تقيمك هو: 1. مجموع الأصوات: 55
نشر قبل 5 سنوات
القراءات: 6424

حقول مرتبطة: 

الكلمات الرئيسية: 

الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

كفاءاتنا.. كيف نكتشفها؟ قراءة في مجتمع القطيف

1 ـ تنامي الكفاءات

حين نقوم بعقد مقارنة على المستويين: الكمي والكيفي بين كفاءات وقدرات بلادنا قبل 25 عاماً والآن (1400ـ 1425هـ) نشهد التغير الكبير ملموساً واضحاً.

أ ـ علماء الدين

فحينذاك كان عدد علماء الدين ضئيلاً جداً، وكان يضطر بعضهم إلى توزيع أيامه على المناطق والقرى؛ ليسد النقص الفجيع ـ لكن.. تنامت شريحتهم الآن، بحيث تشير التقديرات حاضراً إلى وجود أكثر من 425 عالم دين في محافظة القطيف، وكثير منهم إمام جماعة، أو خطيب، أو مؤلف، أو متصدٍّ للمهام الدينية والاجتماعية، أو….، أو يجمع أكثر من جانب في شخصيته.

وبرز منهم فضلاء يدرِّسون السطوح العالية كالمكاسب والرسائل والكفاية، ومقرِّرون لبحوث الخارج، وشُهد لبعضهم بنيل درجة الاجتهاد، كما برزت منهم فئة تجمع بين الحقلين المعرفيين: الديني والأكاديمي.

ب ـ المثقفون

كان الحاصلون على الشهادة الابتدائية أفراداً قلائل، ربّما يعدّون على أصابع اليد الواحدة، وعندما يصل مكتوب إلى شخص ما.. في المجتمع، فإنّه ينظر إليه كطلسم يحار في فكّه، لولا ورود أسماء معينة محدودة هي القادرة على ذلك.

لكنّ مجتمعنا الآن يحفل بمئآت المثقفين والأكاديميين في شتى الحقول النظرية والتطبيقية، وإن افتقرنا إلى إحصائية دقيقة لهم ولأسمائهم، واختلفنا في وضع تحديد مفهومي لمعنى (المثقف).

ج ـ الأدباء والنقاد

وفي الوقت الذي كان نزر يسير يجيد الوزن والقافية، ويمسك بتلابيب اللغة، ويصعب العثور على شاعر ليس من علماء الدين ـ تغير ذلك، فها هي الكثير الدواوين المطبوعة، ويكفي أن نطلّ على المجلات التي تزخر بها الساحة الاجتماعية في بلادنا وخارجها، وعلى الإنترنت؛ لنشاهد تلك المشاركات الأدبية والنقدية التي يبشر بعضها بمستقبل واعد، وبعضها الآخر هو على مستوى فنّي ناضج.

كلّ ذلك يدل على أنّ قطيف اليوم ليست قطيف الأمس التي يمكن إغفالها في الشأن العلمي والمعرفي.

2ـ كيف نتعامل مع الكفاءة؟

إن أردنا أن نقوم ببحث وصفي، ونتحدّث بصراحة، وبعيداً عن المجاملات الاجتماعية فإنّ طريقة تعامل المجتمع مع الكفاءات طريقة تجلب الحسرة والألم،.. طريقة بخس وإجحاف، تترفع عن التعرف عليهم، والتعريف بهم، ومساعدتهم العملية في مجال كفاءتهم (كطباعة ونشر إنتاجهم)، ربما لأنّ (الناس أعداء ما جهلوا)، أو (فتاة الحي لا تطرب!) عند من لا يقدِّر نغمها، ولا يهزه وتر قيثارها.

أو لأنّنا:

كضرائر الحسناء قلن لوجهها *** حســداً وبغضاً: إّنه لقبـيـحُ

أو لأنّ (المعاصرة حجاب)، و(نحن أمة تقدس الأموات)، ولا تعطي قيمة للكفاءة الحية، يتلظى الكفء فيها عطشاً بين أيديها ونواظرها، ويذوي، ويموت؛ لنحضر مجلس عزائه ونسحّ الدموع السخينة، ثمّ نقول: لقد كان وحيد الزمان وأعجوبة الأكوان!!. ولعله لو نطق لقال:

لا ألفينك بعد الموت تندبـنـي **** وفي حياتك ما قدّمت لي زادا

ولو نظرنا إلى مجتمعات قريبة كـ (إيران)، لأدركنا مدى الحفاوة التي يتلقاها أطفال نوابغ، كعلم الهدى الطباطبائي (الطفل المعجزة)، وجمشيد، الحاصلين على شهادة الدكتوراه، وكُثِّرت لهم الصور والأشرطة والدروس، وابتسم لهم الحظ، وانهالت عليهم الإشادات، وتبارت أفلام ومحاضرات التعريف، وغمرتهم أحضان المسؤولين والقادة ـ وعلى أرفع المستويات ـ بفيض هتّان من الحفاوة والتكريم، ويكفي أن نرى نموذجاً منها لصورة الطفل المعجزة جالساً مع السيِّد الخامنئي، قائد الدولة وأرفع مسؤول فيها.

وأما عن الغرب وحفاوته برموزه وكفاءاته فلا قياس، فقد كُتبت عن الرسام الأسباني (بيكاسو) مئآت الكتب وهو حي يرسم لوحاته، وما كُتب عن (نابليون بونابرت) تجاوز الـ 100،000كتاب، وأكثر من الـ 1,000,000 مقال، "مع أنّه لم يكن مرضي السيرة في أفعاله الخاصة، وأنّ سياسته وطموحه ساق الرزايا والويلات إلى وطنه فرنسا، وقيمته الأولى أنّه بطل المغامرات، وعظيم الغرور بالذات"، كما يقدِّر ويقول الشيخ محمد جواد مغنية. فضلاً عن مشاهير كـ (مارتن لوثر) و(كالفن)، و(ديكارت)، و(بيكون)، و(نيوتن)، و(إيشتاين)، و(مندل)، (بلوم)، و(شكسبير)، و(ديكنز)، و(إليوت)، و(رولان بارت)، و(ميشيل فوكو)، و(جاك دريدا)، و(بيت هوفن)، و......

كما يعدّ (ستيف هوكينغ) ثالث أكبر فيزيائي مرّ على الوجود بعد (نيوتن) و(إنشتاين)، وقد أنتجت عنه عشرات المقالات والكتب والأفلام؛ تعرّف به وبنظرياته كـ (الانفجار العظيم، أو الخبطة العشواء، ومقابر النجوم، والكون الفتي، و…)، ولو كان عندنا لما وجد له مكاناً أفضل من دور العجزة، فهو شخص مشلول، ولا يتكلم، ولا تتحرك فيه إلا أصابعه التي يكتب بها على أزرار كمبيوتر خاص يتولى نطق إجابته!!

إنّ عدداً لا بأس به من صانعي مجد أمريكا ليسوا من أصل أمريكي، لكنها استطاعت استقطابهم، وكسبهم، فلماذا قدّروا كفاءاتهم، وضيّعنا كفاءاتنا؟

إنّ العوامل الطاردة التي تضخ بها بلدان العالم الثالث هي السبب الأكبر لنزيف الأدمغة، وهي عامل أشد تأثيراً من العوامل الجاذبة في الدول المتقدّمة.

فمتى نفيق من سكرتنا الطويلة؟!

3ـ كيف نكتشف الكفاءة؟

هل عقمت بلادنا عن أن تلد نوابغ كالصلتان العبدي والمتلمس والمرقشين: الأكبر والأصغر، وطرفة بن العبد، وعلي بن المقرّب العيوني، الذين أنبتتهم البحرين القديمة، أو كأبي البحر الخطي، والشيخ علي الجشي، والشيخ يوسف أبي ذئب، والشيخ محمد بن نمر، و.... الذين أنتجتهم القطيف؟

هل عقمت أن تنجب شخصاً كالعلامة الحلي، وفخر المحققين، والطفل المعجزة، ومجتبى مسعود، وجمشيد؟، الذين ازدانت بهم دوحات دول مقاربة؟

لا..، ولكنّ الفرق أنّهم يكتشفون الكفاءة، ويبرزونها، ونحن نهملها، بل.. ندسها تحت التراب!! .. فكيف نكتشف الكفاءة؟

أ ـ دور الكفاءة

ينبغي أن تعرِّف الكفاءة بنفسها، وترك التواضع المفرط الذي ضيّع قسماً كبيراً من طاقاتنا وتراثنا.

لقد قال يوسف الصدِّيق لملك مصر: ﴿ ... اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ 1، طلب أن يكون وزير اقتصاد، وبيّن مؤهلاته، فهل حال طهر النبوة عن ذلك؟!

ب ـ دور الأسرة

فعلى عاتقها مسؤولية اكتشاف الكفاءة، وتأهيلها، ورفدها بدورات علمية وعملية؛ لتفجير قدراتها، وإخراجها من القوة إلى الفعل، من كونها طاقة كامنة ساكنة إلى طاقة حركية فاعلة.

ج ـ دور مؤسسات المجتمع الأهلي

فالمجاميع التي تنبثق من أرضيت المجتمع، كلجان الاحتفالات، والعزاء، والدروس الصيفية، والزواج الجماعي، و…. لديها القدرة على استنطاق الكفاءات، وتنميتها، ودمجها ضمن الفاعليات الاجتماعية.

د ـ دور المؤسسات الرسمية

فمن المدرسة إلى قمة العمل الرسمي، مروراً بدوائر الإعلام، ينبغي أن تقوم بعملية مسح شاملة ونزيهة للبحث عن القدرات، وتسليط الضوء عليها، ووضعها في المكان المناسب.

عندما يلقي طفل أنشودة في (طابور الصباح)، فيصفق له المدير والمدرسون والطلاب ستنتشي نفسه بفرحة ربّما تفوق فرحة (أرخميدس) يوم اكتشف نظرية الطفو، و(آرومسترونج) يوم وطأ القمر..2