الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها

موقف الکتاب والسنة من وعاظ السلاطین

للعُلماء ـ في كلّ الحضارات والثقافات والمجتمعات ـ شأنٌ خاصٌّ قوامُه الاحترامُ والإجلالُ والإكرامُ والمُراجعةُ والانصياعُ، ومحاولةُ جذب رِضاهم وتجنّب سخطهم.
وهذا الشأنُ يزدادُ في الُمجتمعات المنسوبة إلى الأديان والعقائد، حتّى الوثنيّة، وكُلّما كانت الديانةُ أقربَ إلى الحقّ والواقعيّة، كانت العنايةُ فيها وعند أهلها بالعُلماء والعلم أكثرَ وأوفرَ.
ولذا ترى الدياناتِ الإلهيّةَ ـ كلّها ـ تجعلُ للعُلماء قُدسيّةً ومَقاماً مُمتازاً عن مَقام غيرهم.
والإسلامُ أصدقُ الأديان الإلهيّة، وأعمقها، وأهمّها، وأوسعها نظرةً إلى الإنسان والحياة والسعادة الدنيويّة والأخرويّة، هذهِ آياتُه ونُصوصُه تُولِي العُلماءَ في القُرآن الكريم مقاماً رفيعاً:
فهو يقولُ: ﴿ ... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 1.
ويقولُ: ﴿ ... إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا 2.
ويقولُ: ﴿ ... إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ 3.
وقد خصّصهم هُنا بالخشية الصادقة من الله؛ لِمحلّ عِلمِهم الذي يُوصِلُهم إلى المعرفة، ويمنعُهم عن البُعد عن الله، وعن تورّطهم بالدُنيا وملذّاتها.
وأمّا نُصوص السُنّة الشريفة فقد رفعتْ مقاماتِهِمْ حتّى جعلتهم بمنزلة الأنبياء في إبلاغ أحكام الله، كما ورد: « عُلماءُ أمّتي كأنبياءِ بَني إسرائيل ».
ومن رفيع مقامهم أنّ أحدهم إذا انحرفَ أو ضَلَّ أو قَصَّرَ في أداء واجبه، فهوَ أشدُّ عِقاباً وعِتاباً، ولذلك فقد ورد في ذمّ أولئك الذين حُمِّلوا العِلْمَ وحفظوا مُتُونه وحُرُوفَهُ؛ ولكنّهم حَرَّفوا حُدُودَهُ، وجعلوهُ وسيلةً للوصول إلى الدُنيا ومقاماتها وجمع الأموال وتكديسها، واتّباع أهل السُلطة والدولة والمُلك، أولئك «وُعّاظ السلاطين» الذين ضربَ الله بهم الأمثال،فقال: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ 4.
وهذا مَثَلُ لمَن لم يعملْ بِعِلمِه.
والأنْكَى من ذلك الذي جعله الله كمَثَلِ الكَلْب، حيثُ انسلَخَ ممّا آتاهُ الله من فضيلة العلم وكرامته، فاقرأ قوله تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ 5.
وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 6.
وقال تعالى: ﴿ سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ ﴾ 7.
وقال تعالى: ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ 8.
هذه الآياتُ نَزَلَتْ في أكبر عُلماء بني إسرائيل في عصره، وهو المدعوّ (بَلْعام الإسرائيلي ابن باعُورا) الذي أهلكَ المؤمنين بتعليمه للغُزاة الكافرين حيلةً سبّبتْ اندحار المُقاومة المؤمنة التي تهيّأت لِصَدّ الكُفّار في قِصّة معروفة تناقَلَتْها كتبُ التفسير وكتبُ الحديث وشروحه.
واللهُ ضربَ في آياته الأمثالَ للناس، كي يعتبروا، فأولوا الألباب منهم يتّبعون الحقّ وأهل الحقّ، أولئك العُلماء الذين عرفوا فضلَ العلم وعَمِلُوا بما عَلِمُوا، فازدانَتْ بهم الدنيا، وسعوا في السير على خُطى أنبياء الله ورسله، فكانوا أصحاب صدق لهم، وتحمّلوا المَشاقّ على الطُرُق الشائكة حتّى المشانِق، وسطّروا في سِجلّ أعمالهم أروعَ أمثلة المُقاومة، وحطّموا غُرُورَ الظالمين وكبرياءَهم على صخرة إيمانهم، أولئك الذين كَوَّنُوا القافلةَ الطويلةَ لركب «شُهداء الفضيلة».
ولا يزالُ التاريخُ يُعيدُ نفسه، فقد عاصرنا الطواغيتَ في عهد الشاه المخلوع وعملائه من بعده في إيران، الذين قتلوا العُلماءَ الطيّبين الطاهرين، كالبهشتي والصدوقي والمدني والعشرات من سواهم، وفي عهد طاغية العراق المعدوم حيثُ قتل الشهيدَ السيّد محمّد باقر الصدر الموسوي، والشهيد السيّد محمّد تقي الجلاليّ الحسينيّ، والشهداء العلماء الشيخ الغرويّ والبروجرديّ، وغيرهم من الفقهاء والخطباء. وكذلك أولئك الشهداء السعداء الذين سَعَوا في رفع راية الإسلام، وخدموا الأمّة بالإرشاد والإعلام، ولم يرضَخُوا لضُغُوط الطواغيت، ولم ينصاعوا لإرادتهم، وقدّموا أرواحهم من أجل الحفاظ على شُمُوخ الدين وكيان الأمّة وحُرمة العلم، فخَلَدُوا مع الخالدين.
وأمّا أولئك الذين حُمِّلُوا العلمَ، ولم يَحْمِلُوا أهدافَه، ولم يعملوا بما تعلّموا، وانتهزوا ائالدُنيا وانحازُوا إلى الظَلَمة، وساروا في رِكابهم، متّخذين من الدين ومعارفه وسيلةً وجِسْراً يعبُرُون عليه إلى المقامات والرئاسات، وتكديس الأموال، يُشاركون الظَلَمَةَ مجالسهم،ويؤيّدونهم في مواقفهم، طَمَعاً في فُتات موائدهم، مُنسلِخين ممّا آتاهم الله من العلم، فهَوَوْا مع الغاوين.
ولقد كان لهم أنْ يرتفعوا بما عندَهم من العلم إلى قِمَمِ الكرامة عندَ الله، والعزّة عند الناس، ولكنّهم أخْلَدُوا إلى الأرض وزخرفها وزبرجها، واتّبعوا أهواءَهم في الاغترار برئاسة لجامعة، كما حصل للمطوّعين من شيوع الوهابيّة الذين يُفْتون بما يخالف الكتاب والسنّة، بقتل المسلمين الذين لا يُسايرون الأمراء، وكذلك أتباعهم المرتزقة على موائد السلاطين، والآمرون بالمنكر والمانعون عن المعروف.
إنّ ما قام به المتسمّي بـ «شيخ الأزهر» الأسبق من استقباله لرئيس وزراء الصهاينة المعتدين على مقدسات المسلمين في فلسطين، ومُصافحته له؛ لهو من أرذل أنواع النزلّف إلى الظَلَمَة، وأخزى ما قامَ به رجلٌ ينتسب إلى الدين والعلم، كَيْفَ؟ وهو يرى ـ إنْ كان يُبصر! ـ و هو يسمعُ ـ إنْ لم يكن أصمَّ ـ و هو يقرأ ـ إنْ كان قارِئاً ـ ما قامَ به ذلك الُمجرمُ، مع عصابته الُمجرمه، من هتك أعراض المسلمين في فلسطين، وقتل الأبرياء، وغصب البِلاد، وتدنيس المقدّسات.
فإنْ كانَ سماحة الشيخُ الأزهريّ لايدري؛ فتلك مصيبةٌ! وإنْ كانَ يدري فالمصيبةُ أعظَمُ!
وهذا الواعظُ غيرُ المتّعظ يوسفُ القرضاويّ، يلهثُ وراءَ المال في كلّ مكان ومجال، تاركاً لبلده مِصْرَ الفقيرةَ، ليقصعَ هو جرّة أمراء الخليج، ولا يهمّه أنّه يسكنُ في جوار الصهاينة هُناك، ولا يلوي على شيء سوى أن يؤسّس اتّحاد عُلماء المسلمين، لِيَرْأسَهُ، ولمّا استوى على عرشه، واستولى بزعمه على أزمّة أمره، نَسِيَ ما كانَ عليه في مصرَ، من دعوى الجهاد مع أصحابه الإخوان المسلمين، ونَسِيَ مآسِيَهم المتورّطين فيها اليومَ، من ضغط دولة مصر عليهم، وتتبّع نشاطاتهم، وأفرادهم، وزجّهم في السُجُون، والحكم عليهم بالظُلم. وأغمضَ عينيهِ عمّا يجري في طول الأرض الإسلاميّة وعرضها من المآسي والويلات، وما يقوم به أولياء أمره، والي ولايته من حكام قطر والسعودية من الإعتداء الظالم والغاشم على اليمن، بالقصف وإباحة الدماء وتدمير البلاد والإمكانات.
إنّ هؤلاء الأعراب ـ المدعين للعروبة، دلّلوا بهمجيتهم هذه على أنّهم براء من الإنسانية ولم يؤمنوا طرفة عين بالإسلام وتعاليمه، بل هم عملاء لأعداء الإسلام والمسلمين يأتمرون بأوامرهم ويلبّون طلبهم، فهم لهم جندٌ محضرون، لقد كشفوا عن حقائقهم، وإن كانوا أحراراً لما أقدموا على هذه الفجائع، من دون مبّرر وجداني أو ديني، وحتى قانوني!
هذا القرضاوي قد أعمى الله قلبه أفلم يحسّ ولم يحنّ على عشرات القتلى من الشعب المؤمن في اليمن؟ ولا ما يحلّ بالشعب السوري المظلوم، فلم يأبه الشيخ القرضاوي، بكل ما يجري أمامَه ممّا قام به القائمون على رقاب الناس في البلاد الإسلامية، ولم يُحاول الدفاع عنهم، لكنّه تذكّر ووعى مقتلَ طاغية بغداد، السفّاك المعتدي، فراحَ يبكي من إعدامَه بيد المظلومين من شعب العراق المنكوب! و راح يستنكر ذلك لأنّه حصل في«يوم عيد»! مع أنّه عاصَرَ عهدَ ذلك الطاغية !!
ألَمْ يعلمْ أنّ الطاغيةَ قد قَلَبَ أعياد الشعب العراقيّ إلى «مآتِمَ» وملأ أيّامَه آلاماً، وقتلَ في حربَيهِ على إيران وعلى الكويت، آلافاً من خيرة شبابهم.
عَدِّ عمّن قتلهم صَبْراً في داخل العراق! من العلماء وأصحاب الشهادات والمؤمنين والمؤمنات.
وأمّا اليوم، فإنّ الشيخ المجاهد! يلتهي عما يحدث حوله في مصر ـ الذي تولّاه أعداء المسلمين، فعاثوا فيه ظلماً وعدواناً، وما يجري في سوريّا من القتل والهدم لكنه لم ينبس ببت شفة، وكأنه أخرس! ولم يستنكر تلك المحارم، وكأنه أصم.
ومن أفضع ما قامَ به هذا الشيخُ المُتعالِم القرضاويّ: أنّه واجهَ نضالَ المجاهدين في «حزب الله» ضدّ الصهاينة، بكلمته اللاذعة.
ولم يعتبر الشيخُ ـ أو لم يعبأ ـ بما قيل فيه؛ وإن كان نُصحاً وعظةً، بل زادَ في الطين بَلَّةً، إذْ أحدث ضجّةً، بهجومه الظالم الوقح على عموم الشيعة، زاعماً أنّهم يُحاولون السيطرةَ! وبسط النفوذ! على بلاد السُنّة!
مُعيداً ما لفّقه أسلافُه ابن تيمية ومن لفّ لَفّه، من إتّهام بسبّ الصحابة.
مع أنّ هذا اتّهامٌ باطل، فالشيعة يُكْرمُون الصحابةَ، ويقدّسون ما جاءُوا به من الحقّ عن رسول الله | وأكْرِمْ!
ولكنّا لانطلقُ هذا الاسمَ الشريفَ (الصحابي) على كلّ مَن هَبَّ و دَبَّ؛ حتّى لو كان من يُدافع عنهم ثلّةً من المُنافقين المُتسلّلين إلى هذا الدين؛ للتخريب والتشويه لسمعة المسلمين، والقرضاويّ والسلفيّة يُسمّونهم «صِحابَةً» وليسوا من الصُحبة في شيء، وإنّما هم «عِصابَةٌ» استولوا على أمر البِلاد والعِباد، بالحِيلةِ والقهرِ والغَدرِ والمكرِ، كما هو واضحٌ لمن طالعَ التاريخَ، بَدْأً من يوم السقيفة، إلى ملعبة التحكيم في صفّين، ثُمَّ عهد بني أميّة ومروان والعبّاس، وعثُمان، ومن تلاهم.
واتّهمَ القرضاويُّ الشيعةَ بمخالفة «أولي الأمر»! في عصرنا، ومعارضتهم ورفضهم. وهو يعني المُلُوكَ والأمراءَ، الذين تولّوا على الأمّة بالقهر والقوّة.
وهم أولوا التآمُر على الإسلام والمسلمين، وهم أولوا الغدر بشعوبهم بالتواطُؤ بالاتّفاقات السرّيّة مع الكفّار.
وأعاد القرضاويُّ ضدّ الشيعة دعاوى باطلةً، كرّرها، وهي مزوّرةٌ، قد فنّدها أهلُ العلم، قديماً وحديثاً، وكلّما ذكرتْ وأعيدتْ.
لكنّه أضافَ على سلفه سخافةً جديدةً، فادّعى أنّ الشيعةَ يسعونَ لاختراق بلاد السنّة لنشر مذهبهم! وخاصّةً مصر! و أعلن: أنّ حضرته لايرضى بذلك؟!
وهذه أكبرُ إهانة للسنّة؛ بفرضهم بُلْهاً يُخْتَرَقُون! وكأنّه فَرَضَهم مثلَ جُبّتِهِ المُتهّرءة!؟ هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: فإنّ العجيبَ أنْ ينتبِهَ القرضاويُّ إلى هذا الأمر الذي يحدثُ بهدوء وخُفْية ـ كما يزعمُ هو! ـ ولا ينتبهُ إلى ما يجري حوله في البلاد الإسلاميّة ـ من طولها إلى عرضها ـ من مآس وفجائع، سواءً على مستوى السياسة أم الاقتصاد، أم الاجتماع؟! ولم يَرَ،أويسمع،ما يجري فى فلسطين عُموماً، وفي منطقة «غزّة» خصوصاً، من الحصار، والضغط على الشعب المسلم هُناك؟!
و سماحةُ الشيخ المجاهد عضو الإخوان المسلمين ـ بالأمسِ ـ لم ينبسْ - اليومَ - بِبِنْتِ شَفَة، خوفاً من أنْ يصلَ من كلامه حرفٌ إلى مسامع الشيوخ الذين يعيشُ على رُذاذ موائدهم، فيمنعوه من لطع قصاعهم!
إنّ مُحبّي الشيخ القرضاويّ دافعوا عنه، ذاكرين ماضِيَهُ الذي قيل فيه: إنّه ماض مشرّف، حيثُ كان فيه مُجاهداً مُتحمّساً، لمّا كان عضواً في حزب «الإخوان المسلمين» في مصر، وهو عالمٌ فاضلٌ يبثُّ المعرفةَ للأمّة، عبرَ الفضائيّات وسائر وسائل الإعلام العصريّة.
فنقول لهم: نعمْ، وربما يكون المرؤُ كذلك. لكنّ العمل بخواتيمه و«الأعمالُ بخواتيمها،والأيّامُ بعواقبها».
فمهما كانت بداياتُ عمل الشيخ، فإنّ الملاك والاعتبار بما يختمُ به، فلابدّ أن يتكاملَ عملُه، وعقلُه، وتجربتُه، ويتّعظَ بمن حوله من وعّاظ السلاطين، الذين لم يخلفوا سوى العار.
لكنّه أعرضَ عمّا كان عليه، وأخْلَدَ إلى سلاطين البترول والدولار، وإلاّ فلماذا لا يعلنُ اليوم عن دعمه لرفاق الأمس، وهم في أزمة شديدة، حيث أنّ حكومة مصر ـ الآنَ ـ تُحاربُهم بشدّة لاتُطاق، وتعتقلُ يوميّاً العشرات منهم، وتزجّهم في السجون!
هل أصبحَ إخوانُ الأمس، كَفَرَةً مُرتدّين؟ أو صاروا من الشيعة؟ أو ماذا؟
إنّ القرضاويّ يخافُ على مصر من الاختراق!!. فلماذا يتغافل عن الاختراق الصهيونيّ الذي بلغَ إلى كرسيّ رئيس الجمهوريّة نفسه!
والأنكى والأشَدّ أن ّ حكام المملكة السعودية، وأذياله من حكام الخليج، وقطر والإمارات، يلغون في دماء المسلمين، ويهتكون أعراضهم، وأصحاب «حقوق الإنسان» في الغرب ينظرون، ويسكتون، بل يستهزؤن بالإسلام ونبيّه وملايين المسلمون، ويفرحون في بواطنهم، ويؤيّدون أفعال هؤلاء الأعراب المجرمين، ويمدّونهم بالأسلحة كي يزدادوا عنوة وسطوة وجُرأة على ما لا يتصوره الإنسان من الجرائم في حق شعوبهم المستضعفة، وما يجري اليوم في البحرين من فعل عتاق آل الخليفة أظهر من الشمس، فماذا يعني، والي ماذا يهدف إلّا إلى إتّهام الإسلام بعدم الرحمة وعدم تمكن الدين من تأديب هؤلاء الحكام المترفين، والأدهى من ذلك ما يقومون به من تربية الشباب المسلم في أنحاء العالم قاطبة أو في البلاد العربية بالخصوص، على عمليات الانتحار والإرهاب، والقتل للمسلمين والمواطنين، والاعتداء على أعراضهم، ونهب أموالهم، وتهديم مساجدهم والأماكن المقدسة، كقبور الأنبياء والأئمة، وقتل أعيانهم وعلماء الدين إلى ذبح البشر، وإحراقهم بالنار، وأساليب أخرى، تدل على أنّ الإرهاب والكراهية والوحشية ملأت نفوس هؤلاء الشباب، ومع كلّ الأسف بإسم الإسلام وإقامة دولة الخلافة، وأخطر ما فيه تخدير الشباب بالعناوين الطائفية بين الشيعة والسنّة، وتكرار ما تربّت عليه السلفية وعاشت على دمائه للشيعة وهو الإتهام للشيعة وتكفيرهم، وعدم الاكتفاء بذلك إلى حدّ الحكم بوجوب قتل كلّ (شيعيّ) بفتاوى ظالمة وجهولة من وعاظ السلاطين وأعوان الجائرين من حكام العرب، وقد عمّموا هذا الحكم على من لا يوافق أفكار السلفية فعاثوا في الأرض فساداً بإبادة الحرث والنسل وهدم المساجد والأماكن المقدسة، وتحطيم البُنى المدنيّة في كلّ أرض حلّوا بها، بدأ بالعراق، وبالشام (سوريا) وفي لبنان، وسائر البلاد، واليوم هبت عاصفة الجُرم على بلاد اليمن من قبل حكام السعوديين، وبكلّ وقاحة، وبلا رحمة، فقتلوا وجرحوا الآلاف من الشعب اليمني الآمن المؤمن، وهم لا يزالون منذ شهر ونصف يقصفون ويهدمون، ويهدّدون، ولا يرعون في حق المسلمين ﴿ ... إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ... 9 وهُم لم يواجهوا اليهود المعتدين برمي «ريشة حمام» بل بذلوا جهوداً ماديّة وسياسيّة وإعلامية ضدّ المجاهدين والواقفين في وجه العدوان اليهودي الصهيوني في لبنان وغَزَّة، والسعوديون يسمّون أنفسهم «خدام الحرمين» لكنهم عمليّاً «مخربوا الحرمين» وأعداء الإسلام والمسلمين، ومعينوا الكفار من اليهود والنصارى، واليوم أصبحوا أيدي هؤلاء لضرب الأحرار والمجاهدين في المقاومة للاستعمار الصهيوني والصليبي.
إنّ ما قام به الشيخانِ ـ شيخ الأزهر الأسبق في عهد المجرم اللامبارك، وشيخ الاتحاد الذي لا يزال يقصَعُ بجِرّة أعراب الخليج، بل المطاوعة الجهلة وعاظ السلاطين ـ لَهُوَ مصداقٌ بارزٌ لما أنذر رسول الله | الأمّة من وقوعه، وهو قيام علماء العصر بما قام به بلعام بن باعورا، في عصر بني إسرائيل. ففي الحديث: «لتتبعنّ سُنَنَ مَنْ كانَ قَبْلَكمْ شِبْراً بِشِبْر وذِراعاً بِذِراع حَتّى لَوْ أنّ أَحَدَهُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْ. قيل: يا رسول الله: اليهودُ والنصارىْ؟ قال: فَمَنْ؟!».
وإنّ هذا ممّا يُنذرُ بالخَطَر الداهم، لأنّه يفسحُ المجال عمليّاً للحكّام الفسقة من مُلوك وأمراء ورُؤساء و وُزراء: أنْ يَتَجَرّأوا على شُعُوبهم وعلى المسلمين كافّة، ويتوغّلوا في آسِنِ التآمرُ والعمالة أكثرَ ممّا مضى، ضدّ الأمّة، ويستهينوا بكلّ الأعراف الوطنيّة والمسلّمات الدينيّة الإسلاميّة والملتزمات العربيّة، ويُوقّعوا اتّفاقيّات مع الأعداء سرّيّة بل علنيّة، على حساب الشعوب والأوطان، ليُسلّموها غنيمةً باردةً للكفّار، ويُسْلِمُوا أهلها أرقّاء للمُعتدين.
هذا ما تبدُو بوادرُهُ واضحةً بالنسبة إلى فلسطين، التي باعَ سلفُهُم نصفَها سابقاً، من دون وَرَع أو حَياء أو وازع أو رادع، أو خوف وخشية من أحد، ويسعى هؤلاء بالنصف الآخَر أنْ يُسلّموهُ إلى الصهاينة بالاتّفاقات العلنيّة، وظهرت علاماتها في زجّهم آلاف المخربين الإرهابيين إلى العراق وقتل الآلاف من الشعب العراقي، وهذه سوريا شاهدة عيان على جرائمهم فيها، وأما اليمن فنحن نعيش في هذه الشهور وفيها (شهر رجب الحرام) تشهد على مدى إجرام هؤلاء الحكام الظلمة، والمدعية لخدمة الحرمين، لكنّ أعمالهم تدلّ على أنهم «حراميّوا الحرمين» وأعداء الدين وأعوان الإرهابيين، وقد أعلنوا أنهم سوف يرسلون إلى اليمن «مليون إنتحارياً» لكنهم كافرون بأنّ ﴿ ... يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ... 10!
فاللهَ اللهَ أيُّها المسلمون، من السُكُوت على هذه الجرائم الآثِمة التي يمهّد لها المشايخُ البِلاطيّون، «بَلاعِيمُ العصر» قبل أن تجري علينا الويلات!
ولقد أعذر من أنذر. والله المستعان على ما يصفون11.