك (ص) عني السلام وأبلغه ما لقيته من الجراح فاني أردت بذلك نصرة ذرية نبيك) ثم استشهد (رضوان الله عليه) فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح، فهم يعرفون لماذا يعملون.

هناك شيء أخير نذكره في ختام هذا الموضوع من الدروس في الثورة الحسينية، ان أصحاب الامام الحسين (ع) كانوا يعرفون انهم يحبون الجنة ويبتغون دخولها، ولكننا في أي عمل نقوم به لابد أن ننوي أن يكون العمل لله حتى يعطينا الله سبحانه وتعالى الاجر ويزكينا، وعلينا أن نسعى لكي لا يدخلنا أدنى شك أو ريب في أن هذا العمل لله، ففي الصلاة مثلًا نقول (نويت أن أصلي صلاة الصبح قربة الى الله تعالى) وكذلك في الصوم وغيره من الاعمال فالعمل في سبيل الله أن تسبقه النية مثل سائر الاعمال وهذه النية ذات فائدة كبيرة حتى يصبح العمل خالصاً لله تعالى، إذن يجب في العمل لله سبحانه أن نؤكد لانفسنا ونوحي لها باستمرار بأهمية العمل وان نيته لله تعالى بعيداً عن الذات، فاذا العمل يجب أن يؤدي وبنية خالصة لله ولايجب أن نغضب عندما يقولون لنا بأننا لم نفعل ذلك الواجب، لان الله سبحانه قد كتبه لنا أجراً وثواباً.

ان من أهم الصفات التي يبينها الامام الصادقعليه السلامفي دعائه لعمه العباس (ع) في كربلاء انه كان على بصيرة من أمره، فوضوح العمل الذي يقوم به يعطي عملنا قوة وصلابة واستقامة، فنظرة الى أصحاب الحسين (ع) تعرفنا ما لديهم من أفكار يقول هلال بن نافع منشداً:

أنا الغلام البجلى اليمني      ديني على دين حسين وعلي

ان أقتل اليوم فهذا أملي    فذاك رأي وألاقي عملي
انه كان يعمل طول حياته في سبيل الله ليقدم لنفسه في حياته الاخرى المثوبات وكان يقول في معنى شعر «إنما اقتش عن ذلك الجزاء الذي قدمت له عملًا في هذه الدنيا وهو قتلي هذا اليوم فهذا أملي وهو رأي وألاقي غداً عملي».

وهذا رجل آخر من أصحاب الامام الحسين (ع) ويبدوا انه كان من أصحاب البصائر وهو (شوذب) وهو مولى لأبي شاكر، يأتي هذا الرجل الامام الحسين (ع) فيقول له: «يا أبا عبد الله أما والله ما من أحد على وجه الأرض قريب أو بعيد أعز عليّ، وأحب اليّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك قتل أو الضيم بشيء أعز علي من نفسي ودمي لفعلت» ثم قال: «السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد اني على هداك وعلى هدى أبيك» ثم مضى بالسيف نحو القوم وقاتل حتى قتل، وكان بعض أصحاب الامام الحسين (ع) في أرجوزاتهم لا ينتسب الى نفسه بل الى امامه، وكان البعض يؤكد على انه يبحث عن الجنة فسعد بن حنظلة التميمي ينزل ساحة الصراع وهو ينشد هذه الابيات قائلًا:

صبراً على الأسياف والأسنة      صبراً عليها حتى دخول الجنة

و حور عين ناعمات هن          لمن يريد الفوز لا بالظنة

يا نفس للراحة فاجهدن          وفي جلاب الخير فارغبن

انه كان يعلم جيداً ان دخول الجنة ليس بالاماني إنما يجب أن يصبر على السيوف والاسنة ليدخل الجنة، ومن ضمن أرجوزاتهم يخاطب نفسه: ارغبي في الراحة ولكن الراحة لا تأتي إلا بالتعب، وأرغبي في طلب الخير فان الجنة خير والجزاء خير.

وهناك قصة معروفة «جرى مزاح بين مسلم بن عوسجة وحبيب بن مظاهر- رضوان الله عليهما- فقال حبيب: يا مسلم الآن ليس وقتها، نحن في حالة حرب والأعداء يحيطون بنا من كل مكان، فقال له مسلم أتعلم انني لم أكن أحب الهزل في شبابي ولا في كهولتي وأنا شيخ كبير، ولكن اذا أردت الحقيقة، اليوم وقت المزاح اليوم وقت الهزل ان كان هذا هزلًا، فيقول حبيب: كيف ذلك؟!! فيقول له: لايوجد بيننا وبين الجنة وعناق الحور العين إلا ساعات نقترب منهم ونعالجهم ويعالجوني بالسيوف فنستشهد في سبيل الله، ونذهب الى مقرنا الابدي عند الله سبحانه وتعالى.

وما أعظمها من دروس كتبها أصحاب الامام الحسين (ع) بدمائهم وعظماء أولئك الذين يستوحون الدروس من مدرسة كربلاء ومن أصحابها. حيث كانت مزدحمة بالتلاميذ عبر التاريخ من كل حدب وصوب، ومن كل فئة، ومن كل لون من ألوان الناس ولكن يجب علينا أن نسجل أنفسنا منذ هذه اللحظة، أو نجدد تسجيلنا في هذه المدرسة، ونسعى من أجل أن نصبح الافراد الممتازين في هذه المدرسة، وذلك أملنا من الله الذي نبتهل اليه سبحانه من أجل تحقيقه 4.