حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
معنى القضاء والقدر في الاصطلاح العقائدي
الرأي الأوّل
القضاء والقدر عبارة عن كتابة اللّه تعالى كلّ ما سيجري في الكون بتمام خصوصياته وقدره في اللوح المحفوظ، والتي منها كتابته عزّ وجلّ ما سيجري على العباد وإخبار الملائكة بذلك .
أقوال العلماء المؤيدين لهذا الرأي :
1 ـ الشيخ الصدوق: "يجوز أن يقال: إنّ الأشياء كلّها بقضاء اللّه وقدره تبارك وتعالى بمعنى أنّ اللّه عزّ وجلّ قد علمها وعلم مقاديرها"1.
2 ـ المحقّق الطوسي: "والقضاء والقدر إن أُريد بهما خلق الفعل لزم المحال .. والإعلام [ أي: وإن اُريد بهما الإعلام والإخبار ] صحّ مطلقاً".
3 ـ العلاّمة الحلّي: "أ نّه تعالى قضى أعمال العباد وقدّرها [ فإذا قلنا ] أ نّه تعالى بيّنها وكتبها وأعلم أنّهم سيفعلونها فهو صحيح ، لأ نّه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبيّنه لملائكته .."2.
خلاصة هذا الرأي :
القضاء والقدر ينقسم إلى قسمين :
1 ـ القضاء والقدر العلمي: وهو علم اللّه الذاتي بما سيجري من أُمور في الخلق مع علمه تعالى بالحدود والمقادير المحيطة بها، والعلم بعلّتها التامة الموجبة لها .
2 ـ القضاء والقدر الفعلي (العيني): وهو تسجيل اللّه لهذا العلم في لوح المحو والإثبات ، وتدوين كلّ فعل مقدّر بالمقادير ومستند إلى علّته التامة الموجبه له .
الحكمة من كتابة المقادير وتدوينها :
إنّ اللّه تعالى لا يحتاج إلى كتابة المقادير، وهو منزّه عن السهو والنسيان ، وإنّما المقادير تدوّن لكي تتلقاها الملائكة كأوامر، فتقوم بإنجاز الأعمال الموكّلة بها وتنفيذها بإذن اللّه، ومنه قوله تعالى:﴿ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴾ 3، والمقصود من المدبرات كما ورد في التفاسير هي الملائكة التي تدبّر شؤون الخلق .
عمل الملائكة :
إنّ لكلّ حدث في هذا العالم ـ إضافة إلى العلل والأسباب المادية ـ علل وأسباب غيبية خافية علينا، بحيث لا يمكننا معرفتها بالحس ورصدها بالتجربة ، وتعتبر الملائكة من هذه الأسباب الغيبية حيث إنّها تقوم بمهمات خاصة في هذا العالم .
الرأي الثاني حول معنى القضاء القدر اصطلاحاً
القضاء: إنّ القضاء الإلهي في أفعال العباد يعني أنّه تعالى :
قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها .
وقضى في أفعالهم السيئة بالنهي عنها .
القدر: إنّ القدر الإلهي في أفعال العباد يعني أ نّه تعالى بيّن مقادير أوامره ونواهيه للعباد، ووضّح لهم تفاصيل هذه التكاليف 4.
أدلة هذا الرأي :
1 ـ قال علي بن موسى الرضا(عليه السلام): " ... ما من فعل يفعله العباد من خير وشرّ إلاّ وللّه فيه قضاء" .
فسأله الراوي: فما معنى هذا القضاء؟
قال(عليه السلام): "الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة"5.
2 ـ فسّر الإمام علي(عليه السلام) القضاء والقدر لمن سأله عنهما بأ نّهما الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية .
فلما سُئل (عليه السلام): فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟
قال(عليه السلام): "الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية ، والمعونة على القربة إليه ، والخذلان لمن عصاه ، والوعد والوعيد والترهيب . كلّ ذلك قضاء اللّه في أفعالنا وقدره لأعمالنا ..."6.
3 ـ قال الإمام علي(عليه السلام) للشخص الذي فهم معنى الجبر من القضاء والقدر:
" ... لعلك ظننت قضاءً لازماً وقدراً حاتماً ! ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد . إنّ اللّه سبحانه أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً ، وكلّف يسيراً ولم يكلّف عسيراً، ولم يُعص مغلوباً، ولم يطع مُكرِهاً، ولم يرسل الأنبياء لعِباً ، ولم ينزل الكتب للعباد عبثاً ، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا:﴿ ... ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾ 7"8.
أقوال العلماء المؤيدين لهذا الرأي :
1 ـ قال الشيخ الصدوق حول القضاء والقدر: "اعتقادنا في ذلك قول الصادق(عليه السلام)لزرارة حين سأله حول ما تقول ياسيدي في القضاء والقدر ؟ قال(عليه السلام): "أقول: إنّ اللّه تعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم 9 ولم يسألهم عما قضى عليهم"10.
توضيح ذلك :
إذا جمع اللّه تعالى العباد يوم القيامة ، فإنّه لا يسألهم إلاّ عن أعمالهم التي عهد إليهم ، فأمرهم بالحسن منها، ونهاهم عن القبيح منها 11.
2 ـ قال الشيخ الصدوق: "يجوز أن يقال: إنّ الأشياء كلّها بقضاء اللّه وقدره تبارك وتعالى بمعنى ... :
له عزّ وجلّ في جميعها حكم من خير أو شر . فما كان من خير، فقد قضاه بمعنى أ نّه أمر به وحتمه وجعله حقاً، وعلم مبلغه ومقداره .
وما كان من شر فلم يأمر به ولم يرضه، ولكنه عزّ وجلّ قد قضاه وقدّره بمعنى أ نّه علمه بمقداره ومبلغه وحكم فيه بحكمه"12.
الرأي الثالث حول معنى القضاء والقدر اصطلاحاً
تفسير القضاء والقدر وفق نظام الأسباب ، وسنبيّن هذا التفسير بصورة مفصّلة في المبحث القادم 13.
- 1. التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 6، باب القضاء والقدر و... ، ذيل ح32، ص375 .
- 2. المصدر السابق: ص433 .
- 3. القران الكريم: سورة النازعات (79)، الآية: 5، الصفحة: 583.
- 4. انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: تفسير آيات القضاء والقدر ، ص56 .
- 5. بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5 ، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل ، ب1، ح18، ص12 .
- 6. المصدر السابق: باب 3: القضاء والقدر ... ، ح20 ، ص96 .
- 7. القران الكريم: سورة ص (38)، الآية: 27، الصفحة: 455.
- 8. نهج البلاغة ، الشريف الرضي، باب المختار من حكم أمير المؤمنين، حكمة 78، ص666 .
- 9. أي: عمّا كلّفهم به. انظر: نور البراهين ، نعمة اللّه الجزائري: ج2 ، باب 60: باب القضاء، ص312 هامش حديث 2 .
- 10. الاعتقادات ، الشيخ الصدوق، باب6: الاعتقاد في الارادة والمشيئة، ص10 .
- 11. انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد: تفسير أخبار القضاء والقدر ص59 .
- 12. التوحيد، الشيخ الصدوق: باب60: باب القضاء والقدر و... ، ذيل ح32 ، ص375 .
- 13. المصدر: كتاب العـدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لـشيخ علاء الحسّون.