حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
من العقائد التي يُشنّع بها أهل السنّة على الشيعة (العصمة)
يقول الشيعة: ونعتقدُ أنّ الإمام كالنّبي يجبُ أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سنّ الطفولة إلى الموت، عمداً وسهواً.
كما يجبُ أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان; لأنّ الأئمة حفظة الشرع والقوّامين عليه، حالهم في ذلك حال النبي، والدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الأئمة بلا فرق 1.
نعم، هذا كما نرى هو رأي الشيعة في موضوع العصمة، فهل فيه ما ينافي القرآن والسنّة؟ أو مايقول العقل باستحالته؟ أو مايشين الإسلام ويُسيء إليه؟ أو ما يُنقصُ قدر النّبي أو الإمام؟
حاشا وكلاّ، لم نجد في هذا القول إلاّ التأييد لكتاب اللّه وسنّة نبّيه، وما يتماشى مع العقل السليم ولا يناقضه، وما يرفع من قيمة النبي والإمام ويشرّفه.
ولنبدأ بحثنا في استقراء القرآن الكريم.
قال تعالى: ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 2.
فإذا كان إذهاب الرجس الذي يشمل كلّ الخبائث، والتطهير من كلّ الذنوب لا يفيد العصمة، فما هو المعنى إذن؟
يقول اللّه تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ 3.
فإذا كان المؤمن التقي يعصمه اللّه من مكايد الشيطان إذا حاول استفزازه وإضلاله، فيتذكّر ويبصر الحقّ فيتّبعه، فما بالك بمن اصطفاهم اللّه سبحانه وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً؟
ويقول تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ... ﴾ 4 والذي يصطفيه اللّه سبحانه يكون بلا شكّ معصوماً من الخطأ، وهذه الآية بالذات هي التي احتجّ بها الإمام الرضا من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على العلماء الذين جمعهم الخليفة العبّاسي المأمون ابن هارون الرشيد، وأثبت لهم بأنّهم (أي أئمة أهل البيت) هم المقصودون بهذه الآية، وبأنّ اللّه اصطفاهم وأورثهم علم الكتاب، واعترفوا له بذلك 5.
ولا يخفى أنّ كلمة الاصطفاء استعملت في القرآن بعدّة معاني:
منها: ما لا يدلّ على العصمة.
ومنها: ما يدلّ عليها.
فمن القسم الأوّل: قوله تعالى حكاية عن نبيّه في حقّ طالوت: ﴿ ... إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ... ﴾ 6، فالاصطفاء هنا بمعنى الاختيار للملك، والملك لا يحتاج العصمة، بل يحتاج العلم والقوةّ، أمّا العصمة فهي خاصّة بمن يريد إبلاغ شيء عن اللّه تعالى، أمّا الملوك فهم حكّام وليسوا برسل ولا أنبياء، والآية جاءت ردّاً لقول المعترضين حيث قالوا: ﴿ ... أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ... ﴾ 6.
ومن القسم الثاني: أي الاصطفاء الدالّ على العصمة قوله تعالى: ﴿ ... يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ... ﴾ 7، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ 8، كما قد استدلّ الفخر الرازي في كتابه على عصمة الأنبياء ص30 بهذه الآيات على وجوب عصمة الأنبياء، ثمّ قال: "لا يقال الاصطفاء لا يمنع من فعل الذنب، بدليل قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ... ﴾ 4 قسّم المصطفين إلى الظالم والمقتصد والسابق، لأنّا نقول الضمير في قوله: ﴿ ... فَمِنْهُمْ ... ﴾ 4 عائد إلى قوله: ﴿ ... مِنْ عِبَادِنَا ... ﴾ 4 لا إلى قوله: ﴿ ... الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ... ﴾ 4، لأن عود الضمير إلى أقرب المذكورين واجب".
وقال الطباطبائي في تفسير الميزان 17: 45 بعد ذكر الأقوال في الآية: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ... ﴾ 4 قال: "وقيل: وهو المأثور عن الصادقين (عليهما السلام) في روايات كثيرة مستفيضة أنّ المراد بهم ذريةّ النبي (صلى الله عليه وآله) من أولاد فاطمة (عليها السلام)... وقد نصّ النبي (صلى الله عليه وآله) على علمهم بالقرآن وإصابة نظرهم فيه وملازمتهم إياه بقوله في الحديث المتواتر المتفق عليه: إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، وعلى هذا فالمعنى: بعدما أوحينا إليك القرآن ـ ثم للتراخي الرتبي ـ أورثنا ذريتك إياه، وهم الذين اصطفينا من عبادنا...".
والذي يؤيّد كون الآية بالتفسير الشيعي اضطراب أهل السنّة في تفسيرها; لأنّهم أرجعوا ضمير { فمنهم } إلى الوارثين، ومن جانب آخر فسّر الظالم لنفسه بالكافر، فيكون الكافر وارثاً للكتاب، وهذا لا يمكن الأخذ به، ولأجل ذلك قال القرطبي في تفسـيره بعد أن ذكره الآية: "فيه أربع مسائل: الأولية هذه الآية مشكلة; لأنه قال عزّ وجل: ﴿ ... اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ... ﴾ 4 ثمّ قال: ﴿ ... فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ... ﴾ 4، وقد تكلّم العلماء فيها من الصحابة والتابعين... قال النحاس: فمن أصـح ما روي في ذلك ; ما روي عن ابن عباس ﴿ ... فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ... ﴾ 4 قال: الكافر.." 9.
وبما أنّ الكافر لا يمكن أن يكون وارثاً للكتاب; لأنّه يجحده وينكره، فلابدّ من أن تكون الوراثة لأناس مطهرّين مصطفين من اللّه سبحانه وتعالى، وأُولئك هم أهل البيت عترة النبي (صلى الله عليه وآله).
وبعد ما عرضنا من الإيضاح للآية المباركة، يكون ما ذكره في كشف الجاني: 160 مجانباً للصواب وبعيداً عن الأُسس العلمية الرصينة.
هذه بعض الأمثلة ممّا جاء في القرآن الكريم، وهناك آياتٌ أُخرى تفيد العصمة للأئمة كقوله: ﴿ ... أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ... ﴾ 10 وغيرها، ولكن نكتفي بهذا القدر روماً للاختصار دائماً.
وبعد القرآن الكريم فإليك ماورد في السنّة النبوية قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "يا أيّها الناس إنّي تارك فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا: كتَاب اللّه وعترتي أهل بيتي" 11.
وهو كما ترى صريحٌ بأنّ الأئمة من أهل البيت معصومون أوّلاً; لأنّ كتَاب اللّه معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو كلام اللّه، ومن شكّ فيه كفر.
ثانياً: لأنّ المتمسّك بهما "الكتاب والعترة" يأمنُ من الضلالة، فدلّ هذا الحديث على أنّ الكتاب والعترة لا يجوز فيهما الخطأ.
وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق" 11.
وهو كما ترى صريح في أنّ الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) معصومون عن الخطأ، ولذلك يأمل وينجوا كلّ من ركب سفينتهم، وكلّ من تأخّر عن ركوب سفينتهم غرق في الضلالة.
وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أحَبّ أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنّة التي وعدني ربي، وهي جنّة الخلد، فليتولّ عليّاً وذريته من بعده، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة" 11.
وهو كما ترى صريح في أنّ الأئمة من أهل البيت ـ وهم عليّ وذريته ـ معصومون عن الخطأ; لأنّهم لن يُدخلوا الناس الذين يتّبعوهم في باب ضلالة، ومن البديهي أنّ الذي يجوز عليه الخطأ لا يمكنُ له هداية الناس.
وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "أنا المنذرُ وعلىٌّ الهادي، وبك ياعليّ يهتدي المهتدون من بعدي" 12. وهذا الحديث هو الآخر صريح في عصمة الإمام، كما لايخفى على أُولي الألباب.
والإمام عليّ نفسه أثبت العصمة لنفسه وللأئمة من ولده عندما قال: "فأين تذهبون وأنّى تؤفكون؟ والأعلام قائمةٌ والآياتُ واضحةٌ، والمنار منصوبةٌ فأين يُتاه بكم، بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم، وهم أئمة الحقّ، وأعلام الدين، وألْسنةُ الصدق؟ فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وردوهم ورود الهيم العطاش.
أيها الناس خذوها من خاتم النبيّين (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّه يموت من ماتَ منّا وليس بميّت، ويبلى من بلي منّا وليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون، واعذروا من لا حجّة لكم عليه وأنا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر، وركزتُ فيكم راية الإيمان... " 13.
وقد علّق الشيخ محمّد عبده في شرحه لهذه الخطبة بقوله: "إنّه يموت الميّت من أئمة أهل البيت وهو في الحقيقة غير ميت، لبقاء روحه ساطعة النور في عالم الظهور (المؤلّف).
وبعد هذا البيان من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، وأقوال الإمام عليّ الدالة كلّها على عصمتهم سلام اللّه عليهم; هل يرفض العقلُ عصمة من يصطفيه اللّه سبحانه للهداية؟
والجواب: كلاَّ، لا يرفض ذلك، بل العكس، العقل يقول بوجوب تلك العصمة; لأنّ من توكَلُ إليه مهمّة القيادة وهداية البشريّة لايمكنُ أن يكون إنساناً عادياً يعتريه الخطأ والنسيان، وتُثقل ظهره الذنوب والأوزار، فيكون عُرضة لانتقاص الناس ونقدهم، بل العقل يفرض أن يكون أعلم الناس في زمانه وأعدلهم وأشجعهم وأتقاهم، وهي صفاتٌ ترفَعُ من شأن القائد وتُعظّمه في أعين الناس، وتجلب له احترام الجميع وتقديرهم، وبالتالي طاعتهم له بدون تحفّظ ولاتملّق.
وإذا كان الأمر كذلك، لماذا كلّ هذا التشنيع والتهويل على مَن يعتقد بذلك؟
ويخيّلُ إليك وأنت تسمع وتقرأ انتقاد أهل السنّة على موضوع العصمة بأنّ الشيعة هم الّذين يقلّدون وسام العصمة لمن أحبّوا، أو أنّ القائل بالعصمة يكون مُنكراً وكفراً!! فلا هذا ولا ذاك، إنّما العصمة عند الشيعة هي أن يكون المعصوم مُحاطاً بعناية إلهيّة ورعاية ربّانية، فلا يتمكّن الشيطان من إغوائه، ولا تتمكّن النفس الأمّارة بالسوء من التغلّب على عقله فتجرّه للمعصية، وهذا الأمر لم يحرم اللّه منه عباده المتّقين كما تقدّم في آية ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ 3.
وهذه العصمة الموقوتة لعباد اللّه في حالة معينّة، قد تزول لفقد سببها ألا وهي التقوى، فالعبد إذا كان بعيداً عن تقوى اللّه لا يعصمه اللّه، أمّا الإمام الذي اصطفاه اللّه سبحانه فلا يحيد ولا يتزحزح عن التقوى وخشية اللّه سبحانه وتعالى.
وقد جاء في القرآن الحكيم حكاية عن سيّدنا يوسف (عليه السلام): ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ 14.
ولأنّ سيّدنا يوسف لم يهم بالزنا، كما فسّره بعض المفسّرين، فحاشا أنبياء اللّه من هذا الفعل القبيح، ولكنّه همّ بدفعها وضربها إذا اقتضت الحال، ولكنّ اللّه سبحانه عصمه من ارتكاب مثل هذا الخطأ; لأنّه لو فعله لكان سبباً في اتهامه بالفاحشة، وتكون حجّتها قويّة ضدّه، فيلحقه منهم عند ذلك السوء 15.
- 1. عقائد الإمامية للمظفر: 75 (العقيدة رقم 24).
- 2. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 33، الصفحة: 422.
- 3. a. b. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 201، الصفحة: 176.
- 4. a. b. c. d. e. f. g. h. i. القران الكريم: سورة فاطر (35)، الآية: 32، الصفحة: 438.
- 5. راجع عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للصدوق 2: 208 ح1، والأمالي: 615 ح843.
- 6. a. b. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 247، الصفحة: 40.
- 7. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 144، الصفحة: 168.
- 8. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 33، الصفحة: 54.
- 9. الجامع لأحكام القرآن 14: 221.
- 10. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 73، الصفحة: 328.
- 11. a. b. c. مضى تخريجه فيما تقدّم.
- 12. تفسير الطبري 13: 142 في تفسير قوله تعالى: { ولكلّ قوم هاد }، عنه فتح الباري 8: 285 وقال: "أخرجه الطبري باسناد حسن"، كنز العمال 11: 620 ح33012 عن الديلمي، شواهد التنزيل للحسكاني 1: 381، نظم درر السمطين: 90، تاريخ دمشق 42: 359، الدر المنثور للسيوطي 4: 45 عن ابن جرير وابن مردويه وأبي نعيم والديلمي وابن عساكر وابن النجار، وفي المستدرك، باب فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن عليّ بلفظ: "رسول اللّه المنذر وأنا الهادي" وقال: "صحيح الاسناد ولم يخرجاه".
- 13. نهج البلاغة: الخطبة 87.
- 14. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 24، الصفحة: 238.
- 15. المصدر: كتاب لأكــون مع الصادقـيـن، تأليف العلامة الدكتور الشيخ محمد التيجاني السماوي حفظه الله.













