حقول مرتبطة:
الكلمات الرئيسية:
الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
نداء اتحاد المسلمين يعلو من الحناجر المخلصة
أيها الإخوة الأعزاء! أيتها الأخوات العزيزات! إن العالم الإسلامي يعاني في الوقت الراهن من محن كبری، والسبیل لعلاجها هو الاتحاد الإسلامي، وتوحيد الصفوف، وتظافر الجهود، والتعاون، وتخطي الاختلافات المذهبية والفكرية. فإنّ ما يصبو إليه الجهاز الاستكباري والاستعماري اليوم تجاه العالم الإسلامي، هو السعي لإبعاده عن الوحدة أكثر فأكثر. لأن هذا يشكّل مصدر تهديد لهم: حيث تواجد مليار ونصف مليار مسلم، وبلدان إسلامية كثيرة بمصادر كبيرة، وطاقات بشرية جبّارة، فلو توحّدت فيما بينها، وانطلقت متماسكة باتجاه الأهداف الإسلامية، لما كان بوسع الجبابرة أن يقرعوا في العالم طبول غطرستهم، ولما كان بمقدور أمريكا أن تفرض إرادتها على البلدان والدول والشعوب، ولما كان بمستطاع الشبكة الصهيونية الخبيثة أن تطأ الحكومات والقوى المختلفة بمخالب اقتدارها، وأن تسيّرهم بالطريق الذي تريده، وتدفعهم إلى العمل الذي تبتغيه؛ هذه هي نتيجة وحدة المسلمين.
ولو رصّ المسلمون صفوفهم، لما بلغ الحال بفلسطين ما بلغه اليوم، حيث تشهد فلسطين في الظرف الراهن أوضاعاً مريرة؛ غزة بطريقة، والضفة الغربية بطريقة أخرى. والشعب الفلسطيني يتحمّل اليوم ضغوطاً يومية قاسية. والأعداء يهدفون إلى إبعاد القضية الفلسطينية عن الإذهان، ورميها في بقعة النسيان. ويريدون لمنطقة غرب آسيا - التي تتضمن بلداننا - وهي منطقة حساسة واستراتيجية للغاية، سواء من الناحية الجغرافية، أو من حيث المصادر الطبيعية، أو من جهة المعابر المائية، إشغالها ببعض، حيث اصطفاف المسلم أمام المسلم، والعربي في وجه العربي، للتناحر والتقاتل فيما بينهم، بغية تضعيف جيوش الدول الإسلامية، ولاسيما الجيوش الجارة للكيان الصهيوني يوماً بعد يوم.. هذه هي غايتهم.
تتصارع اليوم في المنطقة إرادتان: إرادة الوحدة وإرادة الفُرقة. إرادة الوحدة تختص بالمؤمنين، ونداء اتحاد المسلمين واجتماعهم يعلو من الحناجر المخلصة التي تدعو المسلمين إلى الاهتمام بقواسمهم المشتركة، فلو حدث هذا وتحققت الوحدة لما بقيت أوضاع المسلمين الراهنة علی ما هي اليوم عليه، ولاكتسب المسلمون العزة. ولكم أن تلاحظوا المسلمين اليوم من أقصى شرق آسيا في ميانمار إلى غرب أفريقيا في نيجيريا وأمثالها، بل وفي كل مكان، يُذبَحون؛ في بعض الأماكن على يد البوذيين، وفي أماكن أخرى على يد بوكوحرام وداعش ومن شاكلهم. وهناك من يصبّ الزيت على هذه النيران. فالتشيّع البريطاني والتسنّن الأمريكي متماثلان، وهما شفرتان لمقصّ واحد، حيث يسعيان في تناحر المسلمين. هذه هي رسالة إرادة الفُرقة التي تمثّل إرادة شيطانية، بيد أن نداء الوحدة يدعو إلى اجتياز هذه الاختلافات، والاصطفاف إلى جانب بعض، والتعاون مع بعض.
ولو نظرتم إلى التصريحات الصادرة عن المستكبرين والقابضين على أجواء الشعوب الحيوية، لوجدتم أنها تدعو إلى التفرقة. ولقد قيل عن السياسة البريطانية منذ سالف الزمن بأنها سياسة «فَرِّق تَسُد»، حيث كانت هذه سياستهم في الوقت الذي كانوا يتسمون بالقوة، وأصحبت اليوم سياسة المتغطرسين في العالم المادي؛ سواء أمريكا، أو بريطانيا من جديد في الآونة الأخيرة. فالبريطانيون دوماً ما كانوا مصدراً للشرور والبلايا علی الشعوب في منطقتنا، والويلات التي أنزلوها بحياة الشعوب في هذه المنطقة، قلما أنزلتها قوة في بقعة من بقاع العالم. ففي شبه القارة الهندية - التي تتضمن اليوم الهند وبنغلاديش وباكستان - سدّدوا تلك الضربات، وفرضوا على شعوبها تلك الضغوط، وكذلك الحال في أفغانستان وإيران والعراق، كلٌّ بطريقة خاصة، وأخيراً في فلسطين أيضاً حيث بادروا إلى تلك الحركة المشؤومة الخبيثة، وشرّدوا المسلمين بل شعباً في الحقيقة وطردوه عن دياره، وبالتالي تم القضاء على بلدٍ تأريخي سُجِّل باسم فلسطين منذ آلاف السنين، عبر السياسة البريطانية. وفي هذه المنطقة منذ ما يربو على قرنين - قرنين ونيف؛ أي منذ نحو 1800 م فنازلاً - لم يبدر من الإنجليز سوى الشرّ والفساد والتهديد، وإذا بمسؤولٍ إنجليزي يأتي إلى هذه المنطقة ليصرّح قائلاً: إيران مصدرٌ لتهديد المنطقة! أفهل تعبتر إيران مصدراً لتهديد المنطقة؟ هذه هي منتهى الوقاحة أن يعمد أولئك الذين كانوا على مدى الزمان مصدراً للتهديد والخطر والبلاء على هذه المنطقة، إلى رمي بلدنا المظلوم العزيز بهذه التهمة؛ هذه هي حقيقتهم.
منذ أن انبثقت مؤشرات الصحوة الإسلامية في هذه المنطقة، تصاعدت وتيرة النشاطات لإثارة الفرقة؛ ذلك أنهم ينظرون إلى التفرقة كوسيلة للهيمنة على الشعوب. ومنذ أن شعروا في هذه المنطقة بانطلاق آراء جديدة، وأفكار إسلامية حديثة، وتجلي استقامة الشعوب وحيويتها وثباتها، تسارعت حركة الأعداء التمزيقية. وبعد أن أقيم النظام الإسلامي في إيران، وحمل راية الإسلام، ورفع لواء القرآن، وقال بكل فخر واعتزاز إننا نعمل وفق الشريعة الإسلامية، وكان يتمتع بالقوة والسياسة والإمكانات والجيش والقوات المسلحة وبكل شيء، وراح يستثمرها، ويعززها يوماً بعد آخر، أخذت هذه الحركة التمزيقية تسير بوتيرة أسرع، وباتوا يشدّدون هذه الحركة لمواجهة هذه النهضة وهذه العزة الإسلامية. وقد أصبح الإسلام يهدّدهم منذ أن منح الصحوة للأمة الإسلامية، وأما ذلك الإسلام الذي لا يمتلك حكومة ولا جيشاً ولا جهازاً سياسياً ولا مالاً ولا شعباً كبيراً مجاهداً، فهو يختلف عن الإسلام الذي يتمتع بكل هذه الأمور. والجمهورية الإسلامية تتميّز بأرض وسيعة، وشعب مجاهد، وشباب متحفز مؤمن، ومناجم كثيرة، ومواهب تفوق المتوسط العالمي، وحركة باتجاه العلم والتقدم. فإن مثل هذا البلد بطبيعة الحال يعتبر مصدراً لتهديدهم، لأنه سيكون مثالاً تحتذي به الشعوب المسلمة، ولذا باتوا يعادونه. ولو تشدّقوا بالمرونة يوماً ما، فهو كذب، وحقيقة أمرهم العنف والخشونة. فعلينا بمعرفة هؤلاء، وعلى الشعوب أن تكون على أهبة الاستعداد لمواجهة هذا العدوّ الذي لا خُلُق له ولا دين ولا إنصاف؛ يتظاهر بالأناقة ولكنه في الحقيقة متوحش بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى.
وأهم حالات الاستعداد في الظرف الراهن باعتقادي، هو اتحاد المسلمين. فليحذر المسلمون من إثارة الخلاف والشقاق فيما بينهم، ولا فرق في ذلك بين الشيعي والسني وبين الفِرَق برمّتها. فعلى جميع الفرق الإسلامية أن تتغاضى عن اختلافاتها الفكرية لوجود المشتركات الكثيرة. إن الوجود الأقدس للنبي الأعظم يمثل ذلك الثقل والمحور الأساس الذي تجتمع فيه عواطف وعلائق المسلمين كافة، فالجميع يعشق النبي ويكنّ له الودّ والمحبة، وهذه هي نقطة الارتكاز، والمحور الأساس. كما أنّ القرآن أيضاً موضع اعتقاد واهتمام المسلمين قاطبة، والكعبة الشريفة كذلك، فكم هي المشتركات بين المسلمين كثيرة! والواجب هو أخذ هذه القواسم المشتركة بنظر الاعتبار، ومعرفة أيادي الأعداء وعملاء الاستكبار في المنطقة. فإن مما يؤسف له أن يأتي ذلك العدو السافر ليقول: «أنتم أعداء فيما بينكم، وهذا البلد مصدر تهديد لكم»، أي أنكم أعداؤه، وهو عدوّ لكم! بيد أنّ الذي يتحدث بهذا الكلام هو العدو، وهذا ما لا مراء فيه، فلماذا نجد أولئك الذين يستمعون إلى حديثه - وهم يتمظهرون بمظهر الإسلام ويسيرون في حياتهم وحُكمهم باسم الإسلام - يتقبّلون كلامه؟ ولـِمَ يصدّقون قوله؟ ولماذا تتبع بعض دول المنطقة - وللأسف - في منحاها، نهج عدوّ الإسلام وعدوّ الأمة الإسلامية السافر 1 2؟